رواية عن الفتوى المقدسة.. وكنت معهم

13-05-2020
علي حسين الخباز ‏
جامع أم القرى 29/4/2015م
إذا تأملنا الحقائق التي هي ليست غريبة على المرجعية الدينية المباركة، ولا هي بعيدة عن معطيات السيد السيستاني K يقول تحسين العبد الله: بعد مرحلة الصمت التي تخلص منها بعدما أفاق الشعب على حقيقة داعش وخيانة بعض الساسة للبلاد يقول: إن ما قدمته المرجعية المباركة فاق ما قدمته الحكومات، وهذا موقف بارك فوز كفة الدين على كفة السياسة في كل معايير القيادة والتضحية، كتب لي الشيخ باسم النصراوي الله يحفظه:ـ
بعدما سيطر التنظيم الارهابي على مدينة هيت بدأت الأحداث تزداد سوءاً مع تقدمهم صوب مركز مدينة الرمادي، وبدأت العوائل بالخروج الى بغداد التي هي المحطة الاولى لهم والتي تضم مجمعات النازحين (من صلاح الدين والانبار) في جامع أم القرى، وجامع الشيخ معروف، وجامع برهان الدين، التي هي تحت اشراف الوقف السني والتكية الكسنزانية، ومخيم اسيا، ومخيم العراق الجديد هذه المخيمات في منطقة الدورة جنوب بغداد ومجمع النبي يونس في منطقة النهروان ومجاميع اخرى في منطقة الاعظمية مندمجة مع الاهالي.
في يوم 29/4/2015 تم تحميل السيارات بالمواد الغذائية والطبية والملابس خصوصا للنساء والاطفال لأكثر من 700 عائلة لتقصد جامع ام القرى في الغزالية اولاً، وكانت لنا زيارة قبل ذلك التاريخ بثلاثة ايام بعدما وصلت مناشدات من الساكنين فيه تم الاطلاع على احوال النازحين واحتياجاتهم الضرورية.
قبة الجامع الفخمة والجميلة وحدائقه التي تتوسطها نافورة ماء تضيف لذلك الجمال جمالاً والقائمين على خدمة الجامع الذين يتفننون بخدمة النازحين كل ذلك لم يشفع ويزيل الغصة والألم الذي كان جليا بوجوه الساكنين النازحين في هذا المكان نزلت كل المواد والبالغة 25 طناً من المواد الغذائية الطحين والرز والزيت وحليب الاطفال والفرش والبطانيات في المطبخ الرئيسي الذي منه يقسم الى العوائل ثم تجولنا في المخيم.
كان المكان عبارة عن قاعات كبيرة ومقطعة بالبطانيات والشراشف على شكل مربعات صغيرة على الجانبين، وممر في وسط القاعة، تحدث القائمون على الادارة وقال: باسمي واسم ديوان الوقف السني نشكر المرجعية الدينية في النجف الاشرف لهذه الوقفة الاخوية، ونرجو ان لا تكون اخر زيارة.
قال احد النازحين: نحن اخوة ولا فرق بيننا ونشكر المرجعية لهذه الوقفة والنازح يحتاج كل شيء وابسط الاشياء؛ لأنه خرج بنفسه وان الاعداد تتزايد يوماً بعد آخر وكل غرفة ثلاثة في اربعة يوجد فيها ثلاث عوائل حتى وصل عدد العوائل الان اكثر من 500 عائلة.
رأيت اطفالاً يلعبون، سلمت عليهم ليبادرني عبد الله بالكلام وهو ابن سبع سنين: (عمو اني تركت المدرسة واتمنى ارجع الها وارجع لبيتنا) فقال طفل اخر اسمه مولود: (عمو اني كتبي ضاعن مني هناك وحتى ملابسي هم بقن بيتنا ما ادري اشوكت نرجع).
ابو سلام يقول: انا دخلت اليوم الى بغداد وتركت خلفي آلاف العوائل عالقة بالصحراء بأسوأ حال الجوع والعطش والتعب ولا يسمح لهم الدخول إلا بكفيل.
حاج اخر يروي: (ابتدأ الهجوم على مناطقنا فجرا عند الساعة الخامسة في شرق الرمادي منطقة الصوفية والبوسوده كان قصف الهاونات ثم اقترب منا ازيز الرصاص الخفيف وانتهت المعركة الساعة الثامنة، خرجت العوائل وقد رأيت الدواعش في الازقة والشوارع، وهذه امرأة من منطقة الصوفية تقول: (احنا صابرين وان شاء الله نرجع بسلامة ونخليكم على روسنا).
ثم اقيمت صلاة الجماعة في حرم الجامع فكان منظرا يدل على الوحدة والاعتصام بحبل الله.
ثم انتقلنا بعدها الى منطقة حي الجامعة حيث مخيم اقيم بساحة ترابية في وسط حي الجامعة وبالقرب من جامع برهان الدين منظر الخيم الخارجي يحكي عن بؤس ساكنيه واحتياجهم، يفتقر هذا المخيم لأبسط مقومات العيش رغم كرم الاهالي الذين احتضنوا هذا المخيم واهله الا ان العوز والاحتياج واضح عليهم.
احدث نفسي لو كان في الوضع الطبيعي هل يستطيع الانسان العيش في هكذا مكان ولو يوم واحد؟ البرك المائية القريبة وتجمع الذباب والبعوض أسهم في انتشار العدوى بين سكان المخيم الذي يفتقر لمركز صحي.
