من فيض حفل التكليف الشرعي.. 300 طالبة من عين التمر تنضم الى مشروع الورود الفاطمية
11-06-2024
محمد قاسم
تولي العتبة العباسية المقدسة اهتمامًا كبيرًا بحفل التكليف الشرعي، لما يمثله من قيمة دينية واجتماعية هامة في حياة المسلمين، ويهدف هذا الاهتمام إلى تعزيز الضوابط الدينية والأخلاقية لدى النشئ، وغرس حبّ أهل البيت (عليهم السلام) في قلوبهم، وتوجيههم نحو الالتزام بالتعاليم الإسلامية الأصيلة.
ومن هذا المنطلق أطلقت العتبة العباسية المقدسة فعاليات حفل التكليف الشرعي لطالبات الدفعة الثانية من النسخة السادسة في قضاء عين التمر بمحافظة كربلاء ضمن مشروع الورود الفاطمية تحت عنوان (من نهج الزهراء حجابي وبزينب اقتدائي) على قاعة جامع الزهراء الكبير.
وشارك في الحفل أكثر من (300) طالبة من طالبات مدارس القضاء التابعة للمديرية العامة للتربية في محافظة كربلاء المقدسة.
وتشرف على فعاليات الحفل شعبة الخطابة الحسينية النسوية التابعة لمكتب المتولي الشرعي للشؤون النسوية في العتبة العباسية المقدسة.
واستهل الحفل المبارك بآيات من الذكر الحكيم بصوت القارئ السيد حيدر جلوخان الموسوي، وقراءة سورة الفاتحة على أرواح شهدائنا الابرار من قواتنا الأمنية والحشد الشعبي، والى علمائنا الاعلام، والاستماع الى النشيد الوطني ونشيد العتبة العباسية الموسوم بلحن الإباء.
وتلت هذه الوقفة المباركة كلمة الامانة العامة للعتبة العباسية المقدسة القاها رئيس المجمع العلمي للقرآن الكريم التابع للعتبة المقدسة الأستاذ الدكتور مشتاق العلي.
وجاء فيها:
"عن أمير الفصاحة والبيان أعني أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، أنّه قال: «زكاة الجمال العفاف»، يرشدنا الإمام (عليه السلام) بحكمته البالغة السابق ذكرها إلى أهمية العفاف في حياة الخلق، ولاسيّما النساء منهم؛ لأنّهنّ أدعى له بالستر والحجاب؛ فهو بمثابة النّماء لجمالهنّ، وزيادة في بهائهنّ بعيون الخلق والخالق".
وأضاف: "السادة الحضور الكرام من التربويين وأولياء الأمور- بناتي العفيفات، أبارك لكم اليوم بلوغ فلذّات الأكباد من بناتنا سنّ التكليف، واسمحوا لي أنّ أوجه الكلام لهنّ فهنّ المُحتفى بهنّ اليوم، وسأوزّع كلامي لهنّ على ثلاثة تساؤلات مهمة، السؤال الأول: هل الحجاب فطرة أم التبرّج؟
بناتي العزيزات لو رجعنا إلى بداية الخلق، وبالتحديد إلى قصة أبينا آدم وأمنا حواء لتعرف معادلة الفطرة ومصادر الوسوسة لتركها، وأقصد بالفطرة بأيسر مفهوم: هي الأساسيات الأخلاقية التي يبني عليها الإنسان قيمه السلوكية في القول والفعل، من قبيل الميل إلى الكذب أو الصدق في القول والفعل، فمن الطبيعي أنَّ الإنسان يبغض بالفطرة الكذب ويمتدح الصدق، ولعلنا نحتاج إلى أن نتعرف أنّ فطرة الإنسان تمتدح السّتر والعفاف بالحجاب أم تبغضه؟ وللتأكّد من ذلك نعود لآيات القرآن المجيد، إذ يقصّ علينا الباري (جل جلاله) فيه تفاصيل قصة أبينا آدم وأمّنا حوّاء بقوله تبارك وتعالى: ﴿فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَىٰ وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَىٰ فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ﴾ (طه/117-121)، إذ تبيّن لنا الآياتُ المباركات السابق ذكرها أنّ هناك أمورًا مهمة علينا الحفاظ عليها لنكون في نعيمٍ دائم، ونكون معها في مأمن من الشقاء، ولعل أهم تلك الأمور، الحفاظ على قوتنا وأخلاقنا بدلالة قوله (أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى)ٰ فالسّتر المعبّر عنه بعدم العُري هو مصدر من مصادر بقائنا في النعيم كي لا نشقى؛ لأنّه أساس الفضائل".
