عاشوراء خَطّ نور رُسمَ ولن يُمحى

05-09-2020
فاطمة الركابي
واقعة عاشوراء محطة تاريخية مفصلية، شاء الله تعالى أن تحصل؛ لكي ترسم للأجيال خط النور الذي به تبصر طريقها، فالخطر الذي ألمّ بالمنهج الإلهي كان عظيماً إلى درجة أنه تطلّب وجود تضحية بهذا الحجم من قبل سبط رسول الله ع؛ وذلك لكي لا تبقى هناك حجة لأحد إن ضلّ أو تاه، أو صعُب عليه الاختيار.
وواحدة من ملامح هذا الخط هو الفرقان الذي تحدث عنه الامام الحسين ع بقوله: «ألَا وإنّ الدَعِيَّ ابنَ الدَعِيِّ قدْ رَكَزَ بينَ اثنَتَينِ: بينَ السِّلَّةِ والذِّلَّةِ، وهيهاتَ منّا الذِّلَّةُ، يأبَى اللهُ لَنَا ذلكَ ورَسُولُهُ والمؤمِنونَ،...، ألَا وَقَدْ أَعْذَرْتُ وأَنْذَرْتُ»(١)، فوصفه بعبارة (الدَعِيَّ) إشارة إلى أن المتولي لأمر المسلمين ليس بذي شرعية وحق، بل لم يكن أهلاً لقيادة الأمة، إنما القيادة تكون للدعاة الإلهيين، كما بَيّن ع في موضع آخر بقوله: «إنّا أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، ومحلّ الرّحمة، بنا فتح الله، وبنا ختم، ويزيد رجل فاسق، شارب خمر، قاتل النفس المحرّمة، معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله»(٢).
فكلمة (هيهات) قد أوقد بها شعلة النور لمن شهد كلامه، ووعى بقلبه عظم مقامه، وخطورة عدم الأخذ بإنذاره؛ لتكون مبدأً ثابتاً في كل قلب سليم، لرفض كل دعيّ، والبراءة من كل متسلط ظالم بغيّ.
وهي ثورة لهدم كل المبادئ الخاطئة، ولبناء المبادئ الحقة بعد أن طمسها الدعي وأبعدهم عنها، وأشغلهم بجمع المال والثروة؛ فمنهج الطواغيت هو هذا! أن يشغل عامة الناس بالأدنى، فيضيعوا بذلك الأعلى، فما أن يخلدوا للأرض، تراهم يثاقلون عن النظر والتفكير في مصيرهم الأبعد!
وهي نهضة ضد الثقافات التي يُربِي بها الطواغيت مجتمعاتهم، لتظل خاضعة، ضعيفة، ترضى بالقليل، مصدّقة لكل ما يُقال لها من دون حجة ودليل.
وعبارة «ومثلي لا يبايع مثله» فيها تنبيه واستغراب، فإن كان المفترض على الأمة المسلمة أن لا تبايع هكذا قيادة، كيف بالقائد الإلهي أن يبايعها؟ أم أي عقل سليم ومنصف يتقبل فكرة أن يبايع القائد الإلهي غيره؟!
فالإمام ع لما خرج لم يكن باحثاً عن منصب أو رئاسة دنيوية، بل كان يؤدي تكليفه الإلهي في إيقاظ المجتمع الاسلامي الذي كان انقياده لشريعة ومنهج الإسلام ظاهرياً، خرج الإمام ع ليطلب ما كان مكنوناً في النفوس، مفقوداً في السلوك، خرج ليحيي بذرة الصلاح في المجتمع، ولو كان المقابل أن تُسقى الطفوف بدمائه الزكية.
وقولهA: «ومحلّ الرّحمة، بنا فتح الله، وبنا ختم»، فوجودهم إنما هو تجلٍّ للرحمة الإلهية، فالإمام ع هنا أسس لفكرة دوام هذا الخط؛ لأنه مرتبط بالرحيم الباقي، والذي يمثله خاتم الأئمة وداعي الله إمامنا المنتظر عج في زماننا هذا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١) بحار الأنوار: ج٤٥، ص٨٣.
(٢) اللهوف في قتلى الطفوف: ص17.