مدونة الكفيل أقلام وأرواح بين كَفَّيّ القمر

11-05-2020
آمال كاظم الفتلاوي
ليس جماداً، هو روح تنبض فيه الحياة، يصرخ، يهمس، يتمرد، يطيع، يبكي، يضحك، يحزن، يفرح، أحياناً يأبى الانصياع لسيده، وأحياناً يسيل طوعاً كانسكاب الماء الرقراق بين الأصابع، فهل من يتقن كل هذه الأحاسيس يُسمّى جماداً؟ ينوء بحلل الجمال، تطوف حوله الكلمات صاغرة، حينما يستولي اليأس عليك؛ يطل من شرفات الأمل، يفتح لك كوّة ترى فيها شذرات شروق الأمل، تنعكس برؤياها في عينيك نوافذ مشرعة للجنان.
تنتابه حالات جنون، كزوبعة مجنونة، وحينما يهدأ ينساب وسط الصمت كنسمات ندية، إنه القلم؛ بانثيالات جنونه، يأبى كاتبه أن يبرأ منه، في نوباته لا يأبه أن تهوي الشمس في المغيب، أم تبزغ في ولادة الفجر، توقيته يختلف عن التواريخ، لا يقيّده الزمان، ولا يهتم للمكان، فارس يعتلي صهوة جواده، للخيال فضاء رحب يطلق فيه العنان يقلد الطبيعة؛ فيجيد الهروب من الزمان والمكان.
لم يستطع هذا المجنون إلا أن يطيع أرواحاً محلّقة كاليمام، حملت بأجنحتها نوايا السلام، طافت على أضرحة أحبتها، تضمخت بعطر الولاء، قادها نقاء سريرتها إلى مساقط النور، تبعتها، نقبّت عن أمكنة هذه الأنوار، روّضت هذا المتمرد على حبّ أهل البيت D وتطويع تمرده في حبهم إلى شوق يلهب قلب القارئ، في حزنهم يؤجج جمر الأسى، في أفراحهم ينثر البشر والسرور كاللؤلؤ والدرر، يغمر النفس بالفرح والاستبشار.
إذن، هو ليس جماداً، هو كالجواد يحتاج فارساً يسلس قياده، ويوجهه إلى حيث يريد، وهذا ما فعله كتّاب وكاتبات مدونة الكفيل، الذين سخّروا أقلامهم في خدمة الدين والمذهب، وتراءى في عيونهم بريق المنائر الشامخة، بعبراتها، بشجوها، بحبورها، أسالوها على القرطاس بمداد الحب والولاء، قدموها بضاعة مزجّاة إلى ساقي العطاشى، يتأملون منه قبولها بانتظار أن يسقيهم من كأسه الوافي في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون.
قبل أيام مرت الذكرى التأسيسية الثانية لمدونة الكفيل، ارتأت (صدى الروضتين) أن تقدم تحقيقاً شاملاً تعريفياً عن المدونة؛ لبيان مدى أهميتها كمشروع ثقافي يسهم في إحداث حراك أدبي في الساحة الأدبية لا يُستهان به، يقدم نهضة ثقافية حداثوية كجزء أساسي يكوّن ثيمة لأدبٍ ولِدَ من رِحم الأدب الحسيني، تشكلت جزيئاته واكتملت صورته في إطار الولاء المذهبي، بعنوان حمل اسم كافل الحوراء رفرفت في سمائه ألوية الإبداع.
لِمنْ لا يعرف مدونة الكفيل:
مدونة الكفيل:
هي مدوّنةٌ إلكترونيّة تسعى الى تنشيط وتجميع جهد الأقلام المعرفيّة، نافذة من نوافذ الحوزة الالكترونية لمعهد تراث الأنبياء على شبكة الكفيل العالمية، تابع إلى قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة العباسية المقدسة.
تُعنى المدونة بنشر البحوث والمقالات في مختلف جوانب الحياة:
(الاجتماعية، والعقائدية، والثقافية، وغيرها).
بدا العمل فيها في أواخر شباط 2018 باسم (أقلام معرفية) وفيما بعد تم تغيير الاسم الى (مدونة الكفيل).
تستقبل المدونة الكثير من البحوث والمقالات، وهي موجودة على مواقع التواصل المختلفة: (قوقل، فيس بوك، تليغرام، انستغرام).
التنوع في النشر يشمل: قضايا الأسرة، القصص، الخواطر، المناسبات الدينية، القضايا الاجتماعية، العقائد، المقالات المترجمة، قصص الأطفال، التربية، دراسات في الإمامِ المهدي f النكات العلمية في القرآن، ظواهر اجتماعية غير منضبطة، المرأة بين الإسلام والغرب، البيان والبلاغة في كلمات اهل البيت D.
