مَـنْ أحـقّ بالحـسـين..؟

22-10-2020
نجاح بيعي ‏
وجهت صدى الروضتين سؤالا الى الادباء حول ادعاء بعضهم ان الثورة الحسينية حكر على فئة واحدة ؟ فنقول : (إن الثورة الحسينية ليست مرهونة وحكراً على طائفة معينة) وهي عبارة لم تكن لتأتي من فراغ قط, ولم تكن لتنتشر اليوم بين الكتاب والمثقفين، وحتى عموم الناس على اختلاف مشاربهم، وتصم الأسماع إلا لسببين:
الأول: معرفتهم المتأخرة بالإمام الحسين ع كإمام معصوم أو كثائر حر أو قائد فذ أو مُصلح عظيم أو سمّه ما شئت, وتعرفهم على مزايا شخصيته وسمو أخلاقه وعظيم فضائله ووقوفهم على أهداف ثورته الإصلاحية وحركته التصحيحية التي عمّت الأصعد كافة: السياسية، والاجتماعية، والدينية، والفكرية، وغيرها, حتى كان بُغية كل مُريد، ومرآة كل مفكر، ومثال كل قائد، وأنشودة كل حر، وإمام كل موحد وعابد على مستوى البشرية جمعاء, وإلا لم يكن –ربما- لأغلب هؤلاء الكتاب والمثقفين أو لعموم الناس التعرف على ذلك كله، لو قدّر لنا العيش أو التواجد في زمنه ع أو في الأزمان التي تلته؛ بسبب نكوص الأمّة آنذاك وتسافلها وتخليها عن الإسلام وثوابته وتنصلها عن مسؤولياتها في إقامة الدين وإحقاق الحق أولاً, ووقوعها فريسة سهلة للإعلام الضال والمُضل منذ أحداث (السقيفة) وتقاعسها حتى أردفتها دولة بني أمية المنحرفة, فكانت نتيجتها أن يُقتل سبط نبيّ الإسلام كخارجي عن الدين والملة، وتُساق حرائر أهل بيت النبوّة سبايا وتطوف بها البلدان, والناس بالأعم الأغلب لا تعلم من الأمر شيئاً، بل يتبركون بأن ظفر بهم الحاكم العادل (يزيد) بنظرهم بل ويحتفلون ويتبادلون التهاني حتى اتخذوه يوم فرح وعيد.
وكان الإمام الحسين A قد سجل للتاريخ ووصف حالهم خير وصف، حينما قال أثناء مسيره الى كربلاء: «إن هذه الدنيا قد تغيرت وتنكرت وأدبر معروفها، ولم تبقَ منها إلا صبابة كصبابة الإناء، وخسيس عيش كالمرعى الوبيل، ألا ترون إلى الحق لا يُعمل به، وأن الباطل لا يُتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء الله محقاً.. إن الناس عبيد الدنيا، والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درت معائشهم، فإذا مُحصوا بالبلاء قل الديانون»(1).
ولك أن تعرف حال الأمة المأساوي وتداركها وتسافلها بعد استشهاد الإمام الحسين A والذي كشفه لنا الإمام الصادق A حينما قال: «ارتد الناس بعد الحسين A إلا ثلاثة: أبو خالد الكابلي، ويحيى بن أم الطويل، وجبير بن مطعم، ثم إن الناس لحقوا وكثروا..)(2).
الثاني: معرفتهم المتأخرة أيضاً بـ(يزيد) كحاكم طاغية ومتجبر مستبد, وكشخصية منحرفة وشاذة لا مثيل لها, من قبيل معرفة (الضد) و(الضد) النوعي، بمعنى أننا بقدر معرفتنا وتعرفنا على شخصية يزيد (لعنه الله) المتداركة والمتسافلة, نعرف بالمقابل شخصية الإمام الحسين ع المتعالية والمتسامية والعكس صحيح.
وهذا ما كشفه الإمام الحسين ع لنا بكلام له وأظهر جلياً تقابل الشخصيتين وتناظرهما كضدّين لا يُمكن أن يقربا أحدهما من الأخرى بأي حال من الأحوال, وذلك حينما قال ع لوالي المدينة (الوليد بن عتبة) بعد أن هدده المنحرف (مروان) بالقتل إن لم يُبايع (يزيد): «إنّا أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، وبنا فتح الله، وبنا ختم الله، ويزيد رجل فاسق شارب الخمر، قاتل النفس المحرمة، مُعلن بالفسق ومثلي لا يبايع مثله، ولكن نصبح وتصبحون، وننظر وتنظرون أينا أحق بالبيعة والخلافة»(3).
ومن هذا نجزم ونقطع بـ(أن الثورة الحسينية ليست مرهونة وحكراً على طائفة معينة) قط, وليس هناك مَن يدّعي ذلك أبداً, وإنما هي للإنسانية جمعاء, ولكن مع ملاحظة أن هذه القاعدة مرهونة بـ(أمرين) مهمين شكلا القلب النابض والمحرك للقضية الحسينية وديمومتها عبر الأجيال والعصور على نحو التكليف الشرعي وحمل المسؤولية, ولولاهما لم تتم معرفة شي عن الإمام الحسين ع أو عن ثورته المباركة:
الأول: وجود المعصوم متمثلاً بالإمام علي بن الحسين ع ومن جاء بعده ع ووجود بطلة كربلاء الحوراء زينب ع ومن معها من آل النبي ع الذين شكلا لسان حال الثورة الحسينية لما بعد استشهاده ع ولهما الفضل الأكبر والعظيم في تهشيم الآلة الإعلامية لدولة بني أمية وتعرية كذبهم وكشف زيفهم ونفاقهم.
