رواية عن الفتوى المقدسة.. وكنت معهم

23-04-2020
علي حسين الخباز ‏
مدينة الحبانية:
كانت في يوم ما متنفساً للعوائل والشباب وتقصدها السفرات المدرسية للترفيه واليوم هي مأوى وملاذ للآلاف الذين شردوا من ديارهم، هي مدينة الحبانية السياحية، وصلت معلومات ان فيها عوائل نازحة تضررت ضررا شديدا من كثرة هطول الأمطار التي ما رحمت تلك الخيام القابعة على ضفاف البحيرة.
تعالت الاصوات ووصلت المناشدات لمكتب سماحة السيد السيستاني الذي اعطى الاذن بالتوجه الى هناك وفي يوم 12/11/2015 حملت السيارات 2500 سلة غذائية والبطانيات والفرش وحليب الاطفال وغيرها كانت الفلوجة بيد داعش مما اضطر الوفد المرجعي أن يسلك طريق المسيب رغم بعد المسافة، وصلت السيارات قرابة الساعة الثامنة صباحا الى سيطرة جرف الصخر وتأخرت اكثر من ساعة لحين الحصول على اذن الدخول وسلك الوفد الطريق الصحراوي حتى وصل الى الطريق الترابي (المكسر) رغم وعورته.
يقول الشيخ باسم النصراوي:ـ مضينا اكثر من ساعتين لقطعه والوصول الى الشارع العام ومنه الى المدينة السياحية، لم ترافقنا قوات للحماية بل كان لكل واحد منا سلاحه الشخصي وبعض الأصدقاء والارحام يقومون بهذه المهمة وصلنا عند الساعة الثانية عشرة ظهرا وعند البوابة الرئيسية التي لاحت لأبصارنا نجد باستقبالنا ادارة المخيم وبعض المسؤولين.
الجو كان مثاليا مشمسا، وكان المنظر مهيبا للخيام البيض ولأعدادها الكبيرة اكثر من اربعة آلاف خيمة صفت بنسق واحد تحدها البحيرة من الخلف واسوار المدينة من الجوانب الاخرى في تلك الخيام قصص تختلف كل خيمة عن الاخرى، بل لكل ساكن بتلك الخيام قصة تختلف عن صاحبه يجمعهم شيء واحد وهو البؤس خصوصا عند الاطفال الذين تركوا المدارس وراحوا يبحثون عمن يجعل لهم مكانا بهذا الصف الطويل الذي وقف للتو علّهم يحصلون لعوائلهم على المساعدة المرتقبة.
هذا شيخ كبير يقول: اناشد المرجعيات الشريفة رغم انهم جاءوا ولم ينسونا وهذا شيء نفتخر به وان هذه الزيارة شرف لنا وهي لمّ شمل العراقيين، وتقضي على الطائفية وان السيد السيستاني اب لكل العراقيين، انا رجل صوفي احب اسلم من مكاني هذا على الائمة الاطهار ال بيت محمد في النجف وكربلاء ثم انشد:
السيف بركبة الي عادانا سنه
والي يعادينه ابد ما ضحك سنه
اخوان احنا ترى شيعه وسنه
ابن فلوجه وبن الناصريه

ناحية العلم:
انتهت مرحلة الصمت عند تحسين العبد الله وبدأ يسرد تلك الاحداث التي زودها بها صديقه الشيخ والتي يقول عنها الشيخ عارف: تفتح البصيرة، ومعرفة المطلوب اليوم مع الاعتزاز بكل موقف وطني، كان رأي تحسين العبد ان الواقع يحتم علينا كامل الاستجابة للفتوى الرشيدة من قبل سماحة السيد السيستاني بأن تتوحد الصفوف، الفتوى المباركة تريدنا ان نتوحد وهذه الوحدة هي مطلب المرجعية منذ خطواتها الأولى يقول الشيخ باسم النصراوي في ما دوّنه لتحسين العبد الله: منطقة ناحية العلم التابعة الى قضاء تكريت في محافظة صلاح الدين تعتبر من المناطق المهمة التي كان لها دور كبير في انقاذ طلاب سبايكر تلك المذبحة التي حصلت بعد سقوط مدينة تكريت بتاريخ 11/6/2014 وراح ضحيتها آلاف الشباب العزل حيث انقذ اهالي العلم اكثر من 500 طالب.
خرجت العشائر ومعهم شرطة العلم ليعبروا النهر بالزوارق التي كانوا يحملونها بالطلبة واخذهم الى مدينة العلم وكانت منهم ام قصي التي اشتهرت بهذا الموقف رغم ان اهالي العلم اكثرهم قام بفعل الإنقاذ، وعندما اشتد الحصار عليها من الجهات الاربع تم اخراج الطلاب بعد ان اصدروا لهم هويات مزورة الى اماكن آمنة مثل: سامراء وكركوك وبعد تشديد الحصار عليها حيث من الجنوب كانت البو عجيل ومن الشرق جبال حمرين ومن الغرب مدينة تكريت ومن الشمال منطقة الفتحة، وكل هذه الأماكن سيطرت عليها داعش ليعتقل أكثر من 500 عائلة من اهالي العلم بعد ان هربت من المدينة لينقلوا الى منطقة القصور الرئاسية ليساوموا شيوخ ووجهاء العشائر: إما أن تسلموا مدينة العلم او نقتل كل هذه العوائل استمر القتال اكثر من 45 يوما سقط فيها الشهداء التي منهم اميمة الجبارة التي استشهدت وهي على الساتر، ولما نفدت الذخيرة والمؤن وكثر قصف الهاونات والخوف على اعدام العوائل المختطفة سقطت مدينة العلم في منتصف الشهر الثامن من سنة 2014م بيد داعش الذين خربوا البنى التحتية وهدم بيوت المواطنين خصوصا الذين واجهوا الارهاب حيث فجروا بيت جبارة وهم من شيوخ الجبور.