وأكمل العلي: "قد بيّنت لنا الآيات الكريمات من هو العدو الحقيقي، الذي يسعى لأن يسلب منّا هذه الأمور كي نبعد من النعيم، ونتمرّغ في شقاء مديد، نعم: لقد بيّنتها الآيات بقوله تعالى (إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ) ويعني الشيطان، وكيف يسعى ذلك العدو لسلبنا أسباب البقاء في النعيم؟ يستطيع ذلك بسلاح الوسوسة؛ ولولا خطورة هذا السلاح الشيطاني لما أنزل الله سبحانه وتعالى سورةً يحصن المؤمنين فيها من ذلك السلاح الخطير، فقال: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إِلَهِ النَّاسِ مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ﴾(الناس/1-5)، ومن المهم في هذا المقام أنّ هذه السورة المباركة- أعني سورة الناس – دلّتنا على أنّ الوسوسة تصدر من إبليس الجنّي، وكذلك من جنوده الأبالسة البشريين ممن ينفذون مخططاته لسلب المؤمنين أسباب بقائهم في النعيم".
ناصحاً: "لا أريدُ الإطالة عليكنّ بناتي، ولكن لاحظن معي كيف أنّ الآيات السابقات تكشف لنا أنّ الستر والعفاف بالحجاب هو المتوافق مع فطرة الإنسان منذ الخلق الأول، بحيث عمل أبونا آدم وأمنا حواء على تغطية ما ظهر منهما بعد هتك الستر عنهما بسبب استماعهما لوسوسة الشيطان، فلو كان هتك الستر موافقًا للفطرة لما عملا على البحث لما يتستّران به بعد وقوعهما في فداحة هتك الستر".
موضحاً: "بعد أن بيّنا في إجابة السؤال الأول أنّ الستر والعفاف بالحجاب هو الفطرة الحقة التي جبل عليها الإنسان منذ الخلق الأول، ننتقل إلى سؤال مهم آخر، وهو هل الحجاب عبادة أم مظهر؟ كثير من الناس يحاول أن يجعل من الحجاب مظهرًا شكليًّا، ويقنع المؤمنين وسواهم أنّه ليس من العبادات الأساسية، بل هو من الكماليات الظاهرية؛ من أجل تخفيف وطأة تركه، فمن الطبيعي أن يستهين الإنسان بالكماليات؛ لأنّ الدين لا يتوقف عليها، ولكن لو دققنا بالآيات الكريمات والأحاديث الصحيحة الواردة عن أهل بيت النبوة (عليهم السلام) لوجدنا أنّ الحجاب ليس مظهرًا شكليًا، أو مطلبًا سطحيًّا، بل هو فريضة واجبة، والالتزام به عبادة لازمة، تستحق البنت العقاب والحساب على تركها، لذا عليكنّ بناتي المهذبات أن تلتفتن إلى وعي هذه المسألة، وألا تستمعن إلى أبالسة البشر الناشرين لوساوس الشيطان، الذين يحاولون إقناع الخلق بأنّ الحجاب مظهر شكلي، لا عبادة مفترضة، وما يرتبط بالوسوسة السابقة، هناك تساؤل آخرُ نتج عن الأبالسة الشيطانيين والبشريين الذين حاولوا إقناع الخلق بأنّ الحجاب يمنع المرأة من التعلم، لأنّه مظهر من مظاهر الرجوعية ومانع من موانع التقدم والمدنية، فهل حقًّا أَنّ الحجاب كذلك؟ الجواب بسهولة ويسر، انظرن إلى معلماتكن المحجبات ألسن متعلمات؟ وهنّ أستاذات في مختلف التخصّصات، اللغة، والحساب، والفيزياء، والكيمياء، والعلوم، وغيرها من التخصّصات، ألم تجدن الطبيبات والمهندسات والأديبات من المحجبات؟ فهل منعهنّ الحجاب والعفاف من التعلم والإسهام في بناء الحياة؟ الجواب: مؤكد، لا".
مختتماً: "في الختام، لا يسعني إلا أن أنقل تحايا ودعاء سماحة المتولي الشرعي للعتبة العباسية المقدّسة سماحة السيد أحمد الصافي (دام عزّه)، وتحايا ودعاء الأمانة العامة للعتبة العباسية المقدّسة ممثلةً بأمينها ونائبه وأعضاء مجلس إدارتها، الذين لم يدخروا وسعًا في دعم هكذا أنشطة تسعى لخدمة المؤمنين وأسرهم لما فيه من إحياء للفضائل وتحصينًا من الرذائل، ولا أنسى أن أشكر مكتب المتولي الشرعي للشؤون النسوية ممثّلًا بشعبة الخطابة النسوية في العتبة العباسية المقدسة على إصرارها على إحياء هذه الفعالية كلّ عامٍ؛ خدمةً لأقمار مجتمعنا من بناتنا المكلفات ليكنّ منارًا لحياة المجتمع المؤمن في المستقبل القريب".
ومن ثم رددت الطالبات عهد التكليف الشرعي وتضمّنت الكلمات التي ردّدتها الطالبات المشاركات معًا خلال الحفل: «أتعهّد أن أحافظ على شرف تكليفي.. وأن التزم بأحكام ديني.. وأن اجتهد في طاعة ربّي، وموالاة نبيّي وأئمّتي».
وتلا ترديد العهد عرض فلم عن مشروع الورود الفاطمية الذي حمل العديد من الفعاليات على مدار عدة سنوات.