موقع المدونة على هذا الرابط:
https://alkafeelblog.edu.turathalanbiaa.com/
الهيكلية الادارة للمدونة:
١- الشيخ حسين الترابي (مدير معهد تراث الأنبياء).
٢- الشيخ حسين الأسدي (رئيس تحرير مدونة الكفيل)
٣- السيد أمير الميالي (مدير تحرير مدونة الكفيل)
٤- الأستاذة حنان الزيرجاوي (إدارة الشؤون النسوية في مدونة الكفيل)
لمعرفة تفاصيل أكثر كان لابد لنا من الغوص في عمق بحرها، وانتقاء فنار ينير لنا سدف اللجج العميقة لاستخراج اللؤلؤ والمرجان من خيراتها، وعرضها على القراء، فكان اللقاء مع الأب الروحي والمؤسس لها الشيخ حسين الترابي (دامت توفيقاته) مدير معهد تراث الأنبياء الذي أجاب مشكوراً عن أسئلتنا كالآتي:
- تُعد مدونة الكفيل مشروعاً من مشاريع الحراك الثقافي التي تبنتها العتبة العباسية المقدسة، كيف يتم الحفاظ على هذه الهوية من الانجراف في مهاوي الانفلات الثقافي (إن صحّ التعبير) الرائجة في المجتمع بشكل عام؟
يمكن الحفاظ عليها من خلال إحياء القلم بكل صوره ووضع آلية له يمكن من خلالها عدم الانجراف عن هويته الحقيقية، إضافة إلى بيان قيمته الحقيقة من خلال المنظور الإسلامي قرآناً وسنة، ومن خلال المنظور غير الإسلامي بوضع تجارب الغرب بهذا الصدد، وكيفية استثماره، وإن اختلفنا معهم في المضمون.
- لا يخفى على الجميع أن هناك مشكلة لدى الشرائح النخبوية في التواصل الفكري مع الشباب (وهي مشكلة عامة)، ما هي الاستراتيجيات المتبعة في المدونة بهذا الجانب؟
حسب معرفتي القاصرة، أن المشكلة ليست منحصرة بالشباب، وانما في النخب الفكرية، وتحديداً في عدم مدِّ جسور ذات رؤية واضحة تجعل الشباب يقتربون من تلك النخب، ولو بإثارة بعض الحوافز المعنوية أو المادية، ومن خلال تجربتنا في المدونة استطعنا تكوين أسرة بعنوان (أسرة مدونة الكفيل) وهي مجموعة على برنامج (التليغرام) تضمّ جميع كتّاب المدونة، وأيّ عضو ينتمي لها ولو من الصفر يجد الكل متعاوناً معه كأفراد أسرته، يجد فيها التشجيع والتوجيه الحاني بشكل يخلو من السخرية، فلا يشعر المنتمي لهذه الأسرة بأي شعور سلبي، بل على العكس يجد الأجواء الإيجابية التي تحفزه على الإبداع أينما يتجه، وهذه استراتيجية ناجحة في تواصل النُخب مع الشباب بالأخص أنهم في نفس الأسرة (المجموعة)، ولديهم محاضرات أسبوعية تُقدّم خلاصة تجارب هذه النُخب.
- هل يُعد توظيف الخطاب الإعلامي في دفع عجلة الحِراك الإصلاحي من أهداف إنشاء المدونة، أو كانت لغاية تأسيس خطاب ثقافي، يهتم بالحراك الأدبي فقط؟
نعم بكل تأكيد، الخطاب الإعلامي هي الأداة التي يُعبَّر فيها عن الحراك الإصلاحي، واللسان الذي يوصل مفاهيم الإصلاح إلى الآخرين، ولا يخفى على الجميع ما للإعلام من أهمية، فهو يمثل في بعض الأحيان الرأي العام وبه تتغير كثير من الأسس والقوانين، بل حتى الحكام والدساتير، وأرى أن الحراك الإصلاحي يحتاج إلى مقومات، منها: أن يكون هناك خطاب ثقافي ببصمة أدبية يكون سبباً للتغيير على مستوى الفرد، والأسرة، وبالتالي المجتمع.
قدمنا جزيل امتناننا لجناب الشيخ حسين الترابي على ما قدمه لنا من إيضاحات لاستفساراتنا على الرغم من انشغالاته، إلا أنه أبدى تعاوناً تاماً، وسلاسة في التعامل نشكره عليها.
