أسوة الجهاد والثورة
06-09-2020
نعمت ابو زيد
ثورة الإمام الحسين ع أنموذج من الثورات الفريدة في تاريخ البشرية، في أهدافها، ومبادئها، ونتائجها، وقادتها، وشهدائها...، ولهذا فقد أرسى دم الإمام الحسين ع وأهله وأصحابه في يوم عاشوراء مبادئ مواجهة الظلم والظالمين لكلّ الأمم والأجيال مهما غلت التضحيات، وقلّ العدد والعُدّة والعَتاد، وهذا ما جعل كلّ يوم عاشوراء وكلّ أرض كربلاء.
وإنّ الإصلاح الذي أعلنه الإمام الحسين ع واعتبره شعاراً وهدفاً لها وافتداه بدمه الزكيّ، يعني حفظ الدين، واستمرار نهج النبيّ ص والأئمة الأطهار ع، وقد أشار إليه ع في سياق وصيّته لأخيه محمد بن الحنفيّة، بقوله: «... وإنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في اُمّة جدّي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدّي وأبي عليّ بن أبي طالب، فمن قبلني بقبول الحقّ فالله أولى بالحقّ، ومن ردّ عليّ هذا، أصبر حتّى يقضي الله بيني وبين القوم وهو خير الحاكمين»(1)، فإنّ الإصلاح المقصود هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كلّ جوانب الدين والحياة، وقد تحقّق ذلك من خلال النهضة العظيمة التي قام بها ع، فكانت الهداية لهم دينيّاً ومعنويّاً وإنسانيّاً وأُخرويّاً بشهادته وبركات دمه الطاهر.
لذلك اعتبرت واقعة عاشوراء منذ قرون عدّة مضت رمزاً ليوم صراع الحق والباطل، ورمزاً ليوم الفداء والتضحية في سبيل الدين، ففي هذا اليوم واجه الإمام الحسين بن علي ع بفئة قليلة ولكن مؤمنة وصابرة وتتحلى بالعزّة والصلابة والعظمة جيش حكومة يزيد على كثرة عدده وكمال عدته، ولكنه كان مجرداً من الدين والرأفة، وجعل من كربلاء ساحة للبطولة والحرية، ومع أن يوم عاشوراء كان يوماً واحداً من الصراع إلاّ أنّ نطاق تأثيره امتد إلى الأبد، ودخل في أعماق الضمائر والقلوب حتّى صارت العشرة الأولى من محرم وخاصة اليوم العاشر منه فرصة تبرز فيها ذروة المحبة والولاء لعلم الحرية، وأسوة الجهاد والشهادة الحسين بن علي ع، حتى أن غير الشيعة يبجّلون سمو أرواح أولئك الرجال العظام.
كانت النهضة الحسينيّة السبب في انبعاث الروح الجهاديّة في الإنسان المسلم من جديد بعد فترة طويلة من الخمود أو الخنوع والتسليم، فقد حُطّمت كلّ الحواجز النفسيّة والاجتماعيّة الّتي حالت دون الثورة.
فواقع الإنسان المسلم كان يدعوه إلى الاستسلام والمساومة والدعة، فجاءت ثورة الإمام الحسين ع، وقدّمت للإنسان المسلم أخلاقاً جديدة لتقول له: لا تستسلم، لا تساوم على إنسانيّتك، ناضل قوى الشرّ ما وسعك، ضحِّ بكلّ شيء في سبيل مبدئك.
ونلاحظ انبعاث الروح الجهاديّة في الأمّة بعد الثورة في كلّ الثورات الّتي حملت شعار الثأر لدم الإمام الحسين ع والّتي جاءت صدى لثورته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) موسوعة عاشوراء/ المؤلف حجة الإسلام والمسلمين الشيخ جواد محدثي.