التدقيق اللغوي وأهميته في صياغة النص

08-09-2020
هاشم الصفار
دور التدقيق اللغوي في إعلام هادف ورصين:
هناك سمات أساسية ينبغي أن يتحلى بها من يلج مضمار الإعلام مدققاً ومنقحاً ورقيباً لغوياً، وحتى في دور النشر المختصة بالنشر الأدبي والثقافي، منها:
1- أن يتسم بسعة اطلاع في الأمور اللغوية من معاجم ودراسات لغوية وبلاغية، بحيث يكون له إلمام معتدّ به، يمكنه من اجتياز النصوص وضبطها بنجاح، مع الأخذ بنظر الاعتبار أنه لا يتسنى لأي دارس مهما بلغ من شأن ومنزلة أن يلمّ بكل فروع اللغة ومفرداتها ومعانيها وتراكيبها ومترادفاتها وصرفها ونحوها، والآراء الكثيرة حول الاشتغال والعلل، ونظرية العامل والتقدير وغيرها الكثير، فهو أمر عسير مع حجم ما وصل إلينا من موروث أدبي ولغوي ضخم على مر الأجيال، الأمر الذي يدعو المدقق للأخذ بما يتيسر، وبما هو أكثر ابتلاء وتداولاً بين يديه.
2- أن يحاول إيجاد التأويلات والمبررات والتقديرات المناسبة التي تحوّل النص الإعلامي إلى مادة مقبولة مأنوسة للمتلقي، فلا يكون صارماً بحيث لا يتقبل من الكاتب إلا وجها واحداً من التخريجات اللغوية للمفردة والتركيب، بل يكون مرناً متفهماً لما يحاول الكاتب إيصاله بيسر وسهولة، وهذا لا يأتي إلا عن طريق القراءات المتعددة للمادة الإعلامية، فهي نصوص يفهمها كل المثقفين في الساحة العربية، كُتبت بلغة وسطية ليست بالعامية الركيكة، ولا الفصيحة البعيدة عن روح العصر ومتغيراته على مستوى اللهجات والتراكيب والمصطلحات.
وليس بالضرورة كذلك أن تكون وفقاً لنصوص المعلقات والعصر الجاهلي المعروفة بتعقيداتها ومفرداته الصعبة التي لا يتسنى للكثيرين فضلاً عن المختصين فهمها في الوقت الحاضر، بل يحاول المدقق أن يجد سبلاً تحاول إيصال النص إلى بر الأمان دون خطأ لغوي فاحش، ودون تفريط في التسامح المؤدي لإهمال ضبط النص بشكل غير مقبول.
3- أن يمتلك الأدوات المساعدة في عمله من معاجم ، ومصادر لغوية منوعة، سواء في جهاز الحاسبة أو الموبايل أو الكتب المطبوعة، فمهما كان ذا اطلاع ومعرفة وخبرة، عليه أن يرجع لتلك المعاجم والمصادر لتساعده في عمله، فلا يتكل دائماً على ما يمتلكه من مخزون لغوي، بل عليه الاطلاع والمراجعة وتجديد معلوماته.
4- أن لا يبخل بالنصيحة والمشورة اللغوية، والإجابة عن أي تساؤل يوجهه إليه الصحفيون والعاملون معه في الإعلام، بطريقة تحبب إليهم اللغة، وترسخ قواعدها في أذهانهم، وحين لا يجد الإجابة حاضرة، يعدهم بأنه سيراجع المفردة، ويعطيهم الإجابة لاحقاً.
5- أن يتقبل الرأي المضاد في حال اشتبهت عليه مسألة ما، ثم يراجعها لاحقاً، وهذه المرونة تضيف إلى رصيده اللغوي الكثير، بدلاً من التزمت والتعنت على رأي واحد، فهي أمور تبعده عن الهدف الأسمى للمعرفة وطلب العلم.
