في مصبات المسابقة تمتزج مفردات "ذلك الكتاب" العذبة في إرواء المحيط الاجتماعي
21-01-2024
حسنين سامي
شرع المجمع العلمي للقرآن الكريم في العتبة العباسية المقدسة في إطلاق مسابقة تهدف الى تعزيز الثقافة القرآنية عبر قراءة الكتب التخصصية وعنونها بـ"ذلك الكتاب"، ورصد إليها جوائز محفزة للفئات العمرية المستهدفة، لحثها على مطالعة الكتب وخاصة المرتبطة بثقافة الثقلين الشريفين.
وان كان العلم نوراً فالقراءة هي من توقده وهي الركيزة الأساسية التي اعتمدتها اللجنة العلمية في الاختبارات من ضمن الشروط الموضوعة لاستقبال الراغبين بالمشاركة، بهدف التعرف على مستويات المتقدمين ومن بينها ان يجتاز المتقدم اختبار القبول التمهيدي الذي ينص على ان يقرأ كتاب من تحديد اللجنة العلمية، ويلخصه بمقطع مصور لا يتجاوز 180 ثانية، ويرسله عبر الرابط الذي أطلقه القسم والخاص بالمسابقة على تطبيق التيلجرام الرقمي.
المسابقة استمرت أكثر من سنة، توجهت الى ثلاث فئات عمرية تبدأ بالبراعم من (8-12) عاما، والاشبال الذي تتراوح أعمارهم ما بين (13-18) عاما، والفئة الأخيرة هي الشباب وحددت بالأعمار الموجودة بين (19-25) عاما، بحسب رئيس قسم المجمع العلمي الدكتور مشتاق عباس معن.
وأضاف، "الهدف من المسابقة هو احياء حركة القراءة في المجتمع، وبالخصوص للكتب التي تضم في نصوصها الثقافة القرآنية المباركة والجنبة العقائدية والتاريخية وبأساليب متعددة".
جذب الأطفال نحو الكتب يساعد على تنمية مداركهم وحث الاشبال على ذلك ممن هم في الدراسة الثانوية يسهل عليهم قراءة كراريسهم المدرسية، واستثمار أوقات الشباب أصحاب التخصصات الجامعية يزيد من خزانتهم المعرفية، كل تلك الأبواب تطرقها العتبة العباسية المقدسة عبر المسابقة في ان واحد وعلاوة على ذلك تسليح الأجيال بذخيرة ثقافية يواجهون بها صعاب الحياة وتساؤلاتها.
وقال المشرف على المسابقة والمعاون العلمي لرئيس المجمع الدكتور لواء العطية: ان "فكرة المسابقة قائمة على تقديم كتب متخصصة بالدين والعقائد والتاريخ والثقافة الى المتسابقين لقراءتها بعناية ويتم اختبارهم من قبل اللجنة المتخصصة لكل فئة بأسئلة حول ما قرئوا ومن كلا الجنسين".
وأضاف، "المسابقة تكونت من أربع مراحل، الأولى هي الشعاع ويقرأ المتسابق من خلالها لفئة البراعم كتابين والاشبال ثلاثة كتب والشباب 8 كتب، اما المرحلة الثانية بمسمى النور ويزداد عدد الكتب للمتسابقين وتكون للشباب 10 كتب وللأشبال 8 واما البراعم فخمسة كتب".
وتابع، أما "المرحلة الثالثة يتسع بها افق النور ليصل الى الضياء بحجم الفائدة التي زُقت للمتسابقين والتي كانت للأطفال بقدر 8 كتب، وللصبية 11 كتاباً، وللشباب 12 كتاباً، والمرحلة الأخيرة اشد صعوبة واشد نوراً وتسمى بالمشكاة، إذ يأخذ الأطفال 10 كتب والاكبر منهم 13 كتاباً والفئة الاكبر عمراً بالمسابقة 15 كتاباً".
ونوه العطية الى، ان "المرحلة الأخيرة والرابعة من المسابقة جرت احداثها في مقر جامعة العميد التعليمة لأكثر من 80 متسابقاً من مختلف محافظات العراق، بإشراف لجان تحكيمية اكاديمية متخصصة ولمدة 7 ساعات متواصلة".
وأوضح، أن "اللجنة العلمية تكونت من ثلاث فرق تحكيمية للذكور ومثلها للإناث توزعوا على ست قاعات في الجامعة لاختيار 10 فائزين من كل فئة، بالإضافة الى تحديد أصحاب المراكز الثلاث الأولى من أولئك الفائزين".
