لتكون شاهدا على جرائم التطرف.. تخصيص أول مقبرة جماعية مركزية لضحايا الإرهاب في العراق

04-07-2023
علي طعمة ‏
ترسيخا لذاكرة الأجيال، ولغرض اطلاع العراقيين والعالم الأجمع على فظاعة وحجم الجرائم التي ارتكبها النظام الديكتاتوري البائد.. تبنت العتبة العباسية المقدسة إنشاء أول مقبرة جماعية مركزية لضحايا الأنظمة الدكتاتورية والجماعات التكفيرية في محافظة النجف الاشرف.
جاء ذلك القرار خلال اجتماع مشترك عُقِد في بغداد بين المركز العراقي لتوثيق جرائم التطرف، وشاركت فيه دائرة الطب العدلي في وزارة الصحة العراقية، ودائرة المقابر الجماعية في مؤسسة الشهداء، وجمع من ممثلي وذوي ضحايا المجزرة، للبحث في سبل تنظيم تشييع وطني لضحايا مجزرة سجن بادوش، وآليات مواراة رفات الضحايا في مقبرة وادي السلام.
وبهذ الشأن يقول مدير المركز العراقي لتوثيق جرائم التطرف الدكتور عباس القريشي، إنَّ "العتبة المقدسة تبنّت مشروع تخصيص مقبرة مركزية لضحايا جرائم الأنظمة الدكتاتورية والجماعات التكفيرية لتكون شاهدًا على مدى بشاعة الانتهاكات والمجازر التي تعرّض لها العراقيُّون".
ويضيف، "المقبرة سترسخفي الذاكرة العراقية هذه الإبادات والجرائم، وتربط الأجيال مع تاريخ البلد".
موضحا، "الهدف هو منع تكرار هذه الجرائم من جانب، وحماية التأريخ من التزييف والتحريف من جانبٍ آخر".
مشيراً إلى، أن "العتبة العباسية مستمرة بدعم الجهود التي تبذلها مؤسسة الشهداء وملاكاتها المتمثلة بدائرة شؤون وحماية المقابر الجماعية ودائرة الطب العدلي في توثيق الانتهاكات التي ارتكبها نظام البعث البائد وأزلامه وداعش وما لحق بالعوائل من أضرار".
وبحسب المنظمات الدولية الحقوقية فأن العراق يعدُّ من أكثر بلدان العالم التي تحتوي على المقابر الجماعية.
وركزت أجندات الاجتماع على الآليات المتبعة في الكشف عن رفات شهداء مجزرة سجن بادوش التي ارتكبتها افراد تنظيم داعش الإرهابي بحقّ نزلائه وتحديد هوياتها،فضلا عن تنظيم آلية تسليم رفات الشهداء المتعرف عليهم من قبل ذويهم والبالغ عددهم (٧٨) شهيداً.
وفي السياق ذاته، أشار المدير العام لدائرة شؤون المقابر الجماعية في مؤسسة الشهداء الأستاذ ضياء كريم الساعدي، الى أنّ "التعاون مع العتبة العبّاسيّة المقدّسة أحدثَ تقدّماً كبيراً في ملف المقابر الجماعيّة".
وقال، ان "مؤسّسة الشهداء والعتبة العبّاسيّة المقدّسة تعملان وفق اتفاقية تعاون وشراكة تمتدّ لتاريخ بعيد، وهناك الكثير من الأعمال التي تمّ توثيقها وإنجازها بناءً على أُسُس هذا التعاون، ومنها توثيق كل ما يتعلّق بمجزرة سبايكر".
وأضاف، "العتبة العبّاسيّة المقدّسة تؤدّي دوراً مهمّاً في هذا المجال، فقد تبرّعت بتخصيص مقبرة مركزيّة جماعيّة، تضمّ ضحايا مجزرة نزلاء سجن بادوش، وما يتمّ اكتشافه مستقبلاً من مقابر جماعيّة أُخَر".
وتابع: "عملت العتبة العبّاسية على تذليل الكثير من المشاكل والتحدّيات التي تواجه فرق البحث والتنقيب التابعة لمؤسّسة الشهداء، إضافةً إلى أنّها تبرّعت بتوفير النعوش لتشييع الجثامين الطاهرة من المقبرة إلى دائرة الطبّ العدلي".
من جهته أعلن المركز العراقي لتوثيق جرائم التطرّف أسماء الوجبة الأولى من ضحايا إرهاب التطرف الداعشي والبالغ عددهم (78).
