الساقي.. من المياه الى التمور الى الحنطة مشروع اقتصادي متكامل في عمق الصحراء

04-07-2023
هيأة التحرير
ست سنين خلت، وبات المشروع يطرح أولى ثماره، مبشرا بعطاء كبير على محافظة كربلاء المقدسة خصوصا، والعراق عموما، ابتداء من توفير مياه الشرب والسقي لما لا نهاية، مرورا بأجود أنواع التمور واندرها، وانتهاء بالمحاصيل الاستراتيجية التي ستمثل دعما ملحوظا لقطاع الاقتصاد العراقي.
اذ اثبتت الجهود والعقول المخططة والمنفذة لمشروع الساقي (المياه البديلة) نجاحها وتحملها للمسؤولية التي القتها على عاتقهم الأمانة العامة للعتبة العباسية المقدسة.
الآبار وبساتين النخيل
بهمة ونشاط يتحرك (الحاج زكي صاحب) بين فسائل النخيل دون ان تعيقه عن ذلك عتي سنوات عمره التي تجاوزت 60 عاماً.
فالحاج زكي يتولى إدارة مشروع الساقي منذ أكثر من 7 سنوات خلت، ويحرص بشدة على سلامة ونجاح هدفه بأقصى ما يمكن، فمشروع الساقي هو أحد المشاريع الاستراتيجية التي اسستها الأمانة العامة للعتبة العباسية المقدسة في عمق الصحراء، على مسافة 55 كم غرب محافظة كربلاء.
وأنشئ المشروع بهدف تأمين المياه الصالحة للشرب لسكان مدينة كربلاء في الأحوال الطارئة والاستثنائية.
يقول الحاج زكي، "كانت فكرة المشروع عام 2014م، الا ان المباشرة الفعلية ابتدأت بحفر الابار عام 2016م".
مبيناً، "بلغ مجموع الابار المنتجة حالياً (55) بئراً والعدد قابل للزيادة".
ويضيف، "كانت ارض المشروع عبارة عن ابنية لمخازن عتاد الجيش العراقي ابان حقبة النظام البائد".
موضحا، "استغرقت عملية تطهير ارض المشروع مدة (6) أشهر، تضمنت إخلائها وازالة المخلفات الحربية التي كانت منتشرة".
وربط مشروع مياه الساقي (المياه البديلة) بأنبوب يمتد الى مدينة كربلاء المقدسة، وتحديدا انبوب المياه المغذي لقضاء عين التمر.
وذكر الحاج زكي ان المشروع تضمن انشاء شبكة طرق تتفرع داخل المشروع بمساحة (70) كيلو متراً وهي تربط بين اقسام المشروع المتنوعة.
ويشير مدير المشروع الى، ان "نظراً لعدم وجود حاجة لمياه المشروع تم توظيف الابار لأنشاء مشاريع زراعية مهمة".
اذ غرست إدارة المشروع أكثر من (23) ألف فسيلة، موزعة على (100) نوع من النخيل التي تضم أنواع نادرة من التمور.
وتبلغ مساحة الأراضي المخصصة لزراعة النخيل أكثر من (600) دونماً، بمعدل (33) حقلا، يحمل اسم كل حقل منها اسماً لمعصوم او صحابي او تابعي.
ويبين الحاج زكي ان "العام الحالي سيشهد جني محصول التمور في حقل السيدة خديجة عليها السلام والذي يعد اول الحقول انتاجاً".
ويتابع، "المزرعة تضم ايضاً أشجار الزينون والرمان والتفاح والكروم وبعض أشجار الزينة، الى جانب حضائر الغزلان والنعام وطيور الزينة والاسماك.
ويأمل الحاج زكي حسب قوله في ان تشهد الأعوام القادمة توسعاً في المزرعة وتنويعاً لمزروعاتها.
مزارع الحنطة
الى ذلك يتنقل حيدر نايف سكر وسط حقول الحنطة بسيارة البيك اب البيضاء، قاطعا بذلك آلاف الأمتار بين حقل وآخر.
وحيدر هو معاون مدير موقع مزارع الحنطة التابعة إلى مشروع الساقي، أحد المشاريع الاستراتيجية التي تبنتها الأمانة العامة للعتبة المقدسة.
ويرجح حيدر بأن يتخطى إنتاج المزرعة هذا العام 2023 سقف ال 1000 طن من محصول الحنطة.
مشيرا، "لم يتجاوز سقف الإنتاج في العام الماضي 720 طن".