إعلان الحفل الختامي للمسابقة
وبعد ان أكملت اللجنة المشرفة واللجنة العلمية عملها في أيام المسابقة لم يتبقَ على عاتقهم غير إعلان الحفل الختامي، لذا اعد القسم العدة للاحتفاء بثلة من خير ما يمثل حاضر ومستقبل المجتمع وتقدمه الثقافي، بالاعتماد على الإرث العلمي المقتبس من ذرية النبي الكريم (صلى الله عليه واله).
فعلى قاعة الامام الحسن (عليه السلام) عند مرقد ابي الفضل العباس (عليه السلام) اجتمع أصحاب الشأن من أعضاء مجلس إدارة العتبة المقدسة واللجنتين المتخصصتين للمسابقة المشرفة والعلمية، والمتسابقين وذويهم للخروج بحفل ختامي يليق بما تقدمه تلك الفعالية المباركة.
المتسابقون على اختلاف فئاتهم العمرية حضروا مع ذويهم، وقلوبهم تواقة الى معرفة النتائج النهائية، وسرعان ما اسكنها السيد حيدر جلوخان بآي من الذكر الحكيم، ليعلن بذلك بدء الحفل الختامي ليعقبه عادات وتقاليد العتبة العباسية المقدسة من قراءة سورة الفاتحة الى أرواح الشهداء والعلماء والنشيد الوطني ونشيد لحن الإباء.
الحضور الأكاديمي والديني الذي زين الحفل بانت على وجوههم ملامح الاعجاب بكل ما يخص المسابقة بنسختها الأولى وهم يستمعون الى كلمة المجمع العلمي للقرآن الكريم التي القاها الدكتور لواء العطية وجاء فيها: "نرحب بكم في هذا الحفل أجمل ترحيب، وأنتم تسهمون في صنع جيل واع متسلح بمفاهيم القرآن الكريم وبمعارف أهل البيت (عليهم السلام)، اليوم العتبة العباسية المقدسة تحتفل بحصد ثمار مسابقة فكرية قرآنية عمل المجمع العلمي للقرآن الكريم عليها قبل خمسة عشر شهرا."
وأضاف، "إزاء التحديات المعاصرة المتمثلة بالانفتاح الفكري والثقافي، وإشاعة المعرفة المجتزأة المشوهة، وفي خضم الواردات الفكرية الهجينة على المجتمع المسلم حرصت المرجعية الدينية في النجف الأشرف على تحصين المجتمع ولاسيما شريحة الشباب، ومن ضمن وصاياها، أوصت بالعناية بقراءة ثلاثة كتب، وهي كتاب الله المجيد القرآن الكريم، وكتاب نهج البلاغة الجامع لكلام أمير المؤمنين (عليه السلام) وحكمه ورسائله، وكتاب الصحيفة السجادية، وهو مجموع أدعية الإمام علي بن الحسن السجاد (عليه السلام).
وتابع، "من هذا التوجيه وبرعاية مباشرة من لدن المتولي الشرعي للعتبة العباسية المقدسة سماحة السيد احمد الصافي (دام عزه)، أطلق المجمع العلمي للقرآن الكريم مسابقة "ذلك الكتاب"، مطلع شهر أيلول من العام الماضي، وهي مسابقة تعتمد قراءة الكتب الفكرية القرآنية وسيلة لتحقيق أهدافها، وبدأ التسجيل عبر رابط محدد، وبفضل الله بعد أشهر وصل عدد المسجلين إلى ألفين وأحد عشر مشاركا من الذكور والإناث، وهو مؤشر إيجابي في زماننا هذا".
وأشار العطية إلى، "قد حددت اللجنة المشرفة على المسابقة آلية لمجريات المسابقة، بدأت باختيار كتاب واحد في المرحلة التمهيدية، ومن ثم بدأت مراحل الاختبار بلجنتين منفصلتين، لجنة لاختبار الذكور، والأخرى لاختبار الإناث،
وكلتا اللجنتين من أساتذة الجامعات، وكان التحكيم قائما على وفق معايير علمية تكشف المهارات اللغوية والقراءة الوظيفية والمعارف المكتبية".