حملنا استفساراتنا الأخرى، وألقيناها على طاولة جناب الشيخ حسين الأسدي (دامت توفيقاته) رئيس تحرير المدونة الذي يرعى أسرة المدونة بشكل حانٍ، فهو الأخ والرفيق الذي يُحيطهم بعنايته، ويتابعهم ويُنظم برامج المدونة، ويسعى إلى أن يكون هذا التنظيم مناسباً للجميع، دماثة أخلاقه سِمة اتصف بها، ودقته في العمل، ميزة تعلّمها من يعمل معه، الحديث مع جنابه جرى كالآتي:
- ما هي آليات مدونة الكفيل لمسك العصا من الوسط في الحفاظ على نخبوية الخطاب الثقافي الديني مع مراعاة إيصاله لشرائح المجتمع كافة؟
أ‌- قد يبدو مسك العصا من الوسط -وإن كان أمراً يحكي عن توازن في التعامل مع الآخر- والوصول إلى نتيجة مرضية فيه ترضي جميع الأطراف، وفي كل الأحوال ضرباً من الخيال، لذلك على الإنسان في طريق النجاح أن يعمل على طرح ما يعتقد به، مع بيان واضح للأدلة التي يعتمد عليها ويستند إليها في دعاواه وقضاياه، وهذا ما تصبو إليه مدونة الكفيل، إذ بيّنت –واسمها شاهد صدق على ذلك- على أنها مُدونة تُعنى بالشأن الثقافي الذي لا يخرج عن حدود الشرع والعقل، والأعراف المتوافقة مع هذين المبدئين، وبالتالي، فالموضوع الذي تكون فحواه متوافقة مع هذه الأسس سيلقى المقبولية في الطرح والنقاش وبالتالي النشر، أما ما لا يتوافق مع هذه الأسس، فهو من البداية قد تعدى حدوده، ورمى بذور زرعه في غير أرضه، ولن يحصد منه حينئذٍ إلا الرفض.
ب- المدونة تسعى إلى اختيار القوالب اللفظية الواضحة والمستعملة بين عموم الناس بشرط أن لا تخرج عن حدين رئيسين:
• الحد الأول: أن لا يخرج اللفظ عن كونه فصيحاً.
• الحد الثاني: أن يؤدي معناه من دون الحاجة إلى تكلف عناء البحث، وتجشم المراجعة للكتب اللغوية.
وبهذا استطاعت المدونة بأقلامها الفتية والمخضرمة أن توصل الفكرة بأجزل لفظ وأخصره، وبأوضح معنى وأجلاه، ولا ندّعي الكمال في ذلك، إلا أنها خطوة جادّة للوصول إلى الهدف.
- هل كان لمدونة الكفيل أثر في تقريب وجهات النظر بين الطبقة النخبوية التي تواجه عاصفة من الانتقادات أهمها (ضعف الخطاب الإقناعي) وبين جمهور البسطاء؟
ليس من أهدافنا إقناع الآخر كيفما كان، وإنما نسعى إلى أن نقنعه بالفكرة الصائبة، وإنْ كانت تخالف هواه ومشتهياته، وبذلك نحن في تحدٍ من نوع حقيقي، ففي الوقت الذي نريد الحفاظ على هويتنا الإيمانية، نواجه الكثير من القراء الذين قد أخذوا مواقف سلبية مسبقة عن الدين، وبالتالي فإن المقدم عندهم هو الاتهام، فالنقد، فالرفض، وبهذا يلزمنا أن نبدأ الحديث معهم من الزوايا المشتركة، والتي يؤمنون بها، ثم ننتقل بالتدريج إلى حيث نرجعهم إلى حكم العقل الذي يربطهم بالدين ربطاً قوياً، وهذا يعني: ضرورة الحفاظ على انسيابية معينة في الخطاب، تضمن استمرار الآخر بالتواصل معنا، إلى أن نصل معه إلى هدف معين.
ونفس الكلام يُقال في تقريب وجهات النظر بين الخطاب التوعوي الذي يعتمد الدقة في الطرح وتحري الحقيقة، وبين جمهور واسع من الذين يمكن تمرير الخدع عليهم بسهولة، التحدي يكمن في فضح الأكاذيب، وبيان الحقيقة، بأسلوب يتناغم مع ما يؤمن به عامة القراء وبمختلف المستويات، وهو هدف مهم، ونسعى لتحقيقه قدر الإمكان، وهو على أية حال لا يخلو من صعوبات واقعية.
- ما هي نشاطات مدونة الكفيل الثقافية على المستوى المحلي والإقليمي؟
أ- إقامة الورشات الإلكترونية التي يُلقيها أدباء وكُتاب من خارج العراق، خصوصاً من لبنان.
ب- دعوة مختلف الكُتاب وبمختلف التخصصات للكتابة في المدونة ونشر مقالاتهم وبحوثهم عبر أذرع المدونة الإلكترونية.
ج- فتح باب (طباعة الكتب) مما تنشر على موقع المدونة، حيث تتكفل المدونة جميع تكاليف الإخراج الفني والطباعة والنشر، ويشمل ذلك الأقلام المحلية والخارجية.