وعانى العراق قلة في إنتاج المحاصيل الاستراتيجية، كمحصولي الحنطة والشعير بسب تدهور القطاع الزراعي خلال الأعوام السابقة، فيما تعمل العتبة العباسية المقدسة على دعم هذا القطاع الحيوي.
ويشير حيدر إلى، أن "إدارة المشروع ارتأت الاستفادة من مياه الساقي في زراعة حقول الحنطة".
موضحا، "ابتدأ مشروع زراعة الحنطة بـ(360) دونماً عام 2018، في حين بلغت المساحة المزروعة حاليا 1200 دونم".
ووفرت إدارة المزرعة أربع عشرة مرشة محورية للمياه تركية المنشأ لاعتمادها لسقي الحقول.
ويعد موقع المزارع من الأراضي الصحراوية القاحلة، وقد نجحت ملاكات العتبة العباسية المقدسة في تحويلها إلى واحات خضراء تدر على الدولة بمحاصيل استراتيجية بمعدلات قابلة للزيادة كل عام.
وتسعى الأمانة العامة للعتبة المقدسة إلى توفير فرص عمل من خلال مشاريعها لضم الملاكات والمهارات الفنية في المشاريع التي تؤسسها.
فبحسب معاون المدير فأن "جميع الملاكات العاملة في إدارة مزارع الحنطة هم عراقيون".
وتجري حاليا عمليات حصاد ونقل الحنطة إلى المخازن المخصصة لها قبل أن تنقل إلى مخازن وزارة التجارة العراقية. بحسب حيدر.
وسبق ان شيدت إدارة مزارع الساقي مخازن كبيرة لاستيعاب محاصيل الحنطة والشعير التي تم زراعتها.
معمل التمور
الى شمال غرب مزارع الساقي، اقصى زاوية فيه، ترتفع جدران معمل جديد سيرى النور قريباً.
فعلى مساحة 2400 متر مربع، شيدت ادارة المشروع مصنع تعليب خاص بالتمور.
ويعد هذا المعمل (قيد الانشاء) هو الاول من نوعه على مستوى العراق منذ عام 2003.
اذ يقضي المهندس مشتاق عبد الجليل الذي نصب مديرا للمعمل جل ساعات يومه في اكمال نصب المعدات الخاصة بتعليب التمور خلال الفترة المخصصة لذلك.
ومشتاق هو احد افراد قسم المشاريع الهندسية في العتبة العباسية المقدسة، وأنظم الى القسم منذ أكثر من عشر سنوات.
يقول مشتاق، ان "الجهود مكثفة لإتمام انجاز المعمل خلال الاشهر القليلة القادمة".
مبيناً، "تم نصب معدات الخط الانتاجي الاول في الوقت الحالي، ويجري العمل على اكمال نصب معدات الخط الثاني".
وجهز مصنع التمور القريب من مزارع النخيل بمعدات حديثة ومتطورة ذات المنشأ التركي وبتقنيات المانية، تتميز بتقنية الفاكيوم (سحب الهواء) وهي قادرة على انتاج طن ونصف من اصابع التمر والتمور المعبأة خلال الساعة الواحدة.
وتتصف تقنية الفاكيوم بحفظ الاطعمة والأغذية لأطول مدة ممكنة بعيداً عن التلوث.
في حين الخط الثاني يختص بإنتاج عجوة التمر بمعدل (600) كيلو غرام في الساعة الواحدة، توضع داخل عبوات مختلفة الاحجام وحسب الطلب.
ويشير مدير المعمل الى، ان "معدات الانتاج متصلة بشبكة الانترنت عبر تقنية (WIFI) بشكل مباشر مع الشركة المصنعة لتشخيص ومواجهة الأعطال التي قد تصيبها".
وتحتل جودة انواع التمور اولوية لدى خطوط انتاج المعمل. بحسب المهندس مشتاق.
موضحا، "المعمل سيعتمد على التمور التي تنتج من مزارع نخيل الساقي".
مضيفاً، "كما سنعتمد استيراد التمور الاخرى من خارج المزارع لمواكبة خطوط الإنتاج".
لافتاً، الى ان "ادارة مشروع الساقي شيدت أربعة مخازن كبيرة لاستقبال المنتجات قبل عمليات التسويق".
وبحسب التقديرات الأولية فأن كميات الإنتاج ستغطي ثلثي حاجة السوق العراقي للتمور.
اذ يرجح مدير المعمل ان منتوجاته ستنافس المستورد لجودته كماً ونوعاً.
ويعد هذا المعمل خطوة تطويرية للصناعات الغذائية في العراق وضعت العتبة العباسية المقدسة على صعيد الصناعات في العراق.