هناك اكثر من سبعة عشر بيتا وكان كذلك لبيت الملالي نصيب من ظلمهم وبيت علي الحسن ومنهم ام قصي نصيب في القتل والتشريد ولم يقتصروا على عشائر الجبور بل حتى العشائر الاخرى مثل: عشيرة العباس التي كانت تحتضن الساتر في ارضها من جهة البو عجيل وأعطت الشهداء، وكان لهم دور في انقاذ شباب سبايكر وكذلك عشيرة الجميل.
وكان لأهالي العلم دور كبير في تحرير ارضهم حيث التحق الشباب منهم بمعسكرات الحشد في سامراء مع لواء علي الاكبر وعصائب اهل الحق وفي العظيم مع قوات بدر لتكون من المدن الاولى التي يشارك اهلها في تحريرها فكان لابد ان يكون لنا تواجد (لجنة اغاثة النازحين كما كان لنا دور يوم تحريرها حيث كنا مع سرايا الحشد وتعرض موكبنا الى هجوم قبالة القصور الرئاسية ليجرح اثنين من الاعلاميين المرافقين لنا واصابة السيارات بوابل من الرصاص).
اتصل آمر لواء علي الاكبر الاخ قاسم مصلح وابلغنا بحاجة اهالي العلم للمساعدة الغذائية والصحية وبعد مفاتحة مكتب سماحة السيد السيستاني وتحصيل الاذن وتخزين المواد المطلوبة الا انه تأخرنا لزيارتهم للانشغال بنازحي اهل الرمادي التي سقطت على حين غرة لتواجه بغداد موجة نزوح غير مسبوقة، حتمت علينا ان نقدمهم بهذا الامر.
في يوم 8/5/2015 تم الاتصال بالأخ (العميد المتقاعد حسين دفار) بتنسيق الامور واخذ البيانات المطلوبة حيث كان هو من اهالي الضلوعية ومن عشيرة الجبور التي تسكن منطقة العلم تم تحميل السيارات من مخازن لجنة الاغاثة في منطقة العطيفية، وتم الانطلاق صباحا الساعة السابعة ولما كانت الكثير من المناطق غير آمنة لذلك طلبنا من السيد كاظم الجابري آمر لواء عاشوراء تأمين الحماية للوفد الذي رافقنا من مدينة سامراء الى مدينة العلم.
تخطينا مدينة بلد لتحكي الأرض عن شراسة المعركة التي دارت رحاها على تلك الأرض وآثار الدمار والقصف الجوي الذي طال كل ما من شأنه أن يكون ملاذاً للطرفين، ولم تسلم حتى المطاعم الواقعة على الشارع الرئيسي.
ولما وصلنا الى سامراء، ولاحت لنا قباب الامامين، كانت الزيارة والسلام عليهما من بعيد، ثم اتجهنا شمالاً وعيوننا تودع الامامين العسكريين C لنمر على سواتر كانت بالأمس القريب خط التحصين الاول مع العدو، ثم مررنا على منطقة الدور، كانت جدران منازلها تحكي عن سيطرة داعش، ولازالت تلك الاعلام السود التي تحكي عن ايام بلون سوادها.
عاشتها هذه المدينة والخراب ظاهر للعيان والمنطقة اشبه بالمحمية العسكرية، وشاهدنا وسط المدينة خزان ماء المدينة الكبير علامة ودليل انهزام داعش، ونصرا كبيرا للحشد والقوات الامنية.
قطعنا تلك المسافة، ولم تصادفنا الا السيارات العسكرية حتى لاحت لنا اعلام متعددة الألوان كل راية كانت لفصيل من الفصائل التي اشتركت بتحرير العلم، وكنت رأيت هذه الساحة في الزيارة الاولى وهي تزخر برايات داعش وكان التنظيم الارهابي قد اعدم بهذه الساحة سبعة عشر شابا من اهالي العلم حيث صفوا على الرصيف ونحروا ليختلط دمهم جميعا، هذا ما رسموه الاهالي بعد التحرير بلوحة جدارية كبيرة على جانب هذه الساحة.
ولنجد تجمعاً كبيراً من المسؤولين والشيوخ العشائر والوجهاء بانتظارنا بهذه الساحة، فكان استقبالاً فيه من التمجيد والاهتمام ما لا يخفى، انتقلنا معاً الى مدينة العلم التي تشتهر بعذوبة مائها وخضرة ارضها ونقاء هوائها وصفاء سمائها لنصل الى تجمع كبير للأهالي في خيمة شعر كبيرة نصبت في حديقة دار بناؤها مهدم جراء تفجير الارهابيين له، انه مضيف الشيخ خميس الجبارة احد شيوخ الجبور هناك، واخو الشهيدة اميمة الجبارة التي يعتبرها اهالي العلم مثلا في التضحية والبطولة، لنعرف عن انفسنا وسط هذا التجمع الكبير: نحن مرسلون من قبل المرجعية العليا في النجف الاشرف، نحمل امانة كبيرة وهي سلام ودعاء سماحة السيد السيستاني؛ لأنكم عراقيون لبيتم نداء فتوى الوجوب الكفائي الذي دعت اليه المرجعية في النجف الاشرف، وشاركتم بتحرير ارضكم ونفتخر ان نكون بخدمتكم كما كنا يوم تحرