كهف سورة الكهف

19-08-2020
عبير المنظور
أربع سور تخللت سورة الكهف بترابط محكم، رغم تعدد القصص فيها وحدوثها في فترات زمنية متباعدة لأخذ العظة والعبرة على مر العصور، إلا انها تميزت بوحدة الموضوع.
ذُكرتْ هذه القصص مرة واحدة في القرآن في سورة الكهف؛ لأنها تتناسب مع مقاصد السورة وجوها العام الذي بينته الآية السابعة: «إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا» اي الابتلاء والامتحان بزينة هذه الأرض وفتنة الانسان بهذه الزينة المختلفة في اربع قصص هي:
1- قصة أصحاب الكهف:
تتمحور هذه السورة حول فتنة الدين وكيف يُمتحن المرء بدينه من خلال قصة اصحاب الكهف المشهورة والتي سُميت السورة على اسم الكهف الذي آوى اليه الفتية الذين امنوا بربهم وزادهم الله هدى فراراً بدينهم.
٢- قصة صاحب الجنتين:
تتناول هذه القصة فتنة المال من خلال حوار بين رجل مؤمن فقير وآخر غني يملك جنتين، واغتر بأمواله وتكبّر وكفر بأنعم ربه حتى أهلك الله نعمته، وجعلها خاوية على عروشها.
٣- قصة موسى A مع العبد الصالح:
وتتحدث قصة موسى مع الخضر C عن فتنة العلم، فرحلة موسى مع العبد الصالح ذكرها القرآن بالتفصيل مع علة واسباب كل قصة في نهاية الرحلة، ولكن ما يهمنا في هذه القصة ان فتنة العلم من اخطر الفتن، فجاءت قصة النبي موسى وهو نبي ورسول وكليم الله يتعلم من الخضر A بما لديه من علم لدني باطن لا يستطيع موسى من خلال علمه الظاهر ان يفهمه.
وفي الروايات أن (موسى سأل ربه: هل أحد أعلم مني من الآدميين، فأوحى الله اليه: نعم عبدي الخضر، فقال موسى A: كيف لي بلقائه؟ فأوحى الله اليه أن يحمل حوتا في متاعه، ويمضي على وجهه حتى يبلغ مجمع البحرين....)(١) حتى التقاه و(قال جئت لتعلمني مما علمت رشدا، قال إني وكلتُ بأمر لا تطيقه، ووكلتَ أنت بأمر لا أطيقه...!)(٢)، وفي روايات العامة: (يَا مُوسَى إِنِّي عَلَى عِلْم مِنْ عِلْم اللَّه عَلَّمَنِيهِ لَا تَعْلَمهُ أَنْتَ وَأَنْتَ عَلَى عِلْم مِنْ عِلْم اللَّه عَلَّمَهُ اللَّه لك لَا أَعْلَمهُ)، وهنا تتأكد مسألة عدم الاغترار بالعلم ففوق كل ذي علم عليم.


٤- قصة ذي القرنين:
ومحور هذه القصة عن فتنة الحكم والسلطان وكيف يعمل الحاكم العادل على حماية سلطانه من اشرار الخلق، وذكرت السورة بالتفصيل رحلة ذي القرنين من المشرق الى المغرب، وكيف استطاع بناء السد لحمايتهم من يأجوج ومأجوج.
وبالتأمل في الفتن والابتلاءات اعلاه يتوضح لنا ذكر الروايات العديدة في عصمة سورة الكهف لقارئها من الفتن منها ما ورد عن النبي J: (من قرأها فهو معصوم ثمانية أيام من كل فتنة فإن خرج الدجال في تلك الثمانية الأيام عصمه الله من فتنة الدجال...)(٣).
وايضا ما ورد عن رسول الله J قال: (ألا أدلكم على سورة شيعها سبعون ألف ملك، حين نزلت ملأت عظمتها ما بين السماء والأرض؟ قالوا: بلى. قال رسول الله J: سورة أصحاب الكهف مَن قرأها يوم الجمعة غفر الله لهُ إِلى الجمعة الأُخرى، وزيادة ثلاثة أيّام، وأعطي نوراً يبلغ السماء، ووُقِيَ فتنة الدجّال)(٤).
ولو دققنا النظر جيداً في تركيز المرويات على فضل سورة الكهف وانها تقي من فتنة الدجال، فإننا سنخرج بمحصلة واحدة ناتجة من التأمل في القصص الاربعة في فتراتها الزمنية المختلفة في اختبار المرء وفتنته في الدين والمال والعلم والحكم وتتأكد اكثر في زمن غيبة الامام المهدي وظهوره، وفي التأمل في سبل النجاة من كل فتنة في كل قصة من القصص الأربع فإنها حتماً ستعطي للمنتظِر حصانة من فتنة الدجال.
