مـحـنـة عـشـــــاء..!

29-05-2020
سماهر الخزرجي
لم يبلغ التحاقها بالعمل ما يقارب الشهر، وذلك بعد نقاشات تذبذبت بين مدّ وجزر حتى رضي زوجها بذلك، على أن تعود قبله من العمل، ويكون كل شيء على ما يرام وجاهز، على اساس هذا الشرط اتفقوا.
مرت تلك الأحداث سراعاً أمام عينيها، وهي الآن في منتصف الطريق، إذ توقفت بهم الحافلة..! وقد قَرُب موعد رجوعه للبيت.
بدت تقرض اظفرها قلقاً، والشمس بدأت تتدلى من الأفق وقد علتها خفرة.
مجرد التفكير بفقد وظيفتها يفقدها اعصابها.
تملمت وتمتمت بداخلها،وبدأت ترنو بناظريها إلى السماء طالبة العون من ربها.
بعد فترة قصيرة، خرج السائق من تحت السيارة وقد نقشت في وجهه عدة أهلة سوداء غير مكتملة، وقد صبغت بعضا من لحيته البيضاء،
تنفس بعمق ثم أردف آمراً:
اصعدوا...
كان القلق يتملكها كلما اقترب موعد عودته للبيت.
كل لحظة تُخرج هاتفها لتطلع على التوقيت، ربما في الدقيقة مرتين..!
ارتجلت من السيارة مسرعة، ولجت دارها،
ما أن تخطت عتبة الباب حتى رمت حقيبتها، وعلى بعد منها رمت العباءة ثم صندلها.
وقت صلاة العصرين شارف على الانقضاء، متى تصليها؟
متى تعد الطعام؟
لكن ما يهون الخطب إنه لم يرجع بعد.
اسبغت وضوءها عرفاناً منها لجميل صنع ربها لعدم حضوره بعد.
رصفت قدميها للصلاة مسرعة، وذهنها مشغول بإعداد وجبة العشاء.
ما أتعس حظها حتى إنه لا يحب الطعام الجاهز المعد خارج البيت.
وصلت للركعة الرابعة، وما أن رفعت يديها حتى لاحت لها بقع صبغ قد لصق بيديها.
تنهدت قائلة: ويلي؛ عليّ إعادة الوضوء ومن ثم الصلاة.
لكن رباه الوقت يمضي، سيعود حالاً، صراع مع النفس،
أتمضيها كما هي ام لا؟
استعاذت بالله من الشيطان، ثم باشرت الوضوء، وصلت،
ما أن قنتت حتى لاح لها أثر حبر على حافة يديها، وهو جرم مانع من وصول ماء الوضوء إلى اليد.
حاولت أن تتناساه وكأنها لم تره..!
لكن ضميرها كان يقظاً لم يمهلها.
أعادت الوضوء والصلاة وكانت تتفادى أن يقع نظرها على يديها.
كان الهاتف يرنّ ولا يكف عن ذلك،
انقطع، ثم عاود الرنين مرة أخرى.
تشهدت وسلمت، تناولته...
جاءها الصوت من بعيد:
- أنا مدعو لتناول وجبة العشاء خارج البيت مع الأصدقاء.
دموع انحدرت من مقلتيها وهي تحتضن الهاتف بين يديها،
ثم سجدت شاكرة لله وهي تردد: «ومن يتقِ الله يجعل له مخرجا».