محاورة مع المبدع العراقي القاص الراوي إبـراهـيـم سـبـتــي
07-09-2020
علي الخباز
المنهل الأول/ تعريف نقدي
- لغة التأمل؟
الرؤى والأفكار المطروحة على صفحة السرد المؤدية الى المعنى المؤطر بالدهشة.
- النهاية المفتوحة؟
كل السرد لا يؤدي الى غلق المعنى، انما ثمة أشياء لا يبوح بها السارد، فيحتاج الى قارئ يفك شفرات النص، فيكون الكاتب قد أنهى فكرته التي لم تكتمل؛ لأنه يدرك أن إكمال المعنى, مهمة الآخر.
- مركز الاثارة والدهشة؟
ثمة اندهاش في النص لا يصل الى ما يريده الكاتب، إلا ببناء مراكز تكثر فيها المعاني وينزاح القصد, هي مراكز الاثارة التي تعطي للنص تفرده.
- مخزون الذاكرة؟
الأفكار المنسابة تؤدي الى اثارة المحسوس لدى المتلقي, فيحاول الكاتب الاستعانة بذاكرته المكتنز؛ لينهل منها ما يريد لمشاكسة ذاكرة المتلقي.
- لحظة التنوير؟
وصول المعنى الى الذائقة بكل أحاسيسه، فيعطي النص ضوءاً وبريقاً، وهو غاية ما يريده الكاتب.
- القص المفتوح؟
بعض القصص لا يتناسب معها انتهاء لحظة القصد، فتكتمل بخواتيم مفتوحة لإثارة التأمل والتأويل.
المنهل الثاني/ عناوين:
- الشيطان في صورة ملاك؟
إحدى قصص المجموعة القصصية ايماءات ضائعة للرائع الراحل محسن الخفاجي, مرسومة بابتكار سبقت عصرها.
- ملحمة كلكامش؟
المادة المثيرة للجدل للكتاب والباحثين، انها ملهمة للسارد اكثر من غيره؛ لأنها تحمل بين ثناياها فكرة الخلود التي تزيد من شهية الكتاب، كتبت عنها بحثاً مطولاً، وقارنت بين الخلود المادي والخلود المعنوي المحسوس، انها فكرة مثيرة للاهتمام.
- مساقط الضوء؟
عنوان لمجموعة قصصية للقاص والروائي جاسم عاصي، كتبتُ عنها متناولاً جوهر الانسان المستوحد والمستلب الذي اظهره القاص، وهو يضع بطله أمام مرأى الموتى ليتعامل معهم في مغتسل لوحده بين حيطان مغلقة، فتنزاح أفكاره وانسانيته في هذا المعنى، لقد كانت مجموعة قصصية هادرة بأفكارها ولغتها.
المنهل الثالث/ تجارب:
- كمال سبتي؟
تجربة رائدة للشعر العراقي المعاصر، اشتغل على القصيدة الحديثة اشتغالاً فنياً باهراً، تميزت تجربته بخلود الأسلوب والمعاني والأفكار الجريئة والمحاولات المتفردة في الشعر، رحل عنا في منفاه الهولندي، تاركاً ارثاً فنياً ابداعياً لا يمكن تجاوزه.
- ربيع الشهادة؟
تجربة خرجت من المحلية الى العالمية؛ لتخبر عن ثقافة دينية منفتحة ومؤثرة وأكثر قبولاً من المهتمين والمشاركين، انه ربيع ثقافي ديني خارج الأسوار والمحددات.
- كليزار أنور؟
قاصة وروائية، تكتب بطريقة اظهار الحدث المثير ليتلقفه القارئ الجيد الذي لابد له من اكمال العمل قصة او رواية، تكتب بأسلوب السهل الممتنع، وبلغة مقنّعة تؤدي الى فك شفرات النص مهما كانت تعقيداته، قرأت لها رواية (الصندوق الأسود، وقاتلة على الهواء، ومجموعتها القصصية عنقود الكهرمان)، انها تجربة تستحق التأمل والدراسة.
- صدى الروضتين؟
تجربة ثقافية جامعة، استطاعت أن تؤثر في الوسط الثقافي؛ لتداولها الشؤون الفكرية والمعرفية لكتاب وباحثين أثروا المكتبة العراقية بأفكارهم ورؤاهم الغنية، ويتأتى هذا من المحررين والمسؤولين على ادارتها بالشكل المخلص والدؤوب، وهذا ما جعلها تستمر في الصدور حتى اليوم.
- نعيم عبد مهلهل؟
قرين المحنة والابداع، صديق الوظيفة والأدب والحياة والروح وصديق المعنى المنهمر داخل قلبه المحب للإبداع والتميز، انه سليل السومريين والأفذاذ من الكتّاب الكبار وسليل حكايات الهور والمضايف، يحمل في دواخله حباً نادراً لمدينته وإرثها الحضاري والثقافي، انه احد الكتاب البارزين في السردية العراقية.