وأكمل، "جاءت مرحلة الاختبار النهائي الذي حققناه البارحة في أروقة جامعة العميد بمشاركة ثمانية وثمانين، وكانت حصيلة الكتب المقروءة ثمانية وسبعين كتابا توزعت على ثلاث فئات عمرية، وهي البراعم والأشبال والشباب، وقد عملنا على فرز النتائج بشفافية وموضوعية وتحديد الفائزين من كل فئة على وفق استمارات لجان التحكيم".
وأختتم، أن "أهم ما نطمح إليه هو إشاعة الثقافة القرآنية الرصينة المستمدة من معارف أهل البيت (عليهم السلام) وبيانات علمائنا الأعلام قدس الله أسرار الماضين منهم ومد ظل الباقين منهم ونفعنا بعلومهم".
توثيق الحدث عبر الكلام الموزون والمقفى بشكل عمودي والذي يتلون بصبغة الايثار والحماس له اثراً في تحريك الوجدان أثر وشاهده على ما تقدمه العتبة العباسية المقدسة عبر اقسامها المختلفة خدمة للمجتمع في المستقبل ومن وحي شعر الاديب الأستاذ علي الصفار بقصيدة تحمل عنوان "ذلك الكتاب".
وتخلل الحفل فقرة لأداء ثلاثة متسابقين في المراكز الأولى لعرض الفائدة التي خرجوا بها من مشاركتهم في مسابقة (ذلك الكتاب) وكيفية تزكية ما تعلموه خلال فترة قضوها برفقة الكتاب.
اللجنة العلمية التي كان على عاتقها تصفية الاعداد الكبير التي تقدمة للمسابقة منذ الإعلان عنها في مطلع شهر أيلول لسنة 2022م بجهد كبير يدل على جهود العتبة العباسية المقدسة في تنظيم مثل هكذا مسابقات ضخمة وفق معايير علمية وفكرية وثقافية فضلا عن الأساليب المتبعة في جذب الشباب على مائدة القراءة.
عضو لجنة التحكيم لمرحلة الشباب الدكتور حيدر فاضل عباس، بين: ان "المعايير التحكيمية في مراحل الاختبار تزداد تركيزاً في المراحل المتقدمة من المسابقة، وعلى المتسابق التفكير بشكل علمي دقيق فيما يقرئه ويبين ما استفاد من الكتاب وطرح عنواناً اخر للكتاب".
وأضاف، ان "في مثل هكذا مسابقات فكرية وثقافية لا يكون هناك خاسر الكل استفاد من المشاركة على الصعيد المعرفي فهي تعمل على تطوير شخصية المتسابقين من الناحية الاسلوبية والتعبيرية والادراكية".
واشار الى، ان "المسابقة شهدت تفاعلاً واسعاً من المتسابقين والشغف الكبير للاطلاع على الكتب المتخصصة الموضوعة لهم على مستوى فئة الشباب الذين كان مستواهم يسر النفس".
الكتب التي اختيرت لتكون مادة للمسابقة هي من إصدارات بعض اقسام العتبة العباسية المقدسة مثل قسم شؤون المعارف الاسلامية وقسم الشؤون الفكرية وغيرها من إصدارات العتبتين المقدستين العلوية والحسينية ولمؤلفين وعرفوا بولائهم لأهل البيت (عليهم السلام) ومستواهم العلمي الكبير في إطار خدمة القرآن الكريم.
من جانبها عضو اللجنة التحكيمية للإناث الأستاذ المساعد الدكتورة معالي هاشم علي من جامعة كربلاء قالت: ان "اللجنة المنظمة للمسابقة كانت موفقة جداً في اختيار الكتب وتوزيعها على الفئات العمرية اذ تحاكي مستويات عقولهم وتجيب التساؤلات الدينية التي تدور في اذهانهم".
وأضافت، "حجم الإنجاز يتمثل في ارجاع منزلة الكتاب بين طبقات المجتمع وإعطائه مكانته الصحيحة بما يتناسب والفائدة العلمية الثقافية المستقرات منه وعدم حصره في جانب اخذ المصادر فقط".
وبينت، "المتسابقات من فئة الاشبال والشباب بالنسبة للبنات بعضهن يمتلكن لباقة في الكلام والملكة في التعبير، جاءتهن المسابقة بمثابة صقل لمواهبهن ورفدهن بمعلومات صحيحة ورصينة".
وشهد الحفل تكريم اللجنتين المشرفة والتحكيمية، بهدف خدمة المجتمع واحياء حركة القراءة بين اوساطه، وليختتم بتكريم الفائزين عن كل فئة والاعلان عن أسمائهم، اذ فاز عن فئة البراعم في المرتبة الأولى زهراء حسين علي واتت الوصافة لزينب حسان عباس، فيما حل ثالثاً حسين مؤيد خضير.
