قلب اليقين

02-11-2020
العلوية ميعاد كاظم اللاوندي
ظهور الحدث على مقربة من الذاكرة، يجعل كل شأن من شؤون القصة قضية أبعد من محدداتها الزمانية، ثم تأخذك الى أكثر من اتجاه لتصل الى مفهوم ما حصل.
ما حدث في الميادين ليس كله ماضٍ، بل فيه أمور تجاوزت الزمان وبقيت في ذاكرة التواريخ. كان أنين الجرح مؤثثاً بالوجع، يستقطب الآتين من أوردة الأزمنة.
رصاصة قناص زرعت موتها في منطقة الصدر قريباً من القلب.
ابتسم لي، قلت له: الحمد لله على السلامة، عرف معنى زيارتي اليه.
همس لي:ـ نحن وحدنا ندرك معنى الفوز، الحسين ع اجتمعت على ذبحه الألوف من المسلحين من مقاتلين ومتطوعين وذيول عروش، ذبحوه واحتفلوا بنصر واهم، واكتشفوا بعد كل تلك القرون أنهم احتفلوا بانكسارهم وخسرانهم، ولم تذبح بظهيرة الطف إلا دينها وتواريخها.
قبل أن تقوم اللحظة عني، أدركت عظم الجرح الذي يعانيه، نبضات القلب أخذت تهبط، الأشعة تشير الى تمزق شديد في شريان التاجي الأيسر، مما سبب نزفاً داخلياً شديداً.
علّمني هذا الشاب درساً جميلاً وكبيراً في نظرات عينيه الخالية من أي انكسار، بالرغم مّما يعانيه من الآلام، وهمس في أذني: سلّم لي على الحسين، وقل له: «ما قصرت».
نظر الى الطبيب وقال: سيرحل صاحبك من الحياة بعد ثوانٍ لا أكثر، نظرت الى صاحبي، أدهشتني ابتسامته، وهو على فراش الموت، عرفت أنه يريد أن يقول لي شيئاً ما.
همس في أذني رغم وجع الاصابة فقال:ـ لحظة شدني الجرح الى موتي، حضر الحسين ع عندي، قبّلني ثم سحبني الى منبع ماء ليغسل بيديه جرحي.
قلت له سيدي:ـ أين كان النهر ساعة الطف؟
أجابني: هذا عطشي، اصبروا، أنا مع كل نصرة في كل زمان ومكان، وقال لي: لا تخشَ شيئاً.
قلت له: سيدي ما دمت معك، فلا أرى إلا خيراً، والموت معك ألذّ من الحياة.
قال لي صاحبي متسائلاً:ـ من أنا ليقبّل جرحي الحسين ع؟، صرت أرى بين عينيه ملامح الطف واثقة الانتماء، لكن الواقع يقول: إنّ نبضات القلب بدأت بالتصاعد، وإذا بالطبيب يعمل فتحة في صدره ليخرج منها الدم المتجمع؛ بسبب النزف الداخلي، واذا بالنفس يعود مرة أخرى، وفيها أدخل الى غرفة العمليات، وقام بخياطة الشريان الممزق. الحدث يعيش في قلب الوجع.
نظر إليّ حينها وقال: ألم تذهب بعد؟
:ـ اذهب مطمئناً، وسلّم لي على الحسين ع.
:ـ لبيك يا حسين.
وقبل أن أخرج سمعت الطبيب يقول:ـ أقسم أنها معجزة.