المنهل الرابع/ مفاهيم:
- الأديب صحفياً؟
برأيي أن الصحافة مكمّلة للأدب، إن مفهوم الأديب صحفياً ليس غريباً, انما هو نتاج تجارب ليس آخرها المهنة والعمل، فيكون الأديب أكثر اطلاعاً وهو يؤدي دوراً باحثاً في الصحافة، وآخر باحثاً في الأدب، و(ماركيز) احسن مثال لذلك، الصحافة مهنة المتاعب التي يرتاح بعدها الأديب في ربوع مملكته.
- الأديب اعلامي؟
مفهوم معاصر نسبياً, العمل الاعلامي هنا لا يتعدى كونه مهنة ووظيفة، فلا ضير أن يكون الأديب عاملاً في حقل الاعلام، طالما يكمل مسيرته الادبية دون عناء، واقرب مثال هو انني شغلت منصب مدير إعلام وزارة التربية، دون أن أترك الكتابة الأدبية.
- متعة التلقي؟
مفهوم يؤدي الى التأمل كثيراً في النصوص الادبية المتميزة التي يمكن لها أن تترك متعة حسية بالغة التأثر والتأثير، هي متعة الانتشاء وفق منظور الأدب الجمالي.
- النقاد؟
في نظري ينقسمون الى قسمين:
الأول: هم نقاد التحليل واظهار نقاط الضعف والقوة في النص الأدبي، وهو تقويم لابد منه لإنجاح أي نص ابداعي، ولابد من توفر الحيادية، وترك العواطف والمشاعر؛ ليكون الناقد امام مسؤوليته الابداعية في النقد.
الثاني: كتّاب الانطباعيات، وتكون نواياهم حسنة دائماً؛ لأنهم يعكسون تقبّلهم للنص واقتناعهم به.
النقاد لهم مساحة واسعة للاشتغال على النصوص التي تستحق التأشير والتقويم؛ لأنهم ينظرون للنص الابداعي كبناء رصين لا يمكن تجاهله.
- قصر الثعلب؟
هو عنوان روايتي الرابعة، وكتابي الخامس عشر في مسيرة منجزي الأدبي التي طبعتها في القاهرة، وتناولت فيها أزمة هجرة الشباب من العراق وما يصادفهم من الوجع والمآسي، انها رواية فكرة وحدث كتبتها بطريقة تقبلها الجمهور حسب رأي النقاد؛ لأنها كانت قريبة من الهموم والأفكار والتفاصيل اليومية.
- مدير الاعلام؟
شغلت هذا المنصب لمدة خمس سنوات في وزارة التربية، وكانت تجربة شخصية مثيرة؛ لأني اطلعت على عوالم لم تكن في بالي يوماً، وكانت انتقالة جوهرية من مهنتي كمدرس للغة العربية التي كنت أمارسها ما يقارب من ثلاثة عقود، تعرفت على أهم مجريات الواقع التربوي بتفاصيله القريبة وبمعالجاته التي كنت أحد المشاركين فيها، أوصلني هذا المنصب الى منصب اكثر صعوبة، وهو المتحدث الرسمي للوزارة، فجمعت بين المنصبين في آن واحد، وبين مزاولتي للكتابة الأدبية, انها ايام عصيبة ومؤثرة.
المنهل الخامس/ تعليل:
الاحتفاظ بعناصر الحدث/ انتقالات الزمن في النص/ ركائز النص الادبي/ الكاتب والأسئلة التي يثيرها/ القصة أقرب أم الرواية/ مقنعات لغوية مؤطرة بالمعنى والصورة لخلق التجاوب مع النص/ سحب الحدث الى زاوية الضوء وجعله مبهراً/ الأديب لا يختلف عن المؤرخ:
- الاحتفاظ بعناصر الحدث؟
هناك من ينسون بعض العناصر والمحددات في نصوصهم، فهم لا يكملون أحياناً أصل الفكرة أو الحدث, أو ينسون الأسماء والأماكن التي بدؤوا بها فيغرقون في التيه، عليهم بكثرة المراجعة قبل النشر؛ لأنها تنقذهم من النسيان.
- انتقالات الزمن في النص؟
ثمة عنصر مهم في النص الأدبي، وهو الزمن الذي يعطي تنوعاً محسوساً لدى القارئ، وخاصة في الرواية، من هنا ارتبط الزمن بعنصر المكان، فشكلا ثنائياً مهماً لتسيير تراتبية النص السردي خاصة، وجعله متماسكاً في بنائه.