د- العمل على إقامة ورشات حضورية كل ثلاثة أشهر في ضيافة صاحب الفضل أبي الفضل A وقد أقيمت لحد الآن ثلاث منها.
لكل عمل ركيزة أساسية، وفي الكتابة يكون مدير التحرير هو داينمو هذا العمل يتحمل أعباء كلّ صغيرة وكبيرة، يواكب عمل المِلاك والكتّاب على حد سواء، طبيعة عمله هي الممازجة بين العمل الإداري وبين الجانب الفني، وصَهر الجانبين لإخراج الإبداع وهاجاً بدون أن يطغى احدهما على الآخر، وهذا كله يحتاج إلى كفاءة عالية وُجدت في جناب السيد أمير الميالي (دامت توفيقاته) مدير تحرير المدونة الذي قدم شكره للأستاذ علي الخباز والأخوة العاملين في قسم الأعلام لتسليط الضوء على نشاطات مدونة الكفيل، حاورناه وكالآتي:
- اختيار النصوص وغربلتها مهمة مضنية، بالأخص إن كانت نتاجاً نخبوياً لمؤسسة نخبوية مما يُضاعف مسؤوليتكم كمدير تحرير، ما هي السياقات المتبعة لديكم في هذا الخصوص؟
السياقات المتبعة في اختيار النصوص عديدة منها:
١- أن يكون المقال مكتوباً باللغة العربية الفصحى، مع مراعاة الدقة في الإملاء والقواعد قدر الإمكان وخصوصاً في الآيات القرآنية وأحاديث المعصومين D.
٢- يقتصر مجال النشر في مدونة الكفيل على المواضيع الإسلامية والعلمية والتربوية والاجتماعية والأدبية وكل ما من شأنه أن يسهم في زيادة الوعي الإيجابي في المجتمع.
٣- أن يتضمن المقال وجهة النظر الشخصية للكاتب في الموضوع المراد معالجته أو طرحه، للحفاظ على أصالة المحتوى والابتعاد عن تكرار الأفكار المطروحة على المنصات الأخرى.
٤- ضرورة الاهتمام بقواعد الاقتباس المعروفة (علامات التنصيص، قصر الفقرة المقتبسة، ذكر المصدر).
٥- الاهتمام بالإشارة إلى المصادر في الأحداث والأفكار والشخصيات التي تم ذكرها في المقال.
٦- بالنسبة للمقالات المترجمة، تجب مراعاة وضع رابط المقال بلغته الأصلية وعدم التصرف بالترجمة بالشكل الذي قد يؤثر على محتوى المقال الأصلي.
٧- مراعاة اختيار عنوان مناسب للمقال بحيث يكون معبرًا عن المحتوى.
٨- اعتماد الموضوعية والتجرد والحياد في المحتوى المطروح قدر الإمكان.
- الحفاظ على النجاح يكون أصعب من النجاح نفسه عادة، بالأخص إن كان يدخل ضمن خطط استراتيجية ثقافية تنموية؛ تتبعها مؤسسة رصينة لها ثقلها في الأوساط المجتمعية، ما هو دوركم في إرساء أسس هذا النجاح والحفاظ على المكتسبات التي حققتموها؟
بحمد الله تعالى حققت مدونة الكفيل نجاحات كبيرة، واستطاعت أن تفرض نفسها بين أفضل المدونات بشهادة الكثير من أهل الاختصاص في هذا المجال من المثقفين الأكاديميين والحوزويين رغم قصر مدة إنشائها، هذه النجاحات تحتّم علينا -بعد طلب العون من الله سبحانه وتعالى- الاستمرار والمحافظة عليها ببذل المزيد من الجهد في سبيل الارتقاء بها الى سلّم العالمية بتظافر جهود جميع العاملين في معهد تراث الأنبياء وكُتّاب المدونة، فغايتنا الوصول الى أعلى المراتب خدمة للإسلام والمسلمين.
- كيف تقيّمون علاقة الكتّاب بمِلاك المدونة، وهل تؤثر هذه العلاقة على نتاج الكاتب ومدى استجابته لرؤى وأفكار القائمين عليها؟
بفضل الله تعالى، تربط إدارة المدونة مع الكُتّاب علاقات جيدة، فهم عماد المدونة وما وصلت إليه المدونة من نجاحات وما تتطلع إليه مستقبلًا لا يكون إلّا من خلال تظافر جهود الجميع، لذلك حرصًا من مدير معهد تراث الأنبياء والأخ رئيس التحرير على تطوير قابلياتهم وتقويمها، فإن الدأب مستمر دائمًا على إقامة الورشات التطويرية سواء الإلكترونية أو اللقاءات المباشرة، وتقديم الدعم المعنوي والإرشادي والاستماع إلى مشاكلهم والمعوقات التي تواجههم والعمل على تذليلها.