وفي التدقيق اكثر في هذه القصص الاربع لوجدنا ارتباطها الوثيق بالإمام المهدي f، ففي قصة اصحاب الكهف واختبار العبد بدينه نرى بوضوح كيف يعيش الملتزمون في اخر الزمان، فهم كما قال رسول اللّه‏ J: (يأتي على الناس زمان الصابر منهم على دينه كالقابض على الجمر)(٥).
ولهذا جاء عن الصادق A: «يخرج مع القائم عليه السلام من ظهر الكعبة سبعة وعشرون رجلا، خمسة عشر من قوم موسى A، الذين كانوا يهدون بالحق وبه يعدلون، وسبعة من أهل الكهف، ويوشع بن نون وأبو دجانة الانصاري، ومقداد ومالك الاشتر، فيكونون بين يديه أنصاراً وحكاماً»(٦).
أما قصة صاحب الجنتين وكفره بنعمة الله وعدم شكرها فقد جاء في الآية الحادية والاربعين
«أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا» والماء الغور كناية عن غيبة الامام (بأبي هو وأمي) وذُكر مرتين في القرآن في سورة الكهف/٤١، وفي سورة الملك/٣٠: «قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاء مَّعِينٍ» (الملك/30)، سُئل الرضا A عن قول الله (عز وجل): «قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاء مَّعِينٍ» فقال A: ماؤكم أبوابكم، أي الأئمة، والأئمة أبواب الله بينه وبين خلقه (فمن يأتيكم بماء معين) يعني: يأتيكم بعلم الامام.
وعن أبي عبد الله A في قول الله (عز وجل): «قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاء مَّعِينٍ» قال: إن غاب إمامكم(٧)، والمعنى انه كفران النعم والتغطرس والظلم والتكبر مدعاة لرفع رحمة الله بالبشر بأن يغيب عنهم حجته.
أما قصة موسى والخضر وفتنة العلم، فالخضر في القصة كان لديه العلم الباطني الذي لم يعرفه موسى الذي كان لديه العلم الظاهري، وهو معنى قوله لموسى: «اني وكلت بأمر لا تطيقه»، وهنا خصوصية الحكم ببواطن الامور دون سؤال الدليل والبينة من صفات الامام المهدي f عند الظهور فعن ابي محمد A: «القائم اذا قام، قضى بين الناس بعلمه كقضاء داود عليه السلام، لا يسأل البينة)(٨)، كما أن للخضر A دوراً مهماً مع الامام المهدي A في غيبته وحتى عند ظهوره
ففي حديث طويل «سيؤنس الله به وحشة قائمنا في غيبته ويصل به وحدته»(٩).
أما قصة يأجوج ومأجوج والسد الذي بناه ذو القرنين، فالروايات أكدت أن هذا السد سيدك في زمن المهدي، وسيقضي على يأجوج ومأجوج ضمن احداث اخر الزمان: «قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَاء وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاء وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا» (الكهف/98)، (أن السد المعنوي والمادي يندك بظهور المهدي A)(١٠).
وبلحاظ ما تقدم، فإن الفتن الذي ذكرتها قصص سورة الكهف الاربع فتنة الدين والمال والعلم والحكم والسلطان وبالتمعن في تلك قصص ومعرفة سبل التعامل مع تلك الامتحانات والابتلاءات هو السبيل للتحصن من فتنة الدجال الذي يلبس الحق بالباطل، ويخدع كثيراً من خلق الله بالمظاهر البراقة، ولهذا يستحب قراءتها في ليلة الجمعة ويومها ليقي فتنة الدجال آخر الزمان.
ومن اللطائف ان يوم الجمعة مخصص للإمام المهدي ومتوقع فيه ظهوره، وعلى ذلك فإن تسمية السورة بالكهف هو كناية المكان الآمن الذي يلجأ اليه من يفر بدينه، ويقاوم الظلم حتى يأتي الله بأمره، وهذا الكهف في زمن الغيبة هو الامام المهدي A فهو كهف سورة الكهف.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تفسير التبيان: ج٧/ ص٦٨.
(2) تفسير الصافي: ج٣/ ص٢٦٤.
(3) مجمع البيان: ج٦/ ص٢٧٣.
(4) تفسير الأمثل: ج٩/ ص١٨٧، ح١.
(5) أمالي الطوسي: ص٤٨٤-٤٨٥/ ح١٠٦٠.
(6) تفسير نور الثقلين: ج٣/ ص٢٧٤/ ح٤٠.
(7) بحار الأنوار: ج٢٤، ص١٠٠.
(8) تفسير نور الثقلين: ج٣/ ص٤٧٠.
(9) معجم أحاديث الإمام المهدي: ج٤/ ص١٦٣.
(10) المصدر السابق: ج٥/ ص٢٣٧.