وتجري حاليا عملية فتح وتنقيب المقابر بدعم من اللجنة الدولية لشؤون المفقودين، وفريق التحقيق الدولي بعد صدور قرار فتح المقابر.
واستغرقت عملية فتح المقابر أكثر من سنتين، وأسفرت عن رفع 605 جثة، وبواقع 401 جزء من جسم، و204 اجسام كاملة.
وقد تسلمت دائرة الطب العدلي رفات الضحايا لتحديد الهوية بعد تعرضها للسيول والتغييرات المناخية.
وكشف مدير دائرة الطب العدلي الدكتور زيد علي عن اكمال تحديد هوية (78) شهيداً.
وقال، تضمنت عملية كشف هوية الرفات جمع العينات أولا، ثم إنشاء قاعدة بيانات، ومن بعدها تحدد هوية الشهداء من خلال المطابقة مع ذويهم.
متابعا، "يجري العمل بشكل متواصل لتحديد هويات باقي الشهداء وإعلانها حال إكمال الفحوصات الطبية العدلية وإجراء المقابلة والتسليم".
الموسوعة الوثائقية
الى ذلك أعلن المركز العراقي لتوثيق جرائم التطرّف إزاحة الستار عن الموسوعة الوثائقية للمقابر الجماعية في العراق، والتي قام بإعدادها وتأليفها باحثو المركز، وأزيح الستار عنها خلال مراسيم جرت عند نصب الشهيد في العاصمة بغداد، بالتزامن مع اليوم الوطني للمقابر الجماعية، وبمشاركة وزير الصحة الدكتور صالح الحسناوي ممثلًا عن رئيس مجلس الوزراء العراقي، وعددٍ من الشخصيّات الدينيّة والدوليّة والرسميّة وجمع من ذوي الشهداء.
وأشاد ممثل رئيس مجلس الوزراء العراقي وزير الصحة الدكتور صالح الحسناوي بالعتبة العبّاسيّة المقدّسة، ومنجزها الموسوعي، واصفا الموسوعة بـ"المنجز الوطني الكبير الذي يخلِّد ويوثِّق شهداء المقابر الجماعيّة"، "داعيا بالرحمة لشهداء العراق".
التشييع
وشرع المركز العراقي لتوثيق جرائم التطرف بالتعاون مع مؤسسة الشهداء ودائرة الطب العدلي ب مراسيم تشييع ودفن شهداء مجزرة سجن بادوش في النجف الأشرف.
وشهدت المراسيم التي أُقيمت في المقبرة المركزية التي خصصتها العتبة العباسية المقدسة خاصة بشهداء العراق، حضورًا رسميًا وأكاديميًا وإعلامياً كبيرًا.
من جهته ثمّن المشاركون وأهالي الضحايا جهود المركز العراقي لتوثيق جرائم التطرف في توثيق هذه المجزرة، مما يساهم في حفظ حقوق الضحايا، وبيان مظلوميتهم.
وقال أحد ذوي الشهداء السيد سمير عبد الله، إن "جهود العتبة المقدسة كانت بلسمًا للجراح؛ كون أغلب ذوي الشهداء لا يمتلكون الإمكانات المادية للبحث عن جثث ضحاياهم وإنشاء مقبرة لهم ودفنهم".
وأضاف، "العتبة المقدسة نظّمت تشييعًا رسميًا مهيبًا لضحايانا الذين تعرضوا لجريمة كبيرة ارتُكِبت بحقهم، ورفعت عنا هذه المعاناة بتكفّلها بإنشاء مقبرة مركزية ودفنهم فيها".
من جانبه شكر السيد هادي القريشي أحد ذوي الشهداء من أهالي الكوت، العتبة العباسية المقدسة على دورها الكبير في إنشاء مقبرة لضحايا مجزرة بادوش، والتخفيف عن كاهل أهالي الضحايا.
وأضاف، أنّ تثمين دور العتبة المقدسة يأتي لجهودها المثمرة في تمكين أهالي الضحايا من العثور على جثامين أبنائهم، وزيارتهم في المقبرة المركزية.
يذكر أن: حادثة سجناء بادوش تعود إلى منتصف سنة 2014م، إبان دخول العصابات الاجرامية الإرهابية بما تسمى (داعش) إلى مدينة الموصل، والتي قد اقتادت مجموعة من سجناء سجن بادوش إلى منطقة تبعد بعض الكيلومترات، وأقدمت على اعدامهم على أُسس طائفية ويقدر عددهم نحو 600 سجين.