القاسم.. شبيهُ الحَسَنِ

22-08-2020
ايمان صاحب
بينَ تلك الصحراء الواسعة خيمة انفردت بشجاها، حينما حلَّ الظلام، غير آبهة، بما سيطالها نهار الغد، من سلبٍ واحتراق، بل راحت تهتز ألماً، لدمع رملة والعناق، إنّها الليلة الأخيرة التي ستضمُّ بينَ أطرافها شبل المجتبى ع، سليل الدوحة الهاشميّة، فإن كان عليّ الأكبر قد شُبّه بجدَّه النبي ص فها هو القاسم شبيه الحسن ع وكان لعمّه ع العلامة التي تذكّره بأخيه المغدور، واليتيم الذي يكنُّ له أرقى شعور.
وقد نشأ في كنفه منذُ نعومة أظفاره، عيناه على ابن أخيه إلى جواره، وحين عزم على الرحيل إلى كربلاء، رافقه في سفره مرافقة الأب الحنون للأبناء، ولم يذهب هذا الاهتمام سدى، بل راح يزيد من إصرار الفتى على نصرة الدين، والجهاد بين يدي عمّه الإمام الحسين ع، حتّى بزغت شمس العاشر تنذر بالرحيل، وحان وقت الذهاب إلى الجنّة وعصفت رياح الوداع والأسى بتلك الخيمة، وبقلب اُمَّه الحنون لمّا برز إلى القتال بأرجوزته التي أرعبت قلوب الأبطال: «إنّ تنكروني فأنا ابن الحسن...»(1)
قالها وهو غير مكترث بتلك الألوف، بل ماثل جمعهم بشسع نعله المقطوع، وحين سقط على وجهه، وقد مزَّقت بدنه الزاكي الرماح، وأمّه أمام خيمتها واقفة تشاهد نزف الجراح بدلاً من مشاهدة يوم زفافه، على الرَّمضاء وقد فارق الحياة، أرخت بدموعها، وهي لا تدري ماذا تقول:
أهو القاسم ع على الثَّرى؟! أم الإمام الحسن ع المقتول؟!
_____
(1) كلمات الامام الحسين ع: ج١/ ص٤٦٠.