استطلاع حول ضيف صدى الروضتين الأسلوب النمطي في الكتابة
19-08-2020
اللجنة الثقافية
بعض الأدباء يمتلك نفساً كتابياً يميزه عن سواه:
(تكرار جملة، عبارة، مفردة) فهل هذا الأسلوب النمطي يعد ظاهرة ضعف أم قوة وعي برأيكم؟
الشاعر علي الامارة:
التميز وحده لا يعد قوة، فكل شخص يستطيع أن يجعل له ميزة، ولكن ما نوع هذه الميزة الكتابية؟ فإذا كانت ميزة اسلوبية فنية حسبت لصالحه، واذا كانت ميزة غير فنية فهي تميزه أيضاً، ولكن لا تشير الى قوة أسلوبه، بل أحياناً تشير الى ضعفه.
اذن، يجب أن يحقق الكاتب أسلوباً فنياً ذا دلالات مؤثرة عند المتلقي؛ لكي يكون مميزاً بالقوة، فبعض الكتاب في العصر الحديث تميزوا بلغتهم التعبيرية المؤثرة مثل: محمود مصطفى العقاد، وطه حسين، وغيرهم، ولكنهم أيضاً جمعوا بين الأسلوب اللغوي المميز وجرأة الطرح والموضوعية والدقة في المعلومة والإتيان بالأفكار الجديدة المقنعة والصادمة أحياناً.
أما تكرار الجمل أو الكلمات، فهذا يشير الى فقر اللغة التي يكتب بها الكاتب، وقلة مرادفاته، وضيق قاموسه اللغوي؛ لأن لغتنا العربية تميزت بوسع أفقها المفرداتي والمرادفاتي، وهنا يوضع الكاتب على محك هذه اللغة .
اذن، السؤال المهم: ما هو نوع هذا التميز الذي يتصف به الكاتب؟ فهناك تميز فني ودلالي، وهو بالتأكيد تميز قوة، وهناك تميز بأسلوب ركيك أو لغة فقيرة، ودلالات تقليدية، وهذا تميز ضعف، وهناك تميز من أجل التميز على طريقة (خالف تعرف) وهذا تميز ادعاء، ولكن كل هذه التميزات توضع في ميزان التلقي النابه، الذي يميز الغث من السمين، أو الذي ينفع الناس من الذي يذهب جفاء.
سعدي عبد الكريم/ ناقد وسينارست:
على مدى حقب التاريخ التَّدوِيني الحديث، نجدُ أن بعض الكُتّاب قد تميَّزوا بقدرة فائقة على أن يتخذوا لهم أسلوباً خاصاً في نمط الكتابة، لذا بات من الممكن معرفة المُدوِّن (الكاتب) من أسلوبه، دون الحاجة للرجوع إلى اسمه، وهذه الخاصية لا تتوافر بشمولية على كلِّ الكُتّاب، لكنها تُميَّز بعضاً منهم، وبالتحديد أصحاب المقالات القصيرة، أو الأعمدة الصحفية التي تحمل طابع مزج الكوميديا مع الموقف اليومي، أو نقد الوضع السياسي والاقتصادي.
ويتسلَّل هذا النَّمط في الكتابة بتكرّار بعض الكلمات، أو العبارات، أو الجُمل لبعض الأدباء دون أن يؤثر ذلك بالسلب على فنون إبداعهم في جلّ المخاصب الأدبية، ومن الملاحظ أن هذا النَّمط من الكُتّاب يميل لتكرار بعض اللوازم والعبارات التي طُبِعوا على كتابتها، وتمت عملية تداولها من قبل القراء على المستوى الشارع، لتبقى هذه اللوازم المُكرَّرة راسخة في الذاكرة الجمعية، وهذا التكرار لا يضير البتة من الناحية التَّدوينية الإبداعية، ولا يقلل من إمكانية الإخصاب اللغوي لدى الكاتب، لكن الذي لا يحسب بالضدِّ على قلم المُدوِّن (الكاتب)، هي عملية تكرار الكلمات، والعبارات، والجُمل ذاتها في جميع الفُسحات الأدبية التي يكتب فيها، فعندما يكتب شعراً مثلاً، تجدُ ذات الكلمات تتقافز أمامك بذات الصيغة، وبذات القصديّة، وبذات النَّمط الجامد، وبذات الطريقة المُكرّرة المملة، وحينما يكتب قصة أو رواية، أو حتى عموداً صحفياً، أو أي حيّز إبداعي آخر، تتوالد في رحمه التَّدويني ذات المفردات والجُمل، وذات العبارات، ليجد نفسه محاصراً بالرتابة، والتكرار، والنَّمطية البعيدة عن الأسلوب الذي يمتاز به بعض الكُتّاب الكبار.
وأجدُ هنا أن من الضروري التفرقة بين النَّمطين من الكتابة التي ذكرناها، فالجنس الأول من الكُتّاب يمتاز بثراء معرفي فخم، وخزين قرائي كبير، وتَمكَّن لغوي رصين، وتجربة تدوينية طويلة، وإبداع بنائي مميز، وأسلوب فني شيق يأخذ على عاتقة الارتقاء بالذائقة الجمالية للمتلقي، أما إذا وضعنا الجنس الثاني من الكُتّاب تحت طائلة النقد نجده وفق النظرة الأكاديمية يعلن بشكل واضح عن إفلاسه اللغوي، وشَحَّة في اخصاب مفرداته وتولداتها المنجديّة، ونضب في موارد إبداعه، وفقر واضح في أسلوبه الأدبي. وهنا علينا أن نقف موقفاً استقرائياً، وتحليلياً، ونقدياً إزاء الوجهين المتنافرين في عملية التَّدوين الإبداعية، فالوجه الأول له فضائله الجمالية الزاخرة، والوجه الثاني له تداعياته الخطرة، لذا علينا التمييز بين الوجهين على أساس من الخبرة والدراية، والفحص الدقيق، والوقفة المتأنية مع النصّ الإبداعي.
