أنا والقمر
02-11-2020
العلوية ميعاد كاظم اللاوندي
حينما أطبق الليل أجفانه على مذابح يوم العاشر، وعزف الظلام سكونه نياحاً، ترنيمة جنائزية، حداداً على أرواح قرابين السماء.
وأشعلت فلول الغدر نيرانها؛ ابتهاجا بنصرها المزعوم.
وتربعت على أقناء العبيد هامات الأحرار.
وما إن غفت عيون اليتامى بين أحضان الرهبة، أقبلت هي وجراحات النكبة تشق لها طريقاً مرسوماً مذ عالم الذر.
دنت مني، وسواد هيكلها العلوي يعجّ بدخان المحارق، وعلى جرفي أخذت تلاحق أثراً لبحر كان وقبل ساعات يحمل فلكها السماوي.
ثكلى، سفينة ركبت موجة الأحزان، وألقتها على شاطئ الفقد.
مهاجرة ضاع منها الوطن الحبيب في نزال الغربة الموحش.
سألتني: من تكون؟
خشيت أن أجيبها، فاسمي وفارسها عنوان لأيقونة واحدة خالدة (ساقي عطاشى كربلاء).
داهمتها، فرششتها برذاذ معيني البارد، لأشعرها بأني ذاك المدعو (الفرات) شريكها في ذات المصاب، وعين على واقعة لا تكتمل أقطابها إلا بي.
راحت تمعن بنظرها إليّ، كأنها وقعت على ما تريد، وسُحُبُ مدامعها الحمراء باتت تتلبد في محاجرها استعداداً للهطول.
يا إلهي، من أين لي التجلد، ارحميني يا سليلة الرُّحماء.
أقسم عليك بمن جئت إليّ تطلبينه، عذراً لا تنظري إليّ هكذا؟ فالحزن بليغ في عينيك يصدح بلسان العتاب، وأنا يا سيدتي، لا طاقة لي بعتاب الجبال.
قالت: سأدع عنك عتابي، لكن إن أنا سألتك عن قمري، فهل أنت مجيب؟!
- بكل فخر يا سفيرة الرسالة.
بينما أنا أسير، وجحافل الكفر والجبروت كبّلوا منابعي عن هبة العطاء، وإذا بنداءات جداولي: يا سيدتي، تستغيث، مياهي علقم أحمر، كدت أختنق، فعلى ضفتي تكدست أشلاء وأشلاء متخمة من بقايا وليمة، أقامها فارسك على شرف جلالتك؛ كي يحملني اليك هدية موسومة بالاعتذار؛
لترتوي من شلالات كفيه الهادرتين غيرة ووفاء.
أرعدت أقدامه كياني، حين نزل صوب مشرعتي، عجب كيف أمسيت من لهيب حشاشته ظامئاً وأنا الفرات؟!
أغريته ليشرب، فلم أفلح، فأنّى لطود الايثار أن ينهار، وأنفاسه الحسين، ونبضات قلبه زينب؟
كاد الفجر أن ينبلج، هائمة متعثرة الخطى، والأسى منسدل حتى على خيالها. عادت أدراجها تلبية لصرخات يتاماها، عادت ووجودها يرنو نحو مرسى حاميها.
أيها التاريخ، الى هنا تبدأ الحكاية، اعذروني فأنا معها لا أحسن الختام، دعوها قضية مفتوحة، قضية رأي عام، وأنت يا سيدتي، كفكفي الدمع واختمي ديباجة الوداع، ودعي فارسك يرقد بسلام.
وتجلي يا ربيبة الزهراء، بجلباب الصمود، وتأهّبي لرحلة السبي، رحلة بدؤها ملحمة السماء، ومنتهاها قصيدة شعر ألهبتها نحور الشهداء.
انها كعبة الإنسانية ووهج الفداء.
انها مطاف الأملاك وعبرة الأنبياء.
انها حسين الكبرياء، انها زينب الإباء.
هي أنا والقمر
هي كربلاء