ملامح تبحث عن ملامح

06-09-2020
ايمان صاحب
في مسير قافلة السبايا، نظرات طفلة توزعت هنا وهناك، تبحث عن ملامح ليس لها نظير، بعدما يئِست من السؤال، فكل يوم هي ذات الإجابة: إنه في سفره مازال، وهي في أسرها تقهر الحبال، لتمسك عباءتها بقوة خوفاً من سقوطها أمام الرجال، تلك عباءتها التي التهمت أطرافها نيران الخيام، وغيّرت لونها ذرات التراب بسيرها المتواصل نحو الشام، وهي التي ضمّت بين جنبيها آثار سوط مؤلم، ووخز أشواك قد أدمت باطن القدم.
عزيزة أبيها، حينما تاهت في البيداء، وسط ظلام دامس، لا يميز أرضاً أو سماء، هناك غرقت عيناها بالدموع، وهي تعدو خلف القافلة علها تلحق بها، لكنها لم تستطع، تلفتت يميناً وشمالاً، لتسمع صوت زينب B، أو زين العابدين A يناديها: أختاه، أنا هنا لا تخافي، ولكن دون جدوى، ففي كل مرة يجيبها صدى صوتها المخنوق بالعبرة، ثم تستسلم للبكاء، فهي لا تدري إلى أين تتجه بهذا المساء، أتمضي من هنا أم من هناك؟ ترى ماذا يكون خلف التلال؟ سؤال يتبعه سؤال، وفي هذه الأثناء، اندس الرمح الطويل بالتراب، ولم يتحرك رغم جسارة السوط وقساوة أعدائه، إلا أنه لم يخضع لزجرهم وإن تكاثروا حوله، بل كان طوع الرأس المضرج بالدماء، ينتظر منه نظرة أو همسة شفاه، ليتحرك حيث يشاء لا كما يشاؤون، وإن كان بذلك اتساع لجراحه أمام أخته الحوراء، ولتنزف مرة أخرى كمقلتها الحمراء.
يا لها من لحظات ألم امتزج فيها الدمع بالدم، ويا لقسوة القيد الثقيل، إذ أقعد العليل عن القيام، وما زاد في وجعه سؤالهم عن ثبات الرمح، فأخبرهم بفقد رقية B، والدليل عليها اتجاه ناظر الرأس، أينما وقع فهي هناك، ولما ذهبوا باتجاهه عثروا عليها، ولكنها لم تعثر على تلك الملامح التي تبحث عنها؛ لأنها قد اختفت في صندوقهم .