راية تحكي رواية
22-08-2020
رحاب سالم البهادلي
بيني وبين العباس بن علي ع قصة طويلة، فأنا لست مجرد رفيقة رافقته في يوم الطفوف، بل صار اسمي وصفاً مميزاً، فمن مثلي وقد ارتبطَ اسمي مع مولاي العباس ذلك البطل الشهم الشجاع.
صار الكل يغبطني على هذه الصحبة، فما لا تعرفونه عن سيدي العباس أنه باسم الثغر حتى في الشدائد، اسألوني عنه، لقد رافقته من المدينة إلى كربلاء على مدى أيام، فصرت إذا ذُكر العباس أُذكَر.
نعم، كنت معه يوم استشهاده ع دافعَ عني بكل قوته، لم يتركني قط، ضحى بكلتا يديده دوني، ففي يوم العاشر من شهر محرم، وبعد أن استشهد الأكبر والقاسم، واخوة العباس وأولاد عمه، والأصحاب، ضاق صدر العباس وهو يرى النساء والأطفال تنادي العطش، فحملني وذهبنا إلى الإمام الحسين ع قائلاً له: أخي يا حسين قد ضاق صدري من حياة الدنيا، فهل لي من رخصة، لآخذ الثأر من هؤلاء المنافقين؟ فأجازه الحسين ع للمبارزة، فبرز كالجبل العظيم، وقلبه كالطود الجسيم؛ لأنه كان فارساً هُماماً وبطلاً ضرغاماً، وكان جسوراً عَلى الطعن والضرب في ميدان الكفاح والحرب فلما توسط الميدان، قال: يا عمر بن سعد، هذا الحسين ابن بنت رسول الله يقول: إنكم قتلتم أصحابه وإخوته، وبقي فريداً مع أولاده، وهم عطاشى قد أحرق الظمأ قلوبهم، فأسقوه شربة من الماء، وهو يقول لكم: دعوني أخرج إلى أطراف الروم والهند، وأخلي لكم الحجاز والعراق، والشرط لكم أن غداً في القيامة لا أخاصمكم عند الله حتى يفعل اللهُ بكم ما يريد..!
فلما أكمل العباس كلام أخيه، منهم من سكت ومنهم من جلس يبكي.
وقال الشمر لمولاي العباس: يا بن أبي تراب قُل لأخيك: لو كان كل وجه الأرض ماءً وهو تحت أيدينا ما سقيناكم منه قطرة، إلا أن تدخلوا في بيعة يزيد.
فمضى العباس إلى الحسين وعرض عليه ما قالوا، فطأطأ الحسين ع رأسه إلى الأرض وكان الأطفال ينادون: العطش..!
فلما سمع مولاي العباس نداءهم، اعتدّ بعدته، وأخذ الرمح بيمينه وركب الفرس والقربة في كتفه، وأنا بيساره أرفرف عالياً، وغار على القوم الظالمين مثل الأسد.
وقد جعل عمر بن سعد أربعة آلاف خارجي موكلين على الماء، لا يدعون أحداً من أصحاب الحسين يشرب منه، فلما تقدم العباس وقف خمسمائة رجل ورموه بالنبال والسهام فحمل عليهم فتفرقوا عنه هاربين كما تهرب الغنم من الذئب، وغاص في أوساطهم وقتل منهم مقتلة عظيمة.
فدنا من الماء ليشرب، فتذكر عطش الحسين وعياله وقال: والله لا أشرب وأخي عطشان، ثم ملأ القربة، وحملها على كتفه الأيمن، وهز فرسه وأراد أن يوصل الماء إلى الخيمة، فاجتمع عليه القوم، فحمل عليهم فتفرقوا عنه، فحاربهم محاربة عظيمة، وكمن له اللعناء، وقطعوا كلتا يديه، وجاء سهم فأصاب القربة وأريق ماؤها، ثم جاء سهم آخر في صدره فانقلب عن فرسه إلى الأرض، فنادى أخاه الحسين ع: أدركني يا أخي.
وقع مولاي العباس إلى الأرض، لكنه أبى لي أن أقع، فلم أكن مجرد راية في يديّ فارس شجاع كأبي الفضل العباس، إنما كنت أشجعهُ وأذكرهُ بأختهِ زينب ع، فأنا راية الحق التي رُفعت من أجل أولاد الأنبياء بيدِ عبد صالح عرف حق آل بيت رسول لله حق المعرفة، وضحّى بنفسهِ دونهم، أنا راية السقاء في أرض الطفوف، ذاك هو مولاي أبو الفضل العباس ع.