الشاعر الدكتور أحمد الخيال:
الكُتّاب يتمايزون فيما بينهم من جهة الأسلوب، فلكلّ كاتب أسلوبه الخاص الذي عُرف به، حتى قالوا: إن الأسلوب هو الرجل، بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك حينما رأوا أن لكلّ عصرٍ أسلوبه الخاص يفترق عن أساليب العصور الأخرى، وما يتميز به بعض الكتّاب من تكرار جملة معينة بصورة واضحة أو تكرار عبارة أو لفظة، أعتقد أن هذا يرجع لعلاقة خاصة بالكاتب مع ما يكرره، بحيث طغت بعض الجمل أو الألفاظ على أسلوبه وأصبحت علامة فارقة تميّزه عن غيره.
وممكن أن تكون هذه العلاقة نفسية ترجع جذورها إلى أيّام القراءة الأولى أو اجتماعية أو أي أثر آخر يمثّل مرجعيّة ذهنية للكاتب، والأمر نسبي في الحكم على هذا التكرار من حيث القوة أو الضعف، ويعود ذلك إلى قدرة الكاتب على توظيف ما يكرره بشكل صحيح، واتذكر أن في شعر د. رحمن غركان تتكرر دائماً وتقريباً في كل قصيدة لفظة (الرؤيا)، وهو كان دائماً يوظفّها توظيفاً فنيّاً جميلاً.
ابراهيم سبتي/ قاص وروائي:
الكتابة هي تجربة متجددة، تحتاج التطور الدائم لديمومتها لغوياً وأسلوبياً، وكلما نجحت في بلوغ مرحلة ابداعية متقدمة، ستكون متميزة حتماً. أما إذا وقع الأسلوب في التكرار والعبارات الجاهزة والجمل التقليدية، فهذا يعد ضعفاً واضحاً.
إن عدم القبول بمزايا التطور الناتج عن القراءة المستمرة والمطالعة لصقل الموهبة، فهو انذار خطير بالموت السريري للأسلوب الذي سيظل جافاً لا حياة فيه. والملاحظ أن غزارة الكتابة وفق الأساليب البالية المعتمدة على العبارات والجمل النمطية، تعد كتابة انشائية وتقريرية لا ترفع مستوى الكاتب مهما حاول اطالة كتاباته التي يعتبرها قيمة فنية بليغة، فالتجدد في اللغة والاسلوب هو من يدفع نحو الثراء اللغوي والاقناع دائماً.
الدكتور حيدر جواد العميدي:
عند دخولي مجال الدراسات العليا (الماجستير) عام ٢٠٠٨م كان هناك ثمة شحة بالكتب (المصادر والمراجع) سوى مكان واحد تتواجد فيه وهو مكتبة المصادر مجاور المكتبة المركزية في بغداد، وأغلبها مستنسخة والمترجمة من قبل المغاربة، وفيها النفس المغاربي، وكان لهذه الكتب تأثير على أسلوبي في الكتابة، لاسيما ومشروعي في الماجستير (المضامين الفكرية لدلالات الزي في العرض المسرحي التاريخي)، ومشروعي في الدكتوراه (تأويل الزي في العرض المسرحي ٢٠٠٣م)، أيضاً بالاعتماد على هذه المكتبة وكتبها الحديثة بهذه العنوانات أو الموضوعات.
وعليه أثرت هذه الكتب وقراءتها على أسلوبي الكتابي حتى بالتأثير على طلبتي في الماجستير والدكتوراه، لاسيما في اشرافي على أطروحة الدكتوراه المناقشة حديثاً لطالبتي الموسومة (التورية واشتغالاتها في تقنيات العرض المسرحي)، وتكرار كلام المناقشين بأنها مكتوبة بلغة المشرف، أصبحت لغتي معروفة عند القارئ أي ذات أسلوب واحد أقرأه بأنه بسيط بالنسبة لي لتكرار استخدام مفرداته باستمرار، لكنه صعب بالنسبة للآخر، وهذا ما سبب لي مشاكل في فهم الآخر لي، وسبب لي احراجاً عند إلقائي محاضرة عن التاريخانية في اتحاد أدباء بابل، استغرب الحضور من اللغة التي أنا أعشقها وأستمتع بمفرداتها، وهي ذات معنى بسيط وجمالية أكثر ونفس المعنى المتداول عند التمعن به منها: المعنائية من المعنى، وأولانية من الأولى، وثانيانية من الثانية، والسيرورة المعنائية من استمرار المعنى، ومليء البياضات والمسكوت عنه، والمعنى المتعال، أي المعنى الدارج والمسوغات بدل المبررات، والتي شاع استخدامها عند طلبتي حالياً وفي مشاريعهم.
بالنسبة لي هذه اللغة تشكل مصدر قوة لي؛ لأن أغلب زملائي عندهم انطباع بأن لي أسوباً كتابياً قوياً، وذات تأثير في المتلقي بمفردات، ربما تثير تساؤل حتى وصل ببعض ذي الاختصاص استيعابها واستخدامها بعد التمعن فيها والسؤال عن معناها.
بنفس الوقت، أنا بالضد من الكتابة بأسلوب اللغة المتحجرة غير المفهومة التي أعدها تهرباً من قول الحقيقة؛ لأن الغاية الأسمى من الكتابة بأسلوبها الدارج، وأصعب أحياناً هو إيصالها رسالة واضحة إلى المتلقي القارئ.