السيدة زينب الكبرى.. قـبـلـة الـمـرتـضــى

21-10-2020
فاطمة الركابي
تُعد الألقاب التي تُطلق على الشخصيات العظيمة من المفاتيح المهمة التي تَفتح لنا باب معرفة شيء من سمات تلك الشخصية ودرجة عظمتها، وواحدة من أعظم وأبرز شخصيات واقعة كربلاء هي السيدة زينب بنت علي أبن ابي طالب A، إذ ذَكرت المصادر التاريخية جملة من الألقاب والكنى، وواحد من ألقابها هو إنها لقبت بـ(قبلة المرتضى).
وهنا سنورد محاولة في التأمل بمفردتي هذا اللقب لعلنا نصل الى شيء من معرفتها، إذ أن مفردة (قبلة) هي مفردة قرآنية كما في قوله تعالى: «وَاجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً»(1)، فالقبلة هي الوجهة والبوصلة التي يَعرف الناس وجهتهم التي يتوجهون بالقالب والقلب من خلالها الى ربهم.
وهذا المعنى يوصلنا الى المراد من هذا اللقب الذي وصفت به السيدة الجليلة B إنها البوصلة التي من أراد أن يَصل للفلاح يتوجه الى الله تعالى من خلالها، إذ إن الامام علياً A من اوصافه إنه (وجه الله) كما نقرأ في إحدى زيارته: «اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا وَجْهَ الله الْمُتَقَلِّبُ بَيْنَ أَظْهُرِ عِبادِهِ»(2)، وهذا مقام شريف بأن تكون السيدة هي بوصلة لمن يُريد أن يَقصد إمام الموحدين، وفيه وجه كرامة لها في أن من يُريد شيئاً من الأمير A فليتخذها شفيعة وليُقدمها في توسله لينال مراده.
كما أن مفردة (المرتضى) فيها دلالة ومعنى يستوجب الالتفات اليه، فلقب (المرتضى) يُراد منه الإمام الذي رضيه تعالى هادياً للناس ليُبصروا به طريقهم وهم يسيرون الى الصراط المستقيم، فيَصلون من خلاله للحق تبارك وتعالى.
ففي كربلاء لما استشهد الإمام الحسين A، وإمامنا السجاد A كان مقيداً بأن يُخفي إمامته لحفظ سلامته، إذ لا بد أن لا تخلو الأرض من حجة؛ كانت السيدة زينب B هي القبلة التي ارتضاها تعالى لتؤدي دور القيادة؛ فقامت بدور الراعي والحافظ للعائلة طوال مسير السبي، ودور التوجيه والتبليغ والتبيين لإيقاظ الأمة من غفلتها من خلال خطبها الشهيرة التي وردتنا.
بل وإن هذا اللقب يُشير الى دورها القيادي قبل واقعة الطف؛ فهي كانت المُوجِه والمُثبت والمدير لشؤون الحلقة الخاصة من العائلة العلوية، وأيضاً كانت البوصلة التي توضح وتعرف الحق للناس ضمن الدائرة المجتمعية العامة في حياة أبيها وأخويها D.
فكما يُنقل (كانت العقيلة زينبB تفسر للنساء القرآن الكريم، وتروي لهنّ أحاديث جدها المصطفىJ وأخبار أمها الزهراءB وتوجيهات أبيها المرتضىA، فقد ورد أنه كان لها مجلس في بيتها أيام اقامة أبيهاA في الكوفة...)(3).
وحتى بعد عودتها من رحلة السبي الى مدينة جدهاJ كان لها هذا الدور، ولأنها المرتبطة برسالة السماء لم يَنقطع بعد رحيلها عن الدنيا فيض نورها الى يومنا هذا، فهي بوصلة لمن أراد الاقتباس منها لينال كل خير وبركة ونور.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة يونس: 87.
(2) بحار الأنوار: ج٩٩، ص٩٩.
(3) زينب الكبرى: ص٣٦.