قراءة في مجموعة زقزقة عصافير تراكيب الجمل الشعرية/ الجزء الأول للكاتبة: منتهى محسن محمد

20-11-2020
خاص صدى الروضتين
تتسع فضاءات السرد في القصة الى الفلسفة في كل مشهد من مشاهد الحياة، والعلاقات الانسانية، وتتجه الفلسفة إلى البحث عن الحقيقة، وفي المجموعة القصصية (زقزقة) للكاتبة (منتهى محسن)، نجد أن هذه المجموعة تنفست الفلسفة في كل مفرداتها ففي قصة (لعبتي الخشبية) تقول:ـ (صارت لعبتي قطعة مني تحيا معي)، ثم تنتقل الى لمحة فلسفية مسترسلة: (تسربت من خزانة عمري)، تتوقد القصة بمضمونها الملتهب شعورياً؛ لتكون اللمحة الشعرية هي جوهر القصة:
:ـ لمن هذه اللعبة يا أمي؟ سأشتري لعبة عوضاً عنها.
:ـ لا تأبه يا صغيري، فلم تكن اللعبة سوى ذكريات مضت، لكنك ستبقى من أجمل الحقائق في حياتي. ص7
استخدمت الكاتبة معايير فنية عدة لتمرير الأفكار والمشاهد والصور والعناصر والمفاهيم الفلسفية التي تخدم القاصة ونصّها ومتلقيها، مثلاً ارتكازها على:


استرجاع الذاكرة/
فلاش باك:
فهي تبدأ الحكاية (حينما كنت صغيرة، كانت تلتف في ذاكرتي الصور)، لمحة شعرية على قيمة الاسترجاع وسرد متيقن الخطوة، فهو يكشف (زمكانية) الجملة (عشرون عاماً مضت، وعشرون أخرى تسربت)، والمكان (في خزانتي) بين (طيات السرير)، ولو تطلعنا على الخزين الصوري في الذاكرة: (وأنا أتخطى الأربعين، ما زلت أتأمل ذكريات الصغر).
أو في قصة (هلّ هلال العيد): (صغار كنا حينما تسابقنا جميعاً؛ كي نرتقي سلالم البيت وصولاً الى السطح، أو نبدأ في لعبة الدخول الى الزمن في قصة (مرجوحة اليد) كأنها البارحة حيث كنت أنتظر مجيء ابن أختي صبيحة يوم العيد. ص39
والقصة ليست أمراً غريباً عن الفلسفة بل هي مصدرها وينبوعها الأول، لذلك نجد الكاتبة (منتهى محسن) تعتمد على:

التقابل التضادي:
الصوري والذي في مسعاه يؤسس مساحة واسعة للتقابل الدلالي، لتلد اللمحة الفلسفية في كل مفردات التقابل:
(لعبوا، تقافزوا كطيور الفضاء، تسابقوا ولم يهتموا بصوت القنابل) ص8
فهي تصنع فرحة العيد مقابل أنين رقية، والتقابل الدلالي يعني اختلاف دلالة لفظية اختلافاً تضادياً، ففي قصة الغياب:
(كان لوقع أقدامها على الرصيف لغة تنقر بها اتساع الساكن، وتكسر صمته المستل من خارطة الحي) ص33


الوعظية:
قصص مجموعة (زقزقة عصافير) تحمل رسالة فكرية انسانية الى المتلقي، لذلك تقدم الى المتلقي مياسم وعظ شفافة ذات طابع تربوي بحكمة مثقفة واعية، ففي قصة (الوصية)، كان التركيز على العديد من المفاهيم الأخلاقية التربوية التي تنعم بفلسفة الوجدان:
(الحياة قاسية وأنت ما زلت صغيرة)
(اجهدي نفسك بها)
(اجعلي غاية عملك إرضاء الآخرين)
(لا تضجري، فلا شيء يدوم اليوم)
(ثقي أن الله يراك وسيجازيك خيراً)
(اجعلي من أسرة زوجك عائلتك الثانية)
(اصدقي العمل فأنا راض عنك إن أحسنت) ص11
قصص الكاتبة (منتهى محسن) قصص متحركة وليست جامدة، كيانات حيوية زاخرة بالحياة، هذه الكيانات بحركتها ترسم لنا البعد الفلسفي:
(أنا موظف محترم بدائرة الكهرباء، بطريقي أمر كل يوم أعود لحسابها، وأنا جيد في الحساب، هناك مائة نخلة، وثمانون شجرة آس، وخمسة جسور للعبور، وخمسة عشر موقف باص، وعشر صيدليات، أتود معرفة أسمائها؟ حسناً (الأمل، الانتصار، المنال، الضياء، فاديا)، ولكني، ما لم أجده اليوم للرقم سبعين لشجرة الكالبتوس، ألا تعلم أخي أين ذهبت؟ لابد أن تعود لاستكمال الحساب).
كثيرة هي الاستشهادات التي تدلّ على أن الكاتبة (منتهى محسن) كتبت القصة الفلسفية بنجاح مبهر، نتمنى لها التوفيق.