(عمر) شاب من منطقة البو محل – الرمادي، يعاني من مرض التهاب الامعاء الحاد تم مساعدته ماديا وعرضه على طبيب مختص في بغداد واجراء اللازم له بعد التواصل بيننا بواسطة الاتصال الهاتفي.
نسبة الاطفال بهذا المخيم اكثر من سبعين بالمائة من ساكنيه محمد، عمره تسع سنوات قال: (احنا من الكطانة من الرمادي طلعونا الدواعش بالقصف والقنابل ونريد بس نرجع والله تعبنا).
اما صديقه عثمان يقول: (نطلب منكم ترجعونا لبيوتنا؛ لأن عفنا اصدقاءنا ومدارسنا وبيوتنا خربوها حتى بيتنا جديد كله هدمه الدواعش). ابو سيف القائم على ادارة المخيم يقول: (نشكر المرجعية والمشايخ الكرام لزيارتهم لنا وسد بعض الاحتياجات الضرورية) وبين ان الموجود 100 خيمة فقط يسكنها 114 عائلة في هذا المخيم مطبخ مركزي من خلاله يتوزع الطعام على الخيم والنساء هي التي تتكفل بالخبز وقد وفرنا لهن الطحين الكافي لشهر او اكثر.
في يوم 5/5/2015 كانت لنا جولة ثانية في بغداد حيث ابتدأت بجامع الشيخ معروف الذي يقع في منطقة الكرخ حيث تلك الخيام التي صفت بشكل غير منتظم وعلقت البطانيات والجوادر والفرش القديمة لتقي الساكنين من اشعة الشمس ولتسترهم من الناظر لا غير رغم صغر المجمع الا ان اكثر من 80 عائلة فيه اغلبهم من الرمادي استقبلنا مجموعة من الشيوخ بكلمات الترحيب والاحترام.
نازح كبير بالسن اسمه فؤاد ابو حيدر: (نشكركم لأنكم فكرتم بنا وامانة سلموا لنا على مراجع النجف الاشرف) الاطفال في قمة السعادة وهم يتقافزون امام كاميرات التصوير المرافقة لنا فتجمعوا حولنا بمجاميع بفرح وسرور كنا نداعبهم إلا ان الاعم الاغلب منهم مصاب بمرض الجرب رغم وجود عيادة طبية صغيرة زودناها فيما بعد ببعض العلاجات خصوصا مرهمات الامراض الجلدية.
اثناء تجوالنا في المخيم، رأينا امرأة تجلس على كرسي للمعاقين بباب خيمتها عليها السكينة والوقار بادرناها بالسلام فاستقبلتنا بالترحيب، فقلنا: (حجية شدة وتزول..)، فتقول: (وليدي هذا مكتوب علينا وانتم ما قصرتوا ويانا).
كان من خلفها داخل الخيمة مجموعة نسوة قالت احداهن: (ابني هذا يوم الاربعاء عمليتها في مشفى اليرموك واحتاج وقفتكم معانا) تمت مساعدتهم ودوّنا الاسم لمتابعة المشفى لاحقا.
تقابلنا سيدة اخرى تقول: (انا محتاجة لمساعدتكم احنه تعبانين صار سنه واربعة اشهر حرقوا بيتي واخذوه داعش وقفا الهم؛ لان ابني كان منتسبا بالشرطة).
واثناء تجوالنا نرى امرأة ثكلى عليها علامات الحزن اكاد ارى مجرى الدموع وكأنه نقش حفر على الخدين والعيون غائرة والصوت بح من شجي وانين تجلس على الرصيف بباب الخيمة بيدها مسبحة سوداء بلون ثيابها الحزينة تقول: انا من الرمادي لقد قتلوا اولادي الاربعة امام عيني سلمنا امرنا لله.

مجمع آسيا في الدورة:
لم يكن الحال في مخيم آسيا الذي يقع في منطقة الدورة إلا كسابقاتها من تلوث الطعام وتفشي الامراض المعدية هي نفسها المشاكل التي تكاد تكون في كل المخيمات، اكثر من 400 عائلة من اهالي الانبار يسكنون هنا وصلوا بعد دخول داعش لمدينة الرمادي.
وصلنا عند الساعة الحادية عشرة من صباح يوم 5/5 استقبلنا الناس الساكنون بفرح وسرور قال احدهم واسمه ناصر يبلغ من العمر 40 سنة: لقد انسيتمونا بزيارتكم هذه همومنا وشعرنا ان هناك من يهتم بنا، كانت فرحة الأطفال كبيرة لا توصف، تجمعوا حولنا وازداد فرحهم، وهم ينظرون لأيديهم وهي تحمل الملابس الجديدة التي استلموها للتو، كان مطلب الاهالي توفير خيمة تكون مصلى، فتم تلبية ذلك اثناء تجوالنا بالمخيم، كثير من النساء اللاتي تجمعن حولنا مطلبهن اجور معاينة الطبيب والعلاج لأطفالهن.
دخلنا الى المطبخ الرئيسي الذي انزلنا المواد فيه؛ لأن الطبخ هنا مركزي ثم تناولنا طعام الغداء معاً مع مجموعة من النازحين في احدى الخيم فكانت جلسة على بساطتها غاية في الروعة.