وكان للشعر حضور بارز من قبل سفير اجر الرسالة الشاعر الأستاذ محمد الفاطمي.
وللطالبات المشاركات كلمة القتها الطالبة أسماء كاظم جواد، ذكرت فيها: أنّ "الإسلام جعل المرأة ملكة، وتاج ملكها الحجاب وتاج العفة والوقار وتسمو بها الفتاة لتستضيء بنور الزهراء (عليها السلام) وتمتلئ حياتها برضا الله تعالى ولا يفي لبس الحجاب فقط، بل تنفيذ وأداء ما عليها من واجبات لأنها أم الغد".
وأضافت: "مكلفات مدارس عين التمر اللاتي بدأن مرحلة عمرية جديدة، وهي بلوغهن سنّ التكليف وترسيخ الثقافة الدينية واكتسبن القدرة من أداء واجبهن الديني وفق معايير التكليف الشرعي وأصبح لديهن مخرجات دينية تعليمية في حياتهن اليومية".
وقدّمت الطالبة باسم جميع المكلفات في مدارس قضاء عين التمر الشكر للعاملين في العتبة العباسية، وفي مقدمتهم السيد أحمد الصافي (دام عزه) وشعبة الخطابة الحسينية النسوية: "لتشجيع تلميذات المدارس اللاتي بلغن سنّ التكليف وارتداء الحجاب وإثارة الدافعية الدينية لديهن وكذلك المساهمة بزرع فرحة التكليف وبذرة الإيمان في نفوسهن".
ومن ضمن فقرات الحفل الأخرى، هو القاء نشيد التكليف من قبل الطالبات المشاركات في الحفل، ورددت أكثر من (300) طالبة نشيد التكليف وهنّ مرتديات العباءة الزينبية في منظر بيهج يسر الناظر.
ومن ثم اختتمت العتبة العباسية المقدسة فعاليات هذا الحفل البهي الذي كُلف فيه أكثر من (300) طالبة من قبل هذا المشروع المبارك.
وعلى هامش الحفل أكّدت الملاكات التدريسية والتربوية في كربلاء، أن حفل التكليف الشرعيّ للطالبات مشروعٌ ناجح وله مستقبلٌ كبير.
وقالت المشرفة التربوية الدكتورة نداء الغانمي: إن "الورود الفاطميّة لتكليف الطالبات مشروعٌ ناجح وله مستقبلٌ كبير، ويسعى لغرس مبادئ الإسلام وحبّ أهل البيت (عليهم السلام) في نفوس الطالبات، ونتقدّم بالشكر والامتنان لإدارة العتبة العبّاسية المقدسة لتنظيمها هذا النشاط".
ومن جانبها ذكرت المشرفة التربوية السيّدة إقبال الكتبي: إن "العتبة المقدّسة تستكمل مشروع الورود الفاطمية اليوم في قضاء عين التمر بمحافظة كربلاء، وهو من المشاريع الرائدة والناجحة، في تعزيز ثقة الطالبات في أنفسهنَّ، ويسهم في إعدادهنّ لأن يكوننَّ أمّهات في المستقبل؛ وبالتالي تكون لديهنَّ مخرجات دينية وعقائدية وتعليمية، تساعدهنَّ في رسم خارطة طريقهنَّ نحو مستقبل مشرق".
وفي السياق ذاته ذكرت مديرة مدرسة المرتضى السيدة أميرة كريم: أن "مشروع الورود الفاطمية من المشاريع الكبيرة التي نالت استحسان الوسط التربوي وأولياء الأمور، لما فيه من فائدة مستقبلية في نفوس الطالبات المشاركات".
وأضافت: إن "لحفل التكليف أثراً إيجابياً كبيراً في قلوب المشاركات، ونتمنى أن يستمر ليشمل جميع محافظات العراق وأقضيته ونواحيه، وأن يصل إلى أبعد نقطة من بلدنا العزيز".
اراء أولياء أمور الطالبات المشاركات
ولأولياء أمور الطالبات المشاركات اراء بهذا الحفل المبارك، فقالت السيّدة ابتسام علي، والدة إحدى المكلّفات: إنّ "الفعّاليّات التي تقيمها العتبة العباسيّة المقدّسة، لا سيّما حفل التكليف الشرعيّ، تزرع بذرة من نهج السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) في حياة التلميذات"، لافتةً إلى أن "الحفل كان له أثر إيجابيّ كبير في نفوس بناتنا المكلّفات".
ومن جانبها أكّدت السيّدة ماجدة مهدي، والدة إحدى المكلّفات: إنّ "اهتمام العتبة المقدّسة بهذه الشريحة ممّن بلغن سنّ التكليف الشرعيّ يعزّز من تعليمهنّ لتعاليم الدين الإسلامي، ويمثّل عاملًا مكمّلًا لما تتلقّاه الطالبة في بيتها".
وقدّم ذوو المكلّفات شكرهم للعتبة العبّاسية ولشعبة الخطابة الحسينيّة النسويّة، لما تقيمه من فعّاليّات وأنشطة تربّي أجيال المستقبل على نهج النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام).