الانـتـحــــــــار.. الدوافع والأسباب
29-05-2020
رجاء الانصاري
من المواضيع المهمة التي يجب تسليط الضوء عليها والتي ازدادت في الآونة الأخيرة وارتفعت بشكل ملحوظ، هي تزايد حالات الانتحار الذي أصبح ظاهرة شبه مألوفة بين الأوساط الشبابية والفئات العمرية التي تتراوح ما بين ١٢_الى٢٠سنة.
اذن، ما هو الانتحار وما هي الدوافع والأسباب التي تؤدي بالفرد لاتخاذ هكذا قرار في إنهاء حياته؟
عرف علماء الاجتماع الانتحار بأنه قتل الانسان لنفسه، وازهاق روحه، باستخدام وسائل عدة في ذلك. أما المتشرعة فإنهم عدّوه من الكبائر التي حرم الله تعالى إلا بالحق: « وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا». (النساء/29)
إذن، الإقدام على الانتحار له مقدمات وأسباب ودوافع تدفع بالإنسان لإنهاء حياته منها:
١- التكوين النفسي للإنسان، فهذا الكائن المعقد رهن العوامل والظروف الخارجية المحيطة به التي تتحكم في محورية شخصيته حسب نمط الحياة والأساليب المتبعة في تكوين ذاته، فإذا كان من النوع الذي يميل الى الاكتئاب والملل، يكون ممن يخاف عليهم، أما اذا كانت شخيصته تتحمل الصقل والانضغاط كان منها بمأمن.
٢- غياب الوازع الديني الذاتي الذي يبرمج نفسية الانسان على التوكل والتسليم والرضا بما حكم الله سبحانه وتعالى سواء كان على الصعيد الشخصي أو الأسري، والايمان المطلق بيوم الحساب، وإن لكل فعل جزاء، والراحة المنشودة بعد الموت ما هي إلا أوهام يصورها الشيطان فيحكم بها العقل ويزينها للنفس، ولو أنهم رجعوا لكلام الله لوجدوا فيه نهياً شديداً لارتكاب هكذا محرمات: «وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ» (الأنعام: 151).
٣- عقدة الظلم الاجتماعي او ما يسمى بعقدة الفراغ العاطفي التي تشير اليها اغلب الاستقراءات بأن ميول الشباب الى الانتحار نتاج الملل والاكتئاب او الظلم من قبل الأسرة او المجتمع، أما الملل فانهم يتصورون أن وجودهم عبث، إذ لا هدف يُرجى منه سوى تكرار الروتين اليومي والبقاء تحت رحمة الحياة، وفقدان الراحة بكل أشكالها.
أما الظلم فنجده غالباً في المجتمعات التي قلبت المفاهيم الاسلامية واستعبدت النساء وسلبت منهن ادنى حقوقهن التي اقرّها الله لهن، أو قد يكون سببه التفاضل بين افراد الأسرة الواحدة، والتمييز بينهم من حيث الحقوق والمقبولية.
وأما الفراغ العاطفي، فإنه يتأتى من صدمة فقدان شخص إما واقعاً كالموت أو في العالم الافتراضي، فيكون له تأثير سلبي على نفسية الفاقد، فيقرر الخلاص إما لعدم تحمله ألم الفراق او الخلاص من الفضيحة والاشهار، اذا كان الفقد في عالمه الوهمي (مواقع التواصل) وأغلب الضحايا هن من النساء.
٤- الفقر والعوز وسوء الخدمات الحياتية تعد سبباً آخر للتفكير بالانتحار بعد استنفاد جميع السبل في توفير قوت يومه يصل الى مرحله العجز الفكري والنفسي، فتبدأ نفسه بصب غضبها على ما حوله، حتى يصل الى مرحلة تتقاذفه ركلات الشيطان الى مرمى الاستسلام، متناسياً أن الرزق بيد الله تعالى، وأن ما يمر به العبد مجرد ابتلاء يستخلصه الله تعالى بها من أدران هذه الدنيا الدنية.
فالركون الى النفس الأمّارة بالسوء وتتبع اهوائها وفتح نوافذها امام تسويلات الشيطان الذي يجر فريسته الى ارتكاب تلك المعصية، ما هي إلا النظر من زاوية ضيقة الى ما يحيطنا الله به من نعم لا تعد ولا تحصى، فالإنسان عندما يبتعد عن الله فإنه يسلّم نفسه للشيطان، والشيطان يخوّف أولياءه ويحزنهم ويقودهم إلى المشاكل النفسية التي لا علاج لها إلا بالعودة إلى الله، مما أدى إلى فقدانهم الأمل، وبالتالي أصابهم الاكتئاب والأرق والاضطرابات النفسية، وانتهى بهم المطاف إلى التفكير في الانتحار.
وهنا نتذكر آية عظيمة يقول فيها تبارك وتعالى: «وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى». (سورة طه١٢6).