وفي كلام الحوراء زينب ع في مجلس الطاغية يزيد خير دليل: «أمن العدل يا بن الطلقاء تخديرك حرائرك وإماءك وسوقك بنات رسول الله سبايا.. فوالله ما فريت إلا جلدك، ولا جززت إلا لحمك، ولتردن على رسول الله بما تحملت من سفك دماء ذريته، وانتهكت من حرمته في عترته ولحمته.. وسيعلم من سوى لك ومكنك من رقاب المسلمين، بئس للظالمين بدلاً.. إني لأستصغر قدرك، وأستعظم تقريعك، وأستكبر توبيخك، لكن العيون عبرى، والصدور حرى، ألا فالعجب كل العجب لقتل حزب الله النجباء بحزب الشيطان الطلقاء»(4).
وتعريف الناس بالإمام الحسين ع وما جرى عليه بأرض كربلاء لتنطلق ثورته في الآفاق لا يصدها مكان أو زمان لتنتقل جيلاً بعد جيل كما ورد عن الإمام السجاد ع في كلامه لأهل الكوفة: «أيها الناس، من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا أعرفه بنفسي، أنا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام أنا ابن من انتهكت حرمته، وسلبت نعمته، وانتهب ماله، وسبي عياله، أنا ابن المذبوح بشط الفرات من غير ذحل ولا ترات، أنا ابن من قتل صبرا، وكفى بذلك فخرا»(5).
الثاني: وجود الشيعة الموالين الذين جعلهم الله ذخراً بعد أن أخذ منهم الميثاق للقيام بالمهام الجسيمة التي وقعت على عاتقهم, وهو عهد معهود أخبر به الله تعالى نبيه J وهؤلاء (الشيعة) يتميزون بصفات بارزة لم تكن لتكون عند غيرهم منها:
1ـ إنهم بذلوا في سيد الشهداء ع وأهل بيت النبوة مُهجهم.
2ـ وإنهم وطّنوا أنفسهم على لقاء الله(6).
3ـ وإن فراعنة هذه الأرض لا تعرفهم.
4ـ ويعرفهم أهل السموات.
ومن تلك المهام الجسام والمسؤوليات التي وقعت على عاتقهم:
1ـ جمع الأعضاء المقطعة والجسوم المضرجة فيوارونها التراب.
2ـ نصب علم لقبر سيد الشهداء ع.
وعلى أن يتميز هذا العلم المنصوب على القبر الشريف بالميزات التالية:
1ـ لا يُدرس أثره.
2ـ لا يُمحى رسمه على كرور الليالي والأيام.
وبالمقابل تستمر (المعركة) ولا تقف عند طف كربلاء فيجتهد أئمّة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه, ولكن إرادة الله (عز وجل) ماضية بازدياد ذلك العلم المنصوب على قبره ع علوّاً واستطالته ارتفاعاً: «فو الله إنّ هذا لعهدٌ من الله إلى جدّك وأبيك، ولقد أخذ الله ميثاق أناس لا تعرفهم فراعنة هذه الأرض، وهم معروفون في أهل السماوات، أنّهم يجمعون هذه الأعضاء المقطّعة، والجسوم المضرّجة، فيُوارونها، وينصبون بهذا الطف علماً لقبر أبيك سيّد الشهداء لا يُدرس أثره ولا يُمحى رسمه على كرور الليالي والأيّام، وليجتهِدنّ أئمّة الكفر وأشياع الضّلال في محوه وتطميسه، فلا يزداد إلاّ عُلوّاً»(7).
فمع وجود هذين الأمرين الآنفي الذكر، يدفعان ويُبطلان إدّعاء وجود طائفة ما بعينها احتكرت نصرة الإمام الحسين ع كما يدفعان ويُبطلان منع الآخرين من ممارسة الشعائر الحسينية, والسبب هو ان استشهاد الإمام الحسين ع وثورته المقدسة والشعائر الحسينية إنما دلائل تدلّ على الإسلام الأصيل الذي بشر به رسول الإنسانية محمد J للإنسانية جمعاء: «يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ»(8).
وأن السعادة كل السعادة حينما ترتسم أبعاد القضية الحسينية عالمياً؛ لتستنهض في نفوس الجميع مبادئ ومفاهيم الحرية بمعنى الكلمة.
ــــــــــــــ
الهوامش:
(1) تحف العقول للحراني: ص٢٤٥.
(2) بحار الأنوار للمجلسي: ج٧١/ ص٢٢٠.
(3) اللهوف لابن طاووس: ص١٠.
(4) بحار الأنوار للمجلسي: ج٤٥/ ص١٣٣.
(5) اللهوف لابن طاووس: ص٩٢.
(6) مثير الأحزان لابن نما الحلي: ص29.
(7) كامل الزيارات لابن قولويه: ص261.
(8) (التوبة/32-33).