6- أن يأخذ بنظر الاعتبار أن هناك الكثيرين من المطلعين على الشأن اللغوي من الدارسين والمثقفين والإعلاميين وغيرهم، سواء من المختصين أو غير المختصين، الأمر الذي يعرضه للكثير من الأسئلة المباغتة، والمناقشات حول هذه المسألة أو تلك، فكيف سيتعامل مع هذا الأمر؟ هل يتعصب لرأيه فقط؟ هل يمتنع عن الإجابة عن أي سؤال مباغت؟ هل يقتصر على عمله الروتيني في التدقيق الورقي بصمت دون مداخلة هنا أو هناك؟ فالمرجو منه، هو أن يكون واعياً لكل تلك الأمور، ولا يضع نفسه في موضع المتعصب من جهة، ولا في موضع الإهمال وعدم الشعور بالمسؤولية الملقاة على عاتقه في التعاطي مع الجميع بصبر وتأنٍ وروية، ليخرج النتاج الإعلامي متكاملاً مُعافى.
7- أن لا يسخر أو يتهكم بما يجد من تراكيب ومفردات غير صحيحة، ويهوّل الأمر على الكاتب، أو يستدعيه لمحاكمته، بل يعالجها برحابة صدر دون إحراج الكاتب، أو مطالبته بتبرير أو إيجاد بديل لجملة معينة -كما لاحظت عند بعض المدققين- حين يطالب الكاتب بمعالجة جملة ما، رغم أنه يمتلك الصلاحية لتغيير ما يراه مناسباً، فالتصادم مع الكاتب في كل صغيرة وكبيرة، وحالة عدم فهم طبيعة عمل كل منهما، يوقعه بمحاذير لا تصب في خدمة النتاج الإعلامي، بل عليه أن يتفهم وضع الكاتب، وأن وقوع الخطأ وارد دائماً، فيقوم بتصحيحه دون المساس بشخصية الكاتب، والتقليل من شأنه.
فالكاتب غير معني بتغيير ما يكتب، وإعادة ضبطه من الناحية اللغوية (صرفاً ونحواً)، إن كانت الفكرة واضحة، بقدر مسؤولية المدقق في إيجاد التخريج المناسب لكل حالة لغوية تعترضه، ولكن إن تم حذف موضوع ما، من قبل ادارة التحرير أو المشرفين على الإصدار، فهو نتيجة خلل موضوعي فيه، أو به مساس لجهة بها، ولا يتعلق بقصور لغوي أو خطأ؛ لأن الخطأ اللغوي يمكن معالجته، لكن إن كان الموضوع ضعيفاً، ولا يخدم توجهات وسياسة المؤسسة، فلا مجال لنشره.
8- أن تكون له الطريقة الفضلى لحفظ لمسة الكاتب، بعد إجراء التدقيق اللغوي، فمن المفترض أن يكون التدقيق شاملاً للمناحي اللغوية، الصرفية منها والنحوية، وكذلك للمنظور الجمالي والبلاغي للنصّ، فلا يمكن أن يكون التدقيق مُضعِفاً للنصّ، إلا إذا كان هناك خلل في امكانية المدقق، وإلا فعمله تطويري للنصّ، وليس تهديم بُناه الموضوعية، أو قد يكون النصّ –في الأساس- بحاجة لإعادة صياغته جملة وتفصيلاً من قبل المدقق، أو إلغائه كلياً، وهو الحلّ الأفضل من تعديلات كثيرة، قد لا تُؤتي ثمارها.
9- أن يحاول الاشتراك مع زملائه في الكتابة والتدوين، فهو يساعدهم ويحمل عنهم باباً من الإصدار أو توجهاً معيناً من جهة، ويعمد الى تجنب الأخطاء في تأليفه من جهة أخرى، فهو سيتفهم الوضع النفسي للكتّاب والمؤلفين، وصعوبات التدوين، وسيتفهم مصادر الخطأ وطرق احتوائه ومعالجته، وهذه الشراكة مع زملائه تخلق جواً من الألفة المهنية والمعرفية والنفسية بحيث تسهم إيجابياً في نجاح المنشور.
10- أن يحاول إضفاء الثقة عند الكتّاب، ويشعرهم بأنهم جيدون لغوياً، وأخطاءهم قليلة، أو غير موجودة، وهذا سوف يعزز رغبتهم في كتابة نصوص صحيحة خالية من الأخطاء قدر الإمكان.