ظاهرة التدخين عند النساء..
19-08-2020
نهاد الدباغ
التدخين بشكل عام عادة سيئة تضر بصحة الإنسان، فهو يحتوي على الكثير من المكونات الضارة: كالقطران والتبغ والنيكوتين، فباحتراق هذه المكونات تتأثر الأعضاء الحيوية لجسم الإنسان بشكل سلبي، يعود تاريخ التدخين الى سنة 5000 قبل الميلاد حيث كان موجوداً في مختلف الثقافات في العالم، وقد ارتبطت الاحتفالات والمباهج الدينية قديماً بالتدخين، حيث كان يرافق تقديم القرابين للآلة القديمة، كذلك كان ملازماً لطقوس التطهير.
ووفقاً لبيان منظمة الصحة العالمية، فإن التدخين يحصد أرواح أكثر من 8 ملايين شخص على مستوى العالم.
من المعلوم أن التدخين لا يؤثر على المدخن فحسب بل لكل المحيطين من حوله، وخاصة الأطفال، وسبب ذلك يرجع الى مادة القطران، وهذه المادة إحدى مواد السجائر وأخطرها، وهي المسبب الرئيسي في ارتفاع معدل سرطان الرئة؛ لأنها تعمل على تدمير أهداب الجهاز التنفسي، وأيضاً لاحتواء السجائر وكل الوسائل التي تستخدم في التدخين على مادة النيكوتين، وهو مركب عضوي سام، وشبه قلوي، وهذه المادة هي المسببة للإدمان للمدخن فهي مادة منبهة في الأساس للمخ والجهاز الهضمي.
وقبل أن نعرج على اسباب التدخين عند النساء ومضاره، وفكرة التدخين لدى النساء ومصدرها، ولماذا أصبحت ظاهرة طبيعية، علينا قبل ذلك أن نعرف التبغ ونتطرق لدخان التبغ، ولنعرف عنه معلومات مهمة يجب الاستفادة منها من قبل جميع المدخنين وغير المدخنين.
فالتبغ هو نوع من انواع النباتات في أمريكا، يحتوي على مادة سامة، ولفظة (التبغ) مأخوذة من كلمة (تاباغو) التي تطلق على جزيرة في خليج المكسيك، حيث وجد التبغ لأول مرة فيها، ونقل منها الى مختلف أنحاء العالم.
أما دخان التبغ، فيحتوي على أكثر من 7000 مادة كيميائية بما في ذلك مئات المواد السامة، ومن هذه المواد التي تكون خطورتها كبيرة جداً على صحة الإنسان، أربع مواد وهن: القطران وهو عبارة عن مادة تصبح لزجة في الرئتين، وتحتوي على الكثير من المواد المسببة للسرطان، ويأتي بعده النيكوتين وهو مادة كيميائية تسبب الإدمان، وتدخل في مجرى الدم، وتنتقل الى أجزاء كثيرة من الجسم، فالنيكوتين له خاصية تنشيط المستقبلات في مركز المتعة في الدماغ، ويأتي بعدها أول أوكسيد الكاربون، وهو غاز عديم اللون يقلل من كمية الأوكسجين التي يمكن لخلايا الدم الحمراء أن تحملها وتنقلها الى أجزاء الجسم.
أما أسباب التدخين عند بعض النساء، فقد أشارت دراسة حديثه أن نسبة النساء اللواتي يدخنّ السجائر تزداد، والسبب في ذلك كثرة الضغوط التي تتعرض لها النساء؛ لوجود علاقة قوية بين التوتر ودخان السجائر الذي تتخلص معه من كل الضغوط النفسية، وهو ما يجعل النساء تدخن بشراهة أكثر من الرجال، الذين يكون تدخينهم من أجل المتعة بشكل عام.
ففي دراسة استقصائية حديثة، كشفت أن النساء يبحثن في أنفاس السجائر عن الراحة النفسية والصفاء الذهني الذي يفتقدنه، حيث جاء ذلك ضمن تقرير سابق نشره موقع (ديل ميل) في أن 65 بالمئة من النساء يجدن متعة في التدخين، وأنه أفضل طريق لهن للتخلص من الضغوط العصبية والتوتر الذي يصبن به على مدار اليوم.
