فراشة البيت الطاهر
21-10-2020
رحاب سالم البهادلي
تخيلتها وأدركت في باطن عقلي وقلبي مكنون رقتها، رقيقة كالفراشة، تحلق من زهرةٍ إلى زهرة، باطنها سر عميق، وظاهرها طفل رقيق.
ولِدتْ في بيت النبوة، وترعرعت في أحضان الإمامة، أميرة صغيرة قد أمست أسيرة، بالأمس عاشت كفراشة جميلة في بيت أبيها تُرفرف بأجنحتها الصغيرة، تتنقل بين أحضان سادات الكون، تَحطُ على أكتاف قمر العشير، وترفعها أكفّ لطالما رفعتْ للدعاء متضرعة لخالقها، وتهمس في أذنيها شفتان قد رتلت القرآن ترتيلاً.
فراشة البيت الطاهر رقيقة الحس واللمس، خرجتْ من قصرِها أميرة عزيزة في ركب عظيم، تجهل إلى أين المسير، لم تخف ولم تسأل، تأمن على نفسها مادامت تحت ظل القمر، وحاديها علي الأكبر، يربت لها ابن الزهراء إذا حلّ الظلام وتخلد لنومها بهدوء وسكينة.
لم تعرف الأميرة الصغيرة أنها ستواجه الأشرار والاخطار، لكن الزمان قد قسا عليها، فبعد العز مسبية، قتلوا أباها وأخذوها أسيرة مع العلويات من آل محمد ص.
لم تُدرك فراشة البيت الطاهر ما حصل؟ وما هذا السفر؟ وإلى أين المسير؟ حتى وصلت خربة الشام، فرأت السيدة رقية ع الإمام الحسين ع، في الرؤيا يمسح على رأسها، فزعت من نومها تريد أباها صارخة مفجوعة.
سمعوا صوت صراخها، وبدل أن يهدئها وهي طفلة يتيمة حزينة، أمر أمير الضلالة والظلام، بأن يقدموا لها رأس أبيها في طبق، دون رحمة ولا إنسانية.
طفلة صغيرة يقتلها هذا المنظر، يوضع بين يديها رأس مقطوع، وأي رأس هذا، رأس عزيزها الحسين ع، لم تستطع طفلة الحسين تحمل هذا المنظر المفجع.
فصرخت صرخةً استنكرت بها المنظر القاسي، واستسلمت للموت بعدها، معلنةً رفضها لهذه الحياة، ولأمة لم تحفظ حرمة ابن بنت نبيها.
لا تعيش الفراشة بدون جناحيها، وتسأم من حياتها دون الأزهار، فأحسّت الفراشة الرقيقة بأنها مكسورة الجناحين، ومن حولها زهور ذبُلت من قسوة المصاب، فقررت الرحيل من هذه الدنيا، ملتحقةً بالحسين ع، مكملةً لوحة الخلود والنصر التي رسمها أبوها الحسين بدمهِ الطاهر.
انتصر الدم على السيف، وأكملت رقية اللوحة، قُتلت الطفولة بموتها، فصارت ع إكسير الخلود لعُشاق الحسين ع.