درة بـنــي زهــرة
25-10-2020
نرجس مهدي
زهرة فتية، رقيقة ندية، جميلة الشمائل، أصيلة من سادة القبائل، اقحوانة قرشية، دقيقة الملامح صاحبة المكانة العالية، عفيفة مخدرة، موحدة طاهرة، بريئة من الوثنية.
فالأم برة، كريمة ابن عبد الدار، والوالد وهب من أشرف العرب واعلاهم منزلة.
نشأت من عراقة النسب، مشهود لها بالشرف والأدب، نعم سيدتي: عُرفتِ بالذكاء وطلاقة اللسان فكنت أفضلهم بياناً، رباك عمّك وهيب فصاغ منك جوهرة نفيسة تأخذ بمجامع كل لبيب، عطر دارها، خفرة مخبأة عن الأنظار.
لا يعرفون لك ملامح ولا يلمحون لك شخصاً، درة بني زهرة، تحت خباء العفاف مصونة، في زمان كان للفساد اعلام ورواد.
إيه يا آمنة بنت وهب الزهرية، نقية الجوارح لطيفة الجوانح، صاغ لك المنان من جوهر القداسة ستراً، فأخفاك عن عيون البشر.
هيأكِ لأمر عظيم، قديسة في السماء، في جبهتك نور اليقين، فمُلئَ فؤادك حباً لرب العالمين. زاهدة عابدة، حجر طاهر، ومن الدنس مطهر.
انشغل بك العرب وتسابق الشباب الى دارك طالبين الارتباط بهذا النسب، لكن الإله المنان ادّخرك لأمر عظيم، واختار لك من أطهر النفوس قريناً، فكان الفداء بمئة ناقة عن ابن عمك عبد الله، وابن سيد البطحاء.
تترقبين الحدث في لهفة لخبر الفداء، تحررت من النذر رقبته فتهيأ النور ليقترن بالضياء، ارتبطت روحك الطاهرة بابن سيد العرب الملقب بالأزهر صاحب الغرة الأنور، جميل المحيا، رفيع الشمائل زهد في كل أنثى سواك، فنادى منادي الأفراح، فكانت فرحة ممزوجة بدموع العيون محزونة لفراق بيت ابيك، فصرتِ الى بيتك الجديد، فتهللت الحور العين وتمايلت سدرة المنتهى لهذا الحدث العظيم.
وما إن جمعت مع رفيق دربك حتى رأيتِ وكأن نوراً خرج من جسدك فأضاء الدنيا، وازدانت كواكب السماوات تتبختر القاً وجمالاً... وسمعتِ قائلاً يبشرك بسيد هذه الأمة، ما أجمل هذه البشارة!
وبدأت تلك الرؤى النورانية تترى على فؤادك تؤنسه كقطرات الندى على بتلات حياتك، فترسم على ثغرك ابتسامة، تتورد وجنتاك بعطر ونور.
تلك الإشارات والإيحاءات والومضات تلونت بناظريك، تعطر انفاسك ليوم خطه الجليل.
وحانت ساعة الفراق، رحل عنك أنيسك، ولم يزل بالأمس عريسك، عشرة أيام قضاها برفقتك، كانت دهراً من الأنس والسعادة، اختلط حبّه بشغاف قلبك، ودعك على عجل والتحق بقافلة أبيه، وكان هذا آخر اللقاء وآخر الوداع.
بعد شهرين من الغياب، وصلت أخبار مرضه ثم موته، فاسودت الدنيا بعينيك، لكنها اشرقت بين ثنايا رحمك، برقة يطرق باب فؤادك ليؤنسك ويزيل وحشتك.
وما هي إلا أيام حتى حانت ساعة الولادة، فولدت الدنيا بولادته، لم تأتِ به بل هو من أتى بها.
ولد النور واكتحل الديجور، وتهللت الحور العين، وتهادت بالرياحين.
ولد الهدى والعروة الوثقى، فوضعتيه في مهده تقلبين كفيه وتقبلينهما وتضعينهما على نبضات قلبك فيسكن اضطرابه.
تناديه محمداً J، فتتمايل زهور الدنيا بين جنبيه، ويتعطر الورى من شذى اسمه، تناغيه وتلازمين مهده، وترافقينه كظله.
كبُر وليدك ستاً من السنين، لم تكتمل فرحتك، لم يرتوِ من فيض حنانك، ولم تكتحل عيناك بنبوته، فغطاك المرض دثاراً، طريحة الفراش تراقب فتاها، ولا تفارق عينيه عيناها.
إلى أن ذبُلت كل أوراقك، ونحلت كل أوصالك، ضممتيه إلى صدرك، فهذا الوداع الأخير.
رحلت إلى ربها والتحقت برفيق دربها وهي في العشرين من عمرها، تركت حبيبها ترعاه يد الرحمن.
إيه أيتها الزهرة النضرة، انطفأ نور وجهك، ولامس خدك ترب الأبواء، فكان هناك قبرك.
فسلام الله عليك يا أمّ الرسول العظيم.