قراءة في كتاب خـطـب الـجـمـعـة الجزء الأول / الـمـجـلـد الـثـــانـي

10-09-2020
خاص صدى الروضتين
أدت خطبة الجمعة دورها الرائد في توعية وتعبئة الجماهير، وقد قادت الدور الإصلاحي من منبر العتبة الحسينية المقدسة في كربلاء، وفي كتاب خطب الجمعة/ توثيق وتحقيق/ الصادر من قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة العباسية المقدسة نقرأ خطبة الجمعة في 3 آذار سنة 2006م لسماحة السيد احمد الصافي (دام عزه)، وارتكزت الخطبة الفكرية على وقفة مع الامام السجاد ع.
انقسمت الخطبة الى عدد من البؤر الفكرية التي عرضها في كلمة الامام السجاد ع, منحى تحليلي دلالي لمحور التخاطب الوجداني مع رب العزة سبحانه وتعالى، نحن بطبيعة الحال معنيون بهذا التخاطب من أجل معرفة كيفية الدعاء أو لنقول المنهج الطلبي مع صاحب القدرة المطلقة.
كتب سماحة السيد الصافي معنى وجود الجملة الاسمية لعملية التخاطب المباشر: (انت الذي جعلت لكل مخلوق في نعمك سهماً/ وانت الذي عفوه أعلى من عقابه/ وانت الذي تسعى رحمته أمام غضبه/ وانت الذي اتسع الخلائق كلهم في وسعه/ وانت الذي لا يغرب في جزاء من أعطاه/ وانت الذي لا يفرط في عقاب من عصاه).
هو إقرار واثبات، وبما أن الصفات ثابتة فهي تفيد الاخبار, أسلوب تربوي لأئمتنا ع يعلموننا أن نضع هذا التحميد والتمجيد أمام طلباتنا وحوائجنا من الله سبحانه وتعالى، التحميل في الدعاء قبل الحاجة، وهو تعزيز للطلب، هناك سمات نصية قادرة على منحنا المسعى القصدي لمفهوم الإيمان وصور اليقين الفكري الذي يتجلى مفهوماً، ويبعث الايمان بحضور قوة الله التي لا تغيب عن أي مخلوق، أي الشعور بالمراقبة الإلهية والايمان بهذه المقدرة هي حالة من الاطمئنان، وهذا مبعث التقويم السلوكي وحسن الاطمئنان مبعثه الايمان أي هو مفقود عند الكافرين، جوهر المعنى الذي يقود الوعي بخصائص هذا الايمان، قلنا يمتلك المنحى السلوكي القويم, التعبير الدلالي يأخذنا الى مناحي الفكر لصعوبة بعض الآداب الإلهية على النفس البشرية حسب تشخيص سماحة السيد الصافي يحتاج الى (المَلَكَة) التي تجعلنا نندفع الى فعل الخير دون تروٍّ.
خطب الجمعة لا تعني إعادة اقوال الائمة ع، وانما تعني البحث في المضمون، وإعادة صياغة مضمونية توائم روح العصر، نحن مأمورون أن نشكر الله تعالى «لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ» على الانسان أن يشكره، وهذا العمل سينفعه؛ لأن الله تعالى لا تضره معصية من عصاه، ولا تنفعه طاعة من اطاعه، ويعني قراءة النص حسب مرجعية امام معصوم لما يخصنا من مضمون انساني، بمعنى أن الذات الكاتبة هي فاعلة تمثل فكر إمام معصوم، يقول عن وعي هذا الوعي يمر على أزمنة حياتية مختلفة، أجيال من الناس والمعتقدات والأفكار، وفي كل الأحوال والاطر الفكرية ان الله سبحانه وتعالى حين يعطي لا ينتظر جزاء من احد، العطاء المقدم الى الكفرة، ويزداد أحياناً عن العطاء المقدم للمؤمنين، فأي جزاء ينتظره من الكفرة؟
الله غير محتاج، والمعنى الذي يريد ان يصل اليه سماحة السيد الصافي أن الله لا ينتفع بعبادة احد ولا تضره ولا تنقصه معصية احد، فقراءة الأثر الدعائي لمعصوم ليس باعتباره تراثاً بل نحتاجه اليوم، نتابع دلائله الفكرية ليتنامى الموضوع عبر القراءة الحديثة ع يقول: «وانت الذي لا يفرط في عقاب من عصاه» أي لا يتجاوز الحد عقوبة العاصي لا يبالغ في العقوبة حد التشفي او الانتقام.
يسلط سماحة السيد الصافي الضوء على الواقع ليقرأ من خلاله حيثيات الدعاء في ارض العراق، اليوم نرى قطع الرؤوس والاعتداء غير المنقطع، طريقة القتل ابعد من انهاء الحياة اكثر من مجرد قتل، أسلوب تنفيذ القتل فيه تشفٍّ، وافراغ الحقد في المقتول، وان قتل، ولكن لا بد أن يقطع رأسه، لا بد أن تبقر بطنه، او مثلاً تفقس عينه، وهذا ما حصل في واقعة الطف أيضاً، ليست مجرد عملية قتل، حصل نوع من التشفي، نوع من الأحقاد، يقتل الحسين ع، ويداس على صدره الشريف بالخيل، وتسبى العيال، ويشتم امير المؤمنين، كلها أشياء ليست لها علاقة بمسألة القتل، الله سبحانه وتعالى يعاقب، ولكن لا يتشفى بمن عصاه، قراءة التاريخ بهذا الفكر الحداثي سيعرفنا بنواحي الفكرة والمضمون القصدي، وكل خطبة وأنتم بخير.