وعلى الرغم من ارتباط النساء بالتدخين وزيادة نسبة المدخنات إلا أن هذا لا يمنع من وجود محاولات من قبلهن للإقلاع عن التدخين، حيث أشارت الدراسة نفسها الى أن حوالي 48 بالمئة من المدخنات، حاولن الإقلاع عن التدخين، والتخلص من هذه العادة المضرة جسدياً ومادياً، وعزت الدراسة هذا الأمر الى أن هناك مجتمعات ترفض تدخين المرأة، لذا يحاولن التخلص منه برغم من أنها تحقق الراحة والسلام الداخلي لها.
أما كون التدخين عند النساء أصبح ظاهرة طبيعية، فذلك يعود في أن تدخين النساء له بعد نفسي، فالأغلبية منهن تعده رمزاً للتحرر والإحساس بالحرية والتخلص من القيود، خاصة النساء في أمريكا، اللائي اتخذن من التدخين طريقاً للتحرر، فارتبطت السجائر منذ ذلك الحين بالمرأة المتحررة، وأصبحت رمزاً للتحرر والخروج عن المألوف.
وفي مجتمعاتنا العربية ظهر التقليد الأعمى للغرب، وهو ما تعتبره أكثر النساء تطوراً وتقدماً، ومنه التدخين، حتى أمسى ظاهرة طبيعية لدى أكثر المجتمعات العربية، فالذي كنا نراه مستهجناً في مساحة العرف والتقاليد، بات اليوم طبيعياً ومألوفاً.
وبسبب ترويج شركات التبغ الأمريكية للسجائر بين النساء، أصبحت نصف نساء بريطانيا وأسبانيا مدخنات، وهناك سبب آخر لتفشي ظاهرة التدخين عند النساء في أنها ترى انها مظهر من مظاهر التحضر والتقدم، ووسيلة ناجحة لتخفيف الوزن، والحفاظ على الرشاقة، وتحسين المزاج، والتخفيف من حدة التوتر، والتقليل من الاكتئاب.
ولكن لو عدنا للواقع نرى أن التدخين يسبب ضرراً كبيراً على المرأة، فهو يزيد من معدل الإصابة بسرطان الرحم، خاصة المرأة الحامل، فالنساء المدخنات منهن يكنّ في فترة الحمل أكثر عرضة لإنجاب أطفال لديهم مشاكل بالوزن عند الولادة، ويكونون أكثر عرضة للموت خلال الشهر الأول من حياتهم، أو يصابون بخلل بالدماغ، وكذلك إصابتهم بأمراض في الجهاز التنفسي.
وقد وجدت الأبحاث التي أجريت على التدخين من أنه بدلاً من انه يساعد على الاسترخاء، فهو يسبب القلق والتوتر، وعلى الرغم من أن النيكوتين يصنع شعوراً مؤقتاً بالاسترخاء، إلا أن هذا الشعور يكون مؤقتاً، وسرعان ما يزول، ويتحول الى شراهة غير طبيعية للتدخين.
ومن الناحية الشرعية، يعد كل ما أضر بمال وصحة الإنسان فهو حرام، ولا يجوز شرعاً، والغريب أن المدخن يشتري ضرراً لنفسه من حرّ ماله، وهذا أمر لا يجوز شرعاً، قال الله (جل وعلا) في كتابه الكريم: «وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ» (الأنعام: 141).
وقال: «وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ» (البقرة: 195).
وقال: «وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً» (النساء: 29).
لأجل ذلك يفتي الفقهاء بحرمة التدخين إن أدى إلى ضرر، وبلا شك، فإن الأطباء يجمعون على ضرر التدخين، وإن كان لا يبدو آنياً، بل تدريجياً، والسم البطيء كالسم السريع كلاهما يُحرم تناوله على الإنسان، والانتحار محرم بنوعيه السريع والبطيء، وهنا المدخن ينتحر انتحاراً بطيئاً.
ومن الفقهاء من أطلق عليه الحرمة؛ لأنه يؤدي بالنفس للتهلكة، والى أضرار كبيرة وبالغة، وأساس الفتوى حرمة الإضرار بالنفس، قال (عز وجل): «يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما» (البقرة: 219)، أي كل ما كان ضرره أكثر من نفعه، فهو حرام، وضرر التدخين أكثر من نفعه، لو كان به نفع..!.