جائحة كورونا في المنهاج القرآني والعترة الطاهرة

11-05-2020
طارق الغانمي ‏
حين أعلنت منظمة الصحة العالمية فايروس كوفيد-19 بأنه: (Pandemic/Pandemie)، أي (الجائحة) وبمعنى (الانتشار الوبائي العام)، ليس بسبب خطورة الوباء بين الناس، بل بسبب انتشاره الجغرافي السريع، والمعروف أنه يقع الإعلان عن الجائحة عندما ينتشر وباء جديد بسهولة، وانتشار عدوته بين الأشخاص، ويغزو البشرية بما يفوق التوقعات.
لذا ففي بداية ظهور المرض في الصين، ومن أصيب بالعدوى وهي حالات تعرف باسم (المريض رقم صفر) أو (الحالة الدالة)، لا يمكن اعتماده في البدء لإعلانه بأنه جائحة، ولا يمكن ادراجه ضمن لوائح المنظمة الصحة حسب تعريفها الصارم للجائحة، لكن بعد تفشيه عالمياً عن طريق المسافرين الذين أصيبوا في الصين ثم عادوا إلى أوطانهم وأصيبوا بعدوى كورونا، وبعد مرور أكثر من شهرين ونصف من ظهوره استطاعت منظمة الصحة العالمية إدراجه ضمن لوائح الجائحة.
و(الجائحة) مصطلح تعني في اليونانية بـ(pandemos)، أي الآفة التي تهلك الثمار والأموال، وتستخدم عندما يكون هناك اعتقاد سائد بأن سكان العالم بأسره معرضون على الأرجح للعدوى والإصابة بالمرض المتفشي.
ولو تناولنا لفظة الجائحة ومتعلقاتها وبحثنا عنها في المعاجم العربية ومناقشة هذا المصطلح والبحث عنه، لوجدنا الآتي: الجائحة تعني: المصيّبة، البليّة، الداهيّة، الكارثة، الجدبة، القاحلة. (راجع: معجم المعاني على صفحات الشبكة العنكبوتية الانترنيت). وأوضح محقّق كتاب غيبة النعماني في هامش صفحة:203 بأنّ المقصود بها الشدّة.
وجاء في كتاب (النهاية في غريب الحديث:1/312/حرف الجيم/باب الجيم مع الواو/مادة: جوح): والاجتياح من الجائحة، وهي الآفة التي تهلك الثمار والأموال وتستأصلها، وكل مصيبة عظيمة وفتنة مبيرة: جائحة. ومثله جاء في مجمع البحرين:2/347/كتاب الحاء/باب ما أوله الجيم/مادة: جوح).
وعبر ابن منظور في معجمه (لسان العرب:2/431/كتاب الحاء المهملة/فصل الجيم/مادة: جوح): الجائحة، وهي الشدّة تجتاح المال من سَنَة أو فتنة، يقال: جاحتهم الجائحة، واجتاحتهم، وجاح الله ماله وأجاحه، بمعنى، أي: أهلكه بالجائحة. وكذلك جاء في (الصحاح:1/360/باب الحاء/فصل الحاء/مادة: جوح) نفس المعنى.
وعرفها الشيخ المازندراني في (شرح أصول الكافي:7/345): وهي الشدّة التي تجتاح المال من سَنَة أو فتنة.
ولو رجعنا إلى كتاب الله القرآن الكريم وتطرقنا إلى أنواع البلاءات التي تعرضت لها الأمم السابقة لوجدنا: «ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ» (الروم:41) هذا النوع من البلاءات هو الانتقام، أي أن الله تعالى يقوم بالانتقام؛ بسبب فساد الأمة، ويراد بهذا الانتقام، هو ليس أن الله تعالى يقوم برد الفعل في مقابل أعمال القوم، كما يفعل الأشخاص الذين ينطلقون في ردود أفعالهم من مواقع الحقد والانتقام، بل لغرض الرجوع إليه، وإصلاح ذاتهم من خلال أعمالهم وأفعالهم: «ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ» (الروم:41)، وقال الله (عز وجل): «وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ» (الأعراف:96).
وقال تعالى: «قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ» (الأنعام:47)، و«فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا إِلَّا أَن قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ» (الأعراف:5)
وعبر مكارم الشيرازي في تفسيره الأمثل: أن مفردة الانتقام جاءت في اللغة والمعاجم بمعنى العقوبة والمجازاة، وليس ما هو شائع في عرف الناس اليوم.
اجارنا الله وإيّاكم من العقوبة والانتقام وهدانا لما يحب ويرضى بجاه الحبيب الأمين وعترته الطاهرة.