الـكـــاريـزمـــا الـنـجـومـيـة الـشـــامـلـة.. سـحـــر لا حـــدود لـــه مـحـمـود أبـــو الـعـبـــاس أنـمـوذجـــاً

10-09-2020
عدي المختار
ما يميز المبدع الحقيقي عن غيره مقومات تبدأ بالوعي، ولا تنتهي عند حدود المسؤولية الابداعية، بل تتخطاها الى حيث الخلود في ذاكرة المتفرج العراقي والعربي، كأيقونة فذة الايقاع والمعنى, وهذا تحديداً ما ميّز أجيالاً عديدة من الفنانين العراقيين، لازالت تحتفظ بهم ذاكرة الابداع كمبدعين عضويين، لا تنتهي ابداعاتهم أو تهدأ أو تستكين، بل هم في حالة ابداعية متجددة الاستمرار.
الفنان البصري الكبير محمود أبو العباس واحد من أبناء هذا الجيل العصي على الأفول أو النسيان في ذاكرة العراقيين والعرب, فنان خبرته المعاناة، وصهرته التجربة، وتفرّد كظاهرة فنية فريدة المعنى والابداع. ما يميز هذا الفنان أنه موهوب حدّ اللعنة, ومهووس في اتقان الشخصيات التي تسند له, منتمٍ للإبداع الحقيقي حدّ النخاع, يعرف جيداً ما يريد, قادر وبأريحية أن يستحوذ على اهتمام ومشاهدة المتفرج العراقي والعربي سواء درامياً أو مسرحياً, فهو يثبت لك من دور لآخر في أي عمل فني أنه يمتلك تقنيات الممثل المحترف الذي يقرأ الشخصية جيداً، ويعيش تفاصيلها، ويفكك معالمها بحرفية عالية.
أثبت وبجدارة أنه فنان تعب على نفسه كثيراً, ومَنْ تتبعَ المسيرة الحياتية والابداعية له يعرف كيف صنعَ هذا المبدع نفسه، دون أن يسوّق له أحد، بل موهبته الفخمة كانت جواز سفره للآخر.
ولد أبو العباس في 27 مايو من عام 1956 في أحد الأحياء الشعبية بمحافظة البصرة جنوب العراق، حسب قوله في أحد اللقاءات المتلفزة، أن بواكير تعلقه بالعمل المسرحي كانت حينما قرر أن يقدّم أعمالاً مسرحية في بيته وجمهوره أبناء الجيران. أنهى دراسته الابتدائية والثانوية في البصرة، ودفعه حبه للتمثيل للانتقال إلى العاصمة بغداد والالتحاق بكلية الفنون الجميلة قسم المسرح, ليصقل موهبته بالدراسة الأكاديمية فينال شهادة البكالوريوس بدرجة جيد جداً, ليتخرج الأول على مجموعته في الإخراج المسرحي.
وبعد إنهائه للدراسات العليا عام 1982 تعيّن في دائرة السينما والمسرح، ليعمل مع الفرقة القومية للتمثيل، كما عمل مدرساً لمادتي التمثيل والإخراج في كلية الفنون الجميلة بجامعة بغداد، إلى جانب عمله في قسم الدراما في التلفزيون العراقي.
كتب ومثّلَ وأخرج أكثر من ثلاثين عملاً مسرحياً، ومثّلَ العديد من الأعمال الفنية في السينما والمسرح والتلفزيون. كما قدّم خلالها العديد من الأعمال والمسلسلات التلفزيونية التي لازالت في ذاكرة العراقيين حتى الآن.
غادر العراق في عام 1998 بعد أن قدّم مسرحية (يا طيور) تأليف وإخراج الدكتورة عواطف نعيم والتي حملت مضامين فكرية مشاكسة في زمن النظام السابق، وتعرّض للمساءلة والاستجواب، مما اضطرره للرحيل إلى الإمارات العربية المتحدة، ليعمل هناك في مسرح الطفل، وأسس العديد من الفرق المختصة بعروض الأطفال، وبقي هناك لأكثر من عشرة أعوام، وشغل منصب سكرتير تحرير مجلة (كواليس) المسرحية.
شارك في العديد من المهرجانات المسرحية العربية والدولية، ونال جوائز تقديرية كأفضل ممثل عراقي, وألّف مسرحيات للأطفال منها: (ميراث القطط)، و(نور والبئر المسحور)، وكان آخر أعماله المسرحية، مسرحية (بقعة زيت) التي شارك بها في مهرجان (أيام عمان المسرحية), والتي تتناول معاناة المغتربين العراقيين بأسلوب كوميدي ساخر.
كتب أكثر من نص مسرحي جُسّد على خشبات المسرح العربية. يعد أحد أبز أبناء جيله في بناء منظومة فن المونودراما عراقياً وعربياً. عرفه العراقيون في مسلسل (ذئاب الليل) تأليف صباح عطوان، واخراج حسن حسني بشخصية (ستار كوسج) الشخصية الأشهر التي بقيت في ذاكرة العراقيين.
عاد مؤخرا الى العراق 2019 ليشارك في مسلسل (الفندق) تأليف حامد المالكي واخراج حسن حسني أيضاً, ومن ثم مسلسل (أحلام السنين) تأليف شوقي كريم حسن، واخراج علي أبو سيف، وأيضاً مسلسل (يسكن قلبي) تأليف باسل الشبيب، واخراج اكرم كامل.
إن المتتبع لمسيرة الرجل الابداعية، يكتشف أن (أبو العباس) كان في كل مرة يتفوق على العمل نفسه، بما يتميز به من كاريزما نجومية وأداء ساحر, وهو العارف بهموم شعبه ومعاناتهم، فجسّدها بحرفية عالية وبأسلوب أخّاذ.
شموليته كنجم في التمثيل والكتابة والاخراج جعلت منه النجم الاشهر بين جيله، ولازال يواصل نجاحاته حتى الآن. محمود أبو العباس كاريزما نجومية لم تستغلها عجلة الدراما العراقية لتسويقه عربياً, وشخصيته المهنية تسمو على تسويق نفسه بالمجاملات العربية, بل بقي يراهن على احترافيته كبدع حقيقي، لتجعل منه فناناً عراقياً عربياً بامتياز.