وكانت الجوائز المالية للفائزين قيمة جداً، اذ كرمت الأولى بمبلغ قدره 3 مليون دينار عراقي، والثاني بمكافأة مالية قدرها 2 مليون دينار عراقي، وصاحب المركز الثالث اخذ مليون دينار عراقي.
وقالت الفائزة بالمسابقة على فئة البراعم المتسابقة زهراء حسين: ان "المسابقة اضافت لها الكثير من المعلومات القيمة، بالإضافة الى المصطلحات اللغوية الجديدة واثارة روح المعرفة والاطلاع لديها".
وأضافت، "المسابقة فتحت لنا افاقا جديدة للقراءة، وتمكنت من قراءة 16 عشر كتاباً بشكل عام في كل مراحل المسابقة والتي عززت في داخلي مفهوم القيم الأخلاقية والدينية".
وبالنسبة للأشبال فقد حصلت على المركز الأول المتسابقة ريم رحيم ناصر، والتي استحقت جائزة قدرها 3500،000 دينار عراقي، وحل ثانياً المتسابق مؤمل هيثم عبد الرحمن والذي نال 2500،000 دينار عراقي، وجاء ثالثاً عن تلك الفئة أمنة رائد بداي والتي استحقت عن مركزها 1500،000 دينار عراقي.
وقالت المتسابقة ريم رحيم صاحبة المركز الأول لفئة الاشبال: "اننا نشجع كثيراً على اقامة مثل هذه المسابقات المعرفية، والتي تعد ينبوعاً للمعرفة بخصائص محمد واله الكرام (صلى الله عليه واله)، بالإضافة الى توسعة القدرة الاستيعابية للمشاركين".
وأشارت إلى، أن "هذه المسابقة بالخصوص تقوم على الأسس القرآنية وتبني اعرافاً مجتمعية مأخوذة من فضائل القرآن الكريم وأهل البيت (عليهم السلام) عبر الكتب المتنوعة وقد أحصينا 26 كتاباً منها".
من جهته بين والد المتسابقة امنة رائد بداي: "تأتي المسابقة بمثابة التسليح الفكري والعقائدي الى طبقات المجتمع الأكثر استهدافاً بالثقافات الغربية المتطرفة، بالإضافة الى استثمار وقتهم وتوجيههم الى النهل المعرفي من العلوم الغنية لأهل البيت (عليهم السلام)".
وأضاف، "للعتبة العباسية المقدسة الفضل في تخريج مثل هذه النماذج من الشباب للمجتمع ليسهموا في نشر الوعي والثقافة وطرح الأجوبة الصحيحة لبعض المواضيع الدينية لدى محيطهم في البيت او المدرسة".
فئة الشباب التي تعد واجهة المسابقة وأكثر الآمال المعقودة عليهم بوصفهم أكثر طبقة فعالة في المجتمع، ترشح منهم المتسابق والطالب في قسم اللغة الإنجليزية من جامعة الكوفة حيدر علي محمد في المركز الأول واستحق جائزة قدرها 5 مليون دينار عراقي، وتلته المتسابقة تبارك صادق ونالت 3 مليون دينار عراقي، وحل في المركز الثالث المتسابق علي قحطان والذي كان نصيبه 2 مليون دينار عراقي.
تتضح رؤية العتبة العباسية المقدسة في اقامة مثل هكذا نشاطات قرآنية وفكرية عند الاستماع لآراء المشاركين في المسابقات حول المكتسبات التي كان أبرزها هي الدفاع عن مبادئ الإسلام الحنيف واثبات الوجود الالهي بطريقة علمية ومعاصرة.
المتسابق حيدر علي محمد بين: انه "نال المركز الأول عن فئة الشباب بعد اجتياز مراحل المسابقة الأربعة بقراءته أكثر من 30 كتاباً تشمل الاختصاص الديني والعقدي والتاريخي والفكري بشكل دقيق وتلخيصها".
وأضاف، "اللجنة التحكيمية للمسابقة اتسمت برصانة علمية بالغة اتضح ذلك عبر اسئلتهم الدقيقة حول الكتب المطلوبة، بالإضافة الى تقييماتهم للمتسابقين حول مدى وعيهم في التفكير الناقد للعناوين المطروحة وتوضيح اهداف المؤلف لتلك الكتب".