والزمن هنا هو زمن الشخوص والحدث التي يحرص الكاتب على صياغته واخراجه بصورة لها جماليتها وشكلها المقنع، ولا يمكن للرواية أن تسير في زمن واحد إلا نادراً؛ لأن الأحداث تغطي أزماناً متعددة قد تكون متصلة أو منفصلة، وكذلك المكان.
- ركائز النص الأدبي؟
يقوم النص على ركائز عدة، أهمها: اللغة والحدث والشخصية ومن ثم الزمان والمكان، ولا يمكن أبداً أن يبنى السرد دون احداها؛ لأنها ركائز لأي نص وبدونها يفقد هيبته واهميته.
- الكاتب والأسئلة التي يثيرها؟
النص الأدبي محملاً بالأسئلة والمعاني والصور, فهو يعطي دلالات التأثر من خلال الخفايا والاستفهام التي يثيرها، ومن هنا لابد أن نشير إلى أن الكاتب يمكن له أن يطرح بعض الاسئلة من خلال تدوينه لفكرته المنسابة على الورق.
قد تكون الأسئلة مبهمة أحياناً أو ظاهرة أحياناً أخرى، فاذا كانت مبهمة تحتاج الى قارئ لبيب وذكي؛ ليضع لها حلولاً وأجوبة، وهذا ما يعتمده الكاتب في كتاباته المهمة والرصينة بنظر الآخرين. أما الأسئلة الظاهرة فلا تحتاج بحث وعناء, انما من السهولة الاجابة عنها وايجاد المعاني اللائقة لها.
- القصة أقرب أم الرواية؟
تعتبر القصة برأيي أهم الفنون السردية وهي الأصل فيها, وأعتقد أن مهارة الكاتب وقدرته في كتابة قصة قصيرة ناجحة ما يعني انه استطاع أن يمسك زمام السرد الناجح. إن القدرة هنا تكمن في اللغة المختزلة والحدث المكثّف والاسترسال المنطقي ومن غير الممكن اعتبار القصة أسهل من الرواية، بل إني أراها أصعب؛ لكونها محدودة بكل التفاصيل وادارتها تحتاج الى مهارة.
أما الرواية، فهي سرد مفتوح وتحتمل الطول والتفرع والتشابك لإظهارها بالوضع المقبول. تعد الرواية فناً واسع الانتشار اليوم، واكثر مقبولية من قبل القارئ والكاتب.
- مقنعات لغوية مؤطرة بالمعنى والصورة لخلق التجاوب مع النص؟
لا فائدة من نصّ دون اقناع، فالنصوص المكتوبة لابد لها ان تقترب من القارئ والمتلقي، وإلا فإنها تكون مجردة من الروحية واسرار النضج فيها. ومن المقنعات التي لابد لها أن تتوفر هي مقبولية اللغة التي يجب أن تكون واضحة المعالم مفهومة وخالية من التعقيد والتشابك، وهي العنصر الأهم في الكتابة.
أما الثاني: فهو الفكرة التي يجب أن تكون مقنعة جداً، ومتماشية مع الواقع دون ان تكون مستوردة من واقع غريب او دخيل، وما اكثر ما ينهل الكتاب من واقعنا الكثير من الأفكار والأحداث. الثالث: الأسلوب الذي يجب ان يكون مكتوباً بطريقة لائقة، تحدد ثقافة الكاتب ووعيه، وبالتالي فهو يحدد أيضاً قبول او رفض النص برمته من قبل الناقد والقارئ على حد سواء.
- سحب الحدث الى زاوية الضوء وجعله مبهراً؟
مهمة الكاتب أن يسلط الضوء على الحدث، وأن لا يفلت زمامه منه, فقد يسهب الكاتب بلغته السردية متناسياً الحدث الذي يجب أن يكون قلب النص، وبالتالي عليه أن يكون اكثر قدرة على تقريب الحدث وتسليط الضوء عليه كلما اضطره الى ذلك. لا يمكن أبداً أن يكون الحدث بعيداً عن دائرة اهتمام الكاتب؛ لأنه سينتج نصاً لا يرتقي الى مصاف الابداع والتميز.
- الأديب لا يختلف عن المؤرخ؟
كلاهما يؤديان دوراً مهماً في التوثيق، وفي نظرة سريعة لأهمّ الأحداث العالمية أو المحلية, سنجد أن الأديب استطاع أن يوثقها من خلال نصوصه، إن كانت قصة أو رواية أو قصيدة شعرية، وأخذت مكاناً مهماً في تداول تلك الأحداث تاريخياً، فالحروب مثلاً وثّقها المؤرخ كأحداث عصيبة مرت وتداولها التاريخ، في حين وثّقها الاديب برؤية ابداعية وموضوعية، جعلت منها متداولة بين الناس بصيغة ادبية أكثر شهرة واتساعاً.
الختام: أشعر أن كل الأسئلة لا تكفي لاستيعاب تجربة بهذا النضوج... دعائي.