((قدحٌ مِن لبنٍ))
21-05-2020
ايمان صاحب
طالعت السماء بطرفها الحزين، وشفتاها تتحرك بكلماتِ العتاب، تُرى أينَ ذهبَ ذلك الرجلُ الكريم، لماذا؟؟ لم يطرق الباب ، ربما أنشغل عني بغيري من الأيتام ، هم اشد فقراًمني ، أو يكون على سفرٍ بعيد ،كم كانَ لطيفاً معي وهو يناولني ارغفة الخبز وشيئاً من التمرِ ، ثّم يضمني إلى صدرة بحنان وأناملة الرقيقة تداعب خصلات شعري، وكأنه أبي الذي فقدته منذُايام ، ليته يأتي الآن فما عدتُ أطيقُ صبرا، كفكفت الصغيرة دموعها بطرفي كمها، ثمّ ألتفتت إلى أمهاقائلة:أماه سأذهب للبحث عن ذلك الرجل الكريم، في ازقة الكوفة ولن أعود ألابخبرٍ عنه، أطرقت الأمّ برأسها نحو الأرض ثمّ رفعتهُ بوجه صغيرتها، وهي تقول: لها بنيتي الحبيبة، إلى أينَ تذهبين وأنتِ لاتعرفينَ حتّى اسمه، ألا تذكرين ،كم مرة سألتيه عن ذلك ولم تحصلي على أجابة، سوى أناعبدٌ مِن عبادِ الله تعالى، لاتحزني ياصغيرتي وأنتظري ، عله يأتي الأن أوبعد قليل ، قاطعتها الصغيرة والدموع تملأ عيناها الواسعتينِ، لالاأستطيع البقاء أكثر من هذا، وداعاً أمي وحالماَ تقدمت نحو الباب ،سمعت صوت أمها يناديها مريم انتظري يابنتي، ريثما أتي لنذهب معاً، فرحت مريم لسماع هذا الكلام ،ثم ذهبا سويه ،الأم والبنت، بتجاه السوق كانا يتصفحن وجوه المارة بنظراتهن ، تارة وأخرى يسئلان ، عن صاحب تلك الصفات، الجميلة والأخلاق الحميدة، لكن دونَ جدوى، جلست الأم على قارعة الطريق ، لتستريح قليلاً من تعب المسير، أما صغيرتها طلبت من أمها السماح لها بالذهابِ إلى ذلك الزقاق، المقابل لهما للسؤال ثم تعود إليها، وبالفعل تمت الموافقة وذهبة مريم، وحينما وصلت إلى هناك، شاهدت جمع من الّناس كثير، يقف عند أحد البيوت ، دنت منهم أكثر فاأكثر سألتهم مل خبر، أجابها أحدهم بقلبٍ منكسر الاتعلمين، بماجرى وأي مصيبة حلت بنا، هزت رأسها مريم تعبيراً عن عدم علمها بالأمر ،ضرب الرجل يده بالآخرى ثمّ قال:أهٍ أه ياصغيرتي فمنذُ يومين ، أصاب بن ملجم رأس مولانا أمير المؤمنين A بسيفه اللعين مما جعلهُ طريح الفراش ، سألته مريم مرتاً أخرى ياعم أراك حزين على أمير المؤمنين ع ، هل أنت تعرفه، ردعليها الرجل وكيف لا أعرفه، وهو أطيب الناس قلباً وأسخاهم يداً، يعطف على الأيتام ويطعم الفقير ومع هذه الصفات وغيرهاعن الإمامAتيقنت مريم انه هو من تبحث عنه، صاحب هذه الصفات، وبينماهي كذلك أنفتحت باب البيت، وإذا برجلٍ يخرج منها، أحاطت الناس به من كلِ جانب وهي تخاطبه أيها الطبيب ، كيف حال مولانا أبا الحسن A؟
اشارالطبيب بيده نحو السماء،قائلاً لانستطيع فعل شيء ألا الدعاء له، لأن سيف المرادي كان مسموم، حين ضربَ الإمام، مما جعل السم يسري إلى جميع أعظاء البدن، وبعد هذه الكلمات أنصرف الطبيب عن الناس ، تاركاً خلفه بكاءونحيب ،أحدهما يدعوله وأخر يقول:علينا بالبن فهو يفيد للسم، وماأن سمعت مريم هذا، ركضت نحوأمها لتخبرها بماجرى، طالبتاً منها الرجوع إلى البيتِ باأسرع وقت ، ولما رجعا إلى بيتهما ، أخذت مريم تبحث في زواياه ، علها تجدُ، شيئاٍ يصلح للبيع لتشتري بثمنه قدحٌ من لبن، وبالفعل حصلت على ماتريد حينما اقبلت أمها وهي تحمل بين يديها قطعة من قماشٍ فيها ثوب أبيض ، سألتها مريم ماهذا ، أجابتها الأم على الفور إنه ثوب زفافي،وأعزُ ماأملك لكنّه ليس أغلى مِن دموعك بنيتي الجميلة خذيه إلى السوق وأشتري بثمنه ماتريدين، توجهت نحو السوق، وحين وصولها إلى هناك، لم يلفت نظرهاشيء من الطعام، مع أنها كانت بحاجة إليه ، حتى نست أنها جائعة، ولكنها لم تنسَ أنّ عليها شراء قدحٌ مِن البن وإيصاله، باأسرع وقت، ولما دنت من بيتِ إلامام .ع. أدهشها مارأت رجال و نساء يحثُون التراب على رؤسهم ، وهم يندبون وا أماما وا سيداه، وبلا شعور سقط القدحُ مِن يدها ،وأريقَ البن على الأرض، حينها صرخت مريم بوجه الباب لماذا؟لم تنتظرني لماذا؟، لم تشربُ من يدي كنت تطعمني وتسقيني كل ليلة، والآن لم أستطع أن أسقيك قطرتاً واحده، سيدي اليوم أصبحت يتيمة، وليس بالأمس سيدي رحيلك قد كسرقلبي، كزجاج القدح المنثور أمامي، وداعاً أيها الرجل الكريم وداعاً ياإمامي.