وصـيـتـي لـــك
21-10-2020
حسين مناتي
وأنت تقرأ وصيتي!!
لم تعد تلك السنوات التي كانت ملكي بعد الآن ملكاً لي، فالآن بين يدي رحمة ربي أطلب مغفرته، وأتمنى أن أكون ممن رزقوا شفاعة المولى أبي عبدالله الحسين A..!
بني!
كتبت هذه الوصية مع اولى أيام حياتك، ومنذ لحظة كنت تحبو صغيراً تطاردني أينما ذهبت أو جلست قريباً منك أو بعيداً، فقد كنت تحبني كثيراً، وأنا كذلك كنت أحبك.
منذ اليوم الأول يا صغيري أخذت عهداً على نفسي أن تكون الأمانة التي أمنها الله عندي لأوصلك الى طريق النجاح الذي تمنيته لك أنا ووالدتي، جدك كان يحلم أن يراك طبيباً تعالج المحتاجين وتشفق عليهم، وها انت كما أرادك لم يبقَ لك شيء من الانجاز إلا حققته بفضل الله وأهل البيت D وجهدك ...!
في وصيتي أريد ان أحدثك عن أمرٍ بطولي لابد أن تخلد في ذاكرتك بل إن أمكنك ذلك اجعله السبيل في تربية ابنائك، وبناء شخصيتهم الانسانية، فالإنسان اذا لم يمتلك سمات الانسانية المتدينة ضيّع عمره كله سدى، ومن دون فائدة دنيوية أو اخروية.
والحديث فيما أريد أن اقوله لك شجي: الهيبة يصنعها الانسان وتخلد على إثرها أساطيره وأمجاده التي سطرها من خلال تحركاته واجتهاداته، فكن مجتهداً في اقتناص الفرص، واحرص على الاجتهاد في الأسباب لتحقيق المراد، فحتى في الموت هناك نجاح وخلود، فليس في الدنيا أمرّ من رؤية فلذة كبدك يقتل وضرج بالدماء وهو مصرٌ على موقفه، فيقطع شسع نعله لينزل لإصلاحه غير آبهٍ بما يفعله، وقد كسر أنف اعتاهم ودمر عمق أقواهم، فلم يجرؤ عليه جريء وخاف منه القريب في الميدان والبعيد.
نعم يا ولدي، ان للقاسم بن الحسن A رسالة لم ينطق بها لكن هيبته فرضتها وصوته الحقيق قد نطق بها دون كلمات ليطرز فيها اسطورته الشخصية دون منازع وعلى صغر سنه.
لم يستهن ابن الحسن المجتبى بالأسباب الصغيرة في فرض قيمته الانسانية وتوضيح صورته البطولية من خلال كل المواقف التي رافقته في ميدان الطف، ذلك الدرس العميق في الانسانية وهو يرتدي لامة حربه ويتوجه الى عمه يطلب منه الخروج الى اعداء الله ورسوله، منافحاً عن دين الله وشريعته.
وقد قُبِلَ بالرفض وما كان منه إلا أن يفتح تلك الوصية الصغيرة. نعم كانت مفاجأته التي ينتظر والتي ستتيح له الدخول في الميدان :
«يا ولدي، أوصيك انك اذا رأيت عمك الحسين A في كربلاء وقد أحاطت به الاعداء، فلا تترك الجهاد والبراز لأعداء الله واعداء رسول الله، ولا تبخل عليه من روحك ومن دمك، وكلما نهاك عن البراز عاوده ليأذن لك للبراز لتحظى بالسعادة الابدية».
التزم الفتى الشجاع بمقاليد الوصية كما التزم بمعتقداته في اضنك الظروف واصعبها، لم يساوم، لم يخف، لم يخنع، لذلك استطاع أن يكبر على عدوه ويضرب في ذلك الميدان مثلاً في الشجاعة والهيبة حتى أجبرت أعداءه على التكاثر لقتله، ولولا كثرتهم لما استطاعوا أن يخمدوا حماسته، والحق يقال: إنهم لم ولن يستطيعوا فعل ذلك؛ لأنه استطاع ان يفعل ما يريد في مرضاة الله في تلك الحقبة الصعبة وقد حقق ذلك بشهادته.
ولدي، لا يخفى عليك ان الانسان يمر بين الحين والاخر باختبار او اختبارات جسام، في هذه الاختبارات يصنع الانسان أسطورته الشخصية ويفرض هيبته، لا تدع هذه الهيبة تفرض الا بما يرضي الله منغمسة بحب آل محمد، فأنهم العقيدة والمعتقد وما سواهم طرق عليك ان تجتهد باختبار اسبابها، لتتناول من خير هذه الدنيا، وتطحن الأيام لاجتيازها باتجاه الآخرة.