«واضرب لهم مثلاً...»

08-09-2020
نعمت ابو زيد
من منا لم يستخدم مثلاً شعبياً في حياته؟
من منا لم يستشهد بمثلٍ ليختصر موقفاً؟
بالطبع كلّنا استخدمناها؛ لأنّ لكلّ واحدةٍ في مضمونها يُغني أحياناً عن تقديم شروحٍ كثيرة وفي مواقف متعددة.
والكثيرون أيضاً يرون أن الأمثال الشعبية أداة لم يعد لها ضرورة في مجتمع اليوم، شيء (أكل الدهر عليه وشرب)، وهذا مثل شعبي معروف طبعاً، لكن كثيرين آخرين لا زالوا يستخدمون الكثير من الأمثال الشعبية كل يوم، ولديهم دائماً ما يقولونه للتعليق على كل ما يحدث في حياتهم تقريباً، فالأمثال الشعبية لا تزال أحياناً الأكثر قدرة على التعبير عن ثقافة المجتمع ذاته وعن قيمه العليا.
والأمثال, هذه الكلمات المتداولة, يؤمن بها المجتمع ويُسَرُ بها؛ لأنها جزء من تاريخه ولغته, وله بها عناية؛ حتى إنها تمثل جزءاً منه. ولِمَ لا؟! فهو من تواضع عليها واعتمدها؛ لتكون بنى استدلالية وتعبيرية على المفاهيم والمعاني والأحوال, ليست شيئاً غريباً عمّا يتداوله المجتمع من لغتهم وأقوالهم, بل هي من سننهم التعبيرية اللغوية.
وضرب المثل يعني صوغَه وإنشاءَه كما يعني التمثل به, وفي الحالين فإن ضرب المثل كان استجابة لحاجة لغوية وفنية واجتماعية, فهو أحد عوامل إثراء التعبير والاستدلال وحفظ التجارب وتناقلها. كما أن التمثل بالأمثال يعد من قبيل العمل الإبداعي.
فكثيرةٌ هي الأمثال الشعبية التي نسمعها من أهلنا، وأجدادنا، وأغلب أفراد المجتمع، فهي تُعتبر موروثاً ثقافياً تتناقله الأجيال من زمنٍ إلى زمن، وتُوصف بأنها عصارة حكمة الشعوب، فالمثل قصة جميلة حياة ترويها الأجيال، وحكاية حكمة الأجداد الصالحة لكل زمان ومكان والمليئة بالعِبر مع اختلاف اللهجات والبلدان التي تتداولها، فهو نتاج الثقافة الشعبية، ويبقي ابنًا للبيئة واللغة والحدث الذي نتج منه، وإن حملت أحياناً نقداً لاذعاً لكن في مضمونها تحمل توجيهاً.
فالمثل الشعبي هو نتاج حدثٍ حصل في الماضي وصار عبرة للحاضر، فهو شيء عام أكثر من كونه يمتاز بالخصوصية، فهو في النهاية نوع من أنواع الفنون، يستمد إبداعاته من اللغويات أو اللفظيات، وهو أكثر الفنون الشعبية انتشارًا، فلا يقارن بفن الفلكلور الشعبي مثلًا، فهو متوارث بين الأجيال، يتخذ العرب منه صفة، فلا تخلو أي منطقة جغرافية عربية من وجود الأمثال فيها، حتى ولو قلّ استخدامها وما ذكرته في البداية هما أنموذجٌ بسيطٌ جداً منها فلكل واحدٍ مدلوله وظلّ سارياً الى عالمنا الحاضر، ويستخدمها أكثر من بلد، وكلٌّ حسب لهجته المَحكيّة.
وبلغت عناية اللغويين العرب حدًا مميزًا عن سواهم، إذ كان المثل بالنسبة إليهم يجسد اللغة الصافية إلى حدٍ كبير، فأخذوا منها الشواهد وبنوا على أساسها بناءهم اللغوي، حيث كانت عناية الأدباء العرب بهذا الشكل التعبيري لها طابعٌ مميز، نظرًا للأهمية التي يكتسبها المثل الشعبي فى الثقافة العربية، فالمثل الشعبي ليس مجرد شكل من أشكال الفنون الشعبية، وإنما هو عمـل يستحث قوة داخلية على التحرك.
وخيرُ الكلامِ ما قلَّ ودلّ..