نشأة الطفل الحسيني وتأثير الشعائر الحسينية في تكوين شخصيته

28-07-2024
نهاد عبد الغني الدباغ/ النجف الاشرف
يعطي الإسلام للطفل بصورة عامة احتراماً وتقديراً كبيراً، فما بالنا لو كان هذا الطفل نشأ وتربى تربية حسينية خالصة، فبكل تأكيد ستكون الثمار والنتاج أكثر وأكبر.
القضية الحسينية تعطي للطفل ميزة خاصة تختلف عن أقرانه بأمور كثيرة منها وأهمها حضوره المجالس التربية الحسينية، مما يعطيه ثقافة أخرى تبرز شخصيته وتربيته الاجتماعية، فنراه سريعاً ما يكتسب أدب أهل البيت (عليهم السلام) وأخلاقهم، ونشاهده يتعلم علومهم ويسير على نهجهم ويتخلق بأخلاقهم منذ نعومة أظفاره، وهذا سيؤثر في بناء شخصيته في الكبر ويجعله قائداً مؤثراً في البلد والمجتمع.
أما حضوره إلى البرامج والأنشطة التربوية والاجتماعية والمسابقات الحسينية والدورات القرآنية التي تقيمها المؤسسات الدينية، ستجعل منه طفلاً قرآنياً حسينياً واعياً لديه هدف في الحياة، وتترسخ عنده المبادئ والقيم الإنسانية والإسلامية في أفعاله، وعند الكبر سيكون بكل تأكيد مميزا عن اقرانه.
ولزيادة الوعي الديني للطفل الحسيني، فعلى الوالدين زج ابنائهم في المخيمات والملتقيات الحسينية التي تنشط في العطل الصيفية أو في مواسم العزاء الحسيني (شهري محرم الحرام وصفر الخير)، وهذا يؤدي إلى خلق نواة مجتمعية واعية متسلحة بمبادئ الدين الإسلامي الأصيل.
أريد القول.. إن التنشئة الدينية الحسينية هي أساس سعادة النفس الإنسانية، وهذه مسؤولية الوالدين وتقع على عاتقهم من جانب، ومن جانب آخر فهي مسؤولية المؤسسات الدينية أو المنابر الحسينية؛ لأن هذه الشريحة هي أمانة في اعناق الجميع، حيث يؤكد الله (عز وجل) في محكم كتابه المبارك: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾(التحريم/6).
ومن هذا المنطلق، لابد من عوائلنا الكريمة تنشئة وتربية أبنائهم والاهتمام بهم منذ الطفولة، وهذا حقهم عليهم، إذ يبين الإمام زين العابدين (عليه السلام) ذلك، قائلاً: «وأمّا حقّ ولدك فأن تعلم انّه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره، وإنّك مسؤول عما وليته من حسن الأدب والدلالة على ربه (عز وجل)، والمعونة على طاعته، فاعمل في أمره عمل من يعلم أنّه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه»(1).
إن واقعة الطف مثلت منعطفا تربويا، وما حدث فيها من آثار الهمت الإنسان على تربية نفسه وساعدت كثيراً منهم على تربية أبنائهم وهناك أجيال كثيرة ظلت متمسكة بما خلفه رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وأهل البيت (عليهم السلام) الذين طهرهم الله تطهيرا، فهم المنار الذي يحتذى به والقدوة لنا وللعالم أجمع.
ومن المعلوم لدينا، أن الأطفال يحبون الاستماع الى القصص ويتأثرون بها كثيرا، بل ويتفاعلون معها فمن ذلك يستطيع الاباء الاستفادة من هذه الميزة الفاعلة، فما نرويه لهم من القصص ستطبع في ذاكرتهم، وتأثيرها سيكون أكبر من النصيحة التي ربما لا يحبذها، ستكون كالأمر بالنسبة له وهذا قد يتقبلها أو لا.
أما بالنسبة للقصة فهي تمنحه الفرصة أن يفكر ويستلهم منها الدروس والعبر، ولأجل ذلك علينا أن نستثمر الفرصة بتربية أطفالنا بأن نروي لهم قصصا عن حياة أهل البيت (عليهم السلام) كحياة رسولنا الأكرم محمد (صلى الله عليه واله وسلم)، والمواقف التي مرت بحياته وسيرته المباركة حتى استطاع هداية امة بكاملها، كما لحياة أمير المؤمنين علي بن ابي طالب والأئمة المعصومين (عليهم السلام)، ووقوفهم أمام الظلم والظالمين وكيف استطاعوا حفظ دين الله (عز وجل) من الأفكار المنحرفة كالإلحاد والمثلية والشوائب التي تخرج هنا وهناك الى يومنا هذا، وبالجانب الآخر كيفية تقديمهم التضحية والايثار والوفاء ومساعدة الجميع ليتخلقوا بفضائل أخلاقهم ويتعلموا من سيرتهم الطيبة الطاهرة.
ولا ننسى أيضاً، مدى أهمية الصوت والصورة في التربية الحسينية سواء الأناشيد أم الأفلام الكارتونية، أو حتى الأنشطة التي يمارسها الأطفال لها تأثير كبير في إيصال المعنى بشكل أوضح، فواقعة الطف عندما تخرج على شكل فيلم كارتوني ستفهم أكثر ويستوعب القضية الحسينية بشكل سليم، وعبر رؤيته لأطفال الحسين (عليه السلام) وماجرى عليهم سينمي ذلك لديه القدرة على التحمل والصبر والتسليم لأمر الله (عز وجل) والالتزام بالصلاة والأخلاق الإسلامية الأصيلة.
جميعنا يعلم أن لدى الأطفال في كل المجتمعات ميزة خاصة يشتهرون بها الا وهي تقليدهم للوالدين، وللآخرين فيقلدون كل ما يرونه أمامهم من أعمال كانت خيرا أم عكس ذلك، فإن كان الوالدان ملتزمين بصلاتهم ومواظبين على أعمال الخير فتجد الأطفال يتبعونهم أكثر ويتأثرون بشخصياتهم.
فروح الطفل قابلة على استقبال التعاليم بسرعة، وهي تشبه بذلك الأرض الخضراء الخصبة التي تستقبل كل ما يلقى فيها من البذور، فسلام الله على أمير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام) حينما قال: «إن قلب الطفل كالأرض الخالية كل ما ألقي فيها قبلته».
فمن هنا نرى أن مع دخول وسائل التواصل الأجتماعي والأجهزة الذكية وسط الاطفال صار من الصعب جدا على الوالدين السيطرة وتوفير المناخ الخالي من الشوائب والأمور الدخيلة على التربية والتقاليد والأعراف الاجتماعية، لذا وجب على الآباء الاهتمام بهذه الشريحة المهمة في المجتمع، والأولى هنا الاهتمام بهم منذ الصغر لكي لا يتحكم غيرنا بهم فلا نستطيع السيطرة عليهم ويخرجون عن جادة الطريق –لا سمح الله-.
فالتربية الحسينية هي الحل الأمثل لكل ماتطرقنا اليه، وهي الملاذ الامن لأطفالنا.. فعلينا البدء بتربيتهم بها منذ الصغر، فالتأخير سيؤزم الوضع وتصبح التربية صعبة جداً، بعدها لا يلومن أحدنا الا نفسه -والعياذ بالله-.
_______________
1. موسوعة أحاديث أهل البيت، 3/193.