غـديــر الـولايــة

19-08-2020
صفية الجيزاني
من تلك الرمضاء الحارقة، حيث الرمال اللاهبة وشعاع الشمس الساطع، ومن ذلك الغدير المتلألئ، ومن وسط الجموع الغفيرة المترقبة لأمر السماء، صدح صوت الحق، واعتلى في الأفق: «ألا فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه»، بعد أن أتاه النداء من الإله العلي الأعلى: «يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ...»(1)، علت الأصوات بقبول الأمر الالهي وطاعة رسول الرحمة، فازدانت السماوات، وهللت الملائكة، وكبّرت معلنة عن الولاء، فقد تُوّج عليُّ بن أبي طالب أميراً للأمراء.
عن الإمام الرضا A: «إن يوم الغدير في السماء أشهر منه في الارض، إن لله تعالى في الفردوس الأعلى قصراً لبنة من فضة ولبنة من ذهب، في مائة الفة قبة من ياقوت احمر، وفيه مائة ألف خيمة من ياقوت اخضر، ترابه المسك والعنبر، وفيه اربعة أنهار: نهر من خمر، ونهر من ماء، ونهر من لبن، ونهر من عسل، حواليه اشجار من جميع الفواكه عليها طيور أبدانها من لؤلؤ، وأجنحتها من ياقوت، وتصوت بأنواع الاصوات، اذا كان يوم الغدير ورد الى ذلك القصر اهل السماوات يسبحون الله تعالى ويقدسونه ويهللونه، فتتطاير تلك الطيور، فتقع في ذلك الماء، وتتمرغ على ذلك المسك والعنبر...»(2).
هو يوم عظيم عند الله تعالى وعند رسوله الكريم J، حيث أكمل فيه الدين وتمت فيه النعمة؛ لأنه (عز وجل) تحدث عن رسالة، لا عن منصب اداري للمسلمين فحسب، وهذه الرسالة لا يقوم بها ولا يؤديها إلا رجل كانت بالنسبة اليه تلك الرسالة روحه وعقله وكل كيانه، فكان علي A ذلك الرجل المؤهل لأداء هذه الرسالة؛ لأنه حمل الاسلام فكراً وروحاً وعقلاً، وبخلافة علي A يحفظ خط الاسلام وامتداده وعمقه.
واقتفى الأئمة الطاهرون D نهج جدهم الرسول الاعظمJ في تعظيم هذا اليوم وكثرة الاهتمام به، كما روي عن فرات بن احنف عن الامام الصادق A قال: «قلت جعلت فداك، للمسلمين عيد أفضل من الفطر والاضحى ويوم الجمعة ويوم عرفة؟ قال: فقال لي: نعم، أفضلها وأعظمها وأشرفها عند الله منزلة هو اليوم الذي اكمل الله فيه الدين، وانزل على نبيه محمد: «اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُم دِينَكُم وَأَتْمَمْتُ عَلَيكُم نِعمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً...»(3)، قال: قلت: وأي يوم هو؟ قال: إن أنبياء بني إسرائيل كانوا إذا أراد أحدهم أن يعقد الوصية والامامة من بعده ففعل ذلك جعلوا ذلك اليوم عيدا، وانه اليوم الذي نصب فيه رسول الله علياً للناس علماً، وأنزل فيه ما أنزل وكمل فيه الدين، وتمت فيه النعمة على المؤمنين»(4).
نسأل الله أن يجعلنا من الممتثلين لأمر الرسول الأكرمJ بالثبات على ولاية أمير المؤمنين A.
فما أسعدنا أن يقول بعضنا لبعض مهنئين بيوم الغدير: الحمد الله الذي جعلنا من المتمسكين بولاية أمير المؤمنين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة المائدة: 67.
(2) شجرة طوبى: ص245.
(3) سورة المائدة: 3.
(4) الإمام علي من المهد الى اللحد: ص177.