ومـن الـشـهـداء ... ســوار
21-10-2020
محمد باقر فالح
إن وجود القدوة في حياة المجتمع، يجعله مجتمعاً واعياً مدركاً لجميع المنزلقات التي ربما تجعله ينزلق أمام الشيطان وجنوده، فوجود القدوة كشعلة تنير طريق المؤمنين الباحثين عن الحق والإيحاءات والإشارات التي تعطيها حياة القدوات الصالحات تربي جيلاً صالحاً توطئ لهم طريق ذات الشوكة، وتجنبهم المنحدرات والطرق الوعرة، جعل الله تعالى أنبياءه قدوات صالحة لرسول الرحمة ليثبت به فؤاده، وكما جعله هو وذريته الطاهرين قدوة لنا، لتطمئن بهم قلوبنا في زحمة الصراع، ومتاهات الحياة.
«لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ...»(١).
فهم ع مرافئ آمنة ترسو عليها سفن حيرتنا، وسبل لنجاتنا.
ولكل زمان قدوة وإمام مفترض الطاعة، فجعل خامس أصحاب الكساء قدوة لأهل زمانه، في زمان كان الحق لا يُعمل به، والباطل لا يُتناهى عنه، فخرج سيد الشهداء ع يصحح منهج الإسلام القويم الذي أرساه جده العظيم، بعد أن رأى حكام الجور من بني أمية يحرّفون الدين عن مساره الحقيقي، ويجعلونه قشراً فارغاً من محتواه.
فتصدى لهم الإمام الحسين ع ومعه أهل بيته وصحبه الكرام، ووقف بوجه الطاغوت.
فكانت واقعة الطف العظمى، فهي حركة سياسية كبرى تقرر بها مصير الإسلام، فعاشوراء نافذة على التأريخ.
فقد تقابل الصفوة المؤمنة الخالصة مع رؤوس الكفر والنفاق والباطل، فهي مقابلة بين النور والظلام، وبين جند الله وجند الشيطان.
مرآة صافية لكل حركة حق في التأريخ وتمتد الى يوم الدين، ولا يخفى على أحد أن شهداء كربلاء كانوا نماذج بشرية، أوجدت نهجاً تحررياً مستبقاً بروح التقوى والإخلاص، وأظهرت هوية إنسانية جديدة قدمها سيد الشهداء ع ودروساً للحرية والمروءة للعالم أجمع.
ومن أولئك الغيارى الذين التحقوا بركب النور ولبوا نداء الحق، ودافعوا بكل جهدهم حتى بذلوا الأرواح رخيصة بين يدي ابن رسول الله ص:
الشهيد سوار بن منعم بن نهم الهمداني النهشلي:
ونهم بن عمرو بطن من همدان من القحطانية (ويمن عرب الجنوب).
كان من الثلة الطيبة التي التحقت بقافلة النور، أتى أيام المهادنة وهي الأيام التي التقى بها جيش الحر في ألف فارس فجعجع بقافلة سيد الشهداء.
فبقي سوار إلى يوم العاشر، وتقدم مع الأصحاب في الحملة الأولى، فقاتل قتال الليوث بين يدي سيد الشهداء إلى أن ضرب ضربة فسقط إلى الأرض مضمخاً بجراحه، ولم يستشهد في ساعته.
وإنما أغمي عليه؛ بسبب ما لحقه من جراح، فأعياه نزف الدم، وبعد المعركة تحسس الجيش كل القتلى، فوجدوا فيه رمق، فأخذوه أسيراً الى ابن زياد (لعنه الله) فأمر اللعين بضرب عنقه، إلا أن قومه وعشيرته تشفعت عند ابن زياد؛ لكي لا يقتله.
فأمر بسجنه، فسُجن (رضوان الله تعالى عليه) وبقي بضعة أشهر في السجن ثم استشهد (رضوان الله تعالى عليه) متأثراً بجراحه، فالتحق بقافلة كربلاء مع الشهداء الطاهرين.
وقد ذكر الشهيد سوار في زيارة الناحية المنسوبة لصاحب الأمر f:
«السلام على الجريح المأسور سوار بن أبي عمير الهمداني»(٢).
فكانت هذه الكلمات دليلاً على أنه (رضوان الله تعالى عليه) قاتل ثم أسر، ثم استشهد والتحق بالرفيق الأعلى.
فهنيئاً لهؤلاء الطيبين هذه الصحبة ونصرة إمام زمانهم.
اسأل الله تعالى أن يوفقنا لنكون في ركب مولانا صاحب الأمر عج، وأن نكون من المدافعين والمستشهدين بين يديه.. آمين رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١) الأحزاب: ٢١.
(٢) الإقبال لإبن طاووس: ٥٢.