قراءة انطباعية في مجموعة (يا لك من مستفز أبيض) للشاعر فراس الأسدي
29-10-2020
خاص صدى الروضتين
تأخذنا هذه المجموعة الى التأمل في طبيعة أسلوب شاعرها فراس الأسدي، فنجده يرتكز على العديد من العلاقات المتنوعة التي تدخل ضمن الأنساق التعبيرية كعامل مؤثر في النص.
اولاً- (مرتكزات العنوان):
العنوان علامة تعلو النص، تسمه وتحدده وتغري القارئ لقراءته، وأصبح مطلباً أساسياً لا يمكن الاستغناء عنه في البناء العام للنص، واستمد الشاعر بما يصيّره في العنوان، والعنوان هو نصّ مصغر عند فراس الأسدي، مثل عنوان المجموعة (يا لك من مستفز أبيض)، فالعنوان له علاقة بالمجموعة، علاقة عمل وبناء ودلالة، ويمكن الاستدلال على الكثير من مقاربات العنوان المبني على الجملة الشعرية مثل: (طيور الخريطة التشرينية).
ويتركز الشاعر على العنوان المستفز للذاكرة، ويسهم في الارتقاء بقيمة المنجز (يتأرشف في المدينة)، إحدى قصائد المجموعة، وعنوان إحدى قصائده (وسائد في الكتابة)، وترتبط بمضمون المحتوى بحيث أن تلك العناوين لها فرادة في التعامل، ولم نجد لها مكررات في عناوين المنجز الأدبي العام (عنوان حنجرة الماء).
كثير من التفاصيل تدخل العنوان؛ كونه عتبة مهمة من عتبات الفن وعنوان (شجرة التكرار) قضية هذه العناوين الفنية فيما تثيره من تساؤلات داخل عقلية التلقي أغلبها ذاتية ودلالات جاذبة عنوان (محاولاً استعادة التكرار)، وأغلب هذه العناوين ابتكارية غير تناصية، وعناوين اخرى مبتكرة لها أبعاد جذابة ومفارقات لافتة استطاعت أن تعطي للمجموعة ضربة جمالية تبقى في ذهن القارئ مثل: جنون الأسئلة، دقائق مهربة من عقارب غافية، عباءة الوجود أبي، وتحقق المجموعة ميزة أسلوبية ثانية هي ميزة.
استحضار المكان:
يملك المكان تأثيراً مباشراً في نفس الشاعر الذي يستطيع من خلاله التعبير عن قضايا وهواجس متعددة، نفسية كانت أم اجتماعية أم فكرية لها علاقة في جوهر الانسان، نجد الشاعر فراس الأسدي يهتم بتوظيف المكان الواقي المعاش لمفردات المدينة مثل: (أهل الولاية، والعكود والدرابين، مقهى سيد مجيد، مرقد ابن فهد الحلي، سوق السلالمة، سوق الزعفراني).
ويذكر المكان بمحتواه الدلالي أيضاً مثل:
(مدينة الماء، تراب الأرض،
ماء الفرات النافذ الى قلبي بصورة مستفزة) ص57
واستثمر (الأنا الشعرية) التي ملكت البؤرة الذاتية المرتبطة بشبكات التجربة، والأنا لا تمثل ذات الشاعر فقط، وانما هي قصدية بذات التفاعل المرتكز على (أنا الشاعر) التي هي بؤرة الذاتية:
(ها أنا/ لا زلت أواجه الكلام/ بالكتابة الصامتة/ ومداد أقلامي الذي صار أزمنة ملونة) ص19.
الأنا تدل على طيب وانسانية، لقد وردت لفظة الانسان في مجموعة الشاعر الأسدي مكررة: (أنا قنديل مملكة النجوم) ص35.
(أنا قديس أوجاعي، أنا ابليس أمنياتهم، ولن تتحقق إلا ببقايا الضوء الذي أنا فيه) ص36.
وهكذا يعمل على تحقيق الأنوية الفاعلة:
(أنا شجرة/ أنا في محراب/ أنا من طين/ أنا في كل سجود انحني لحضرة عينيك) ص47.
وهناك اسقاطات الأنا، ويستخدمها للتعبير عن الفاعل، والمعبرة للأنا: (أشعر بالغيرة/ تشظى طرفي/ تسبح في دمي).
(علاقتي متينة بالكون، ولكن لا أستعين بالنجوم) ص15.
ويعتمد على ياء المتكلم: أسئلتي/ خارطتي/ أقلامي.
(الانزياحات الشعرية):
بعد تراجع المعيار الكلاسيكي بين وزن وقافية، تقدمت بعض خصائص أخرى يتكئ عليها الخطاب بالتأكيد على شعريته مثل: الانزياح خطاب قرآني وخطاب كل مجاز هو فعل جمالي، ارتكز الشاعر فراس الأسدي: (وبكل رمشة ستصرخ أحد أضلاعك/ ولكنك ستكون وطناً مذبوحاً من كل جانب/ مثلك مثل الحجر الأسود يتحدثون عن لونك/ وأخيراً سيحجون اليك) ص23.
والانزياح هو خروج النص من المباشرة، وهذا الفعل الابداعي يبعد اللغة عن سطحيتها في الكتابة:
(عنده الجرح الذي لا يعطيني أذناً صاغية/ فتجري أنهار الدم على مزن) ص40.
يكون اقتحام لكل ما هو محسوس وملموس في الحياة مشاعر وأحاسيس: (أبي، يا رائحة تراب المغرب، عندما يرش بالماء) ص57.
(المشهد اليومي):
انحازت قصائد النثر الى لغة الحياة اليومية، وانحازت الى البنية المجتمعية للواقع اليومي والمشهد اليومي بأنواعه، والاستشهادات كثيرة في النص.
أخيراً نقول: قصيدة النثر خيار جمالي، وقدم الشاعر الأسدي مجموعته بفضاءات فنية واعية، عسانا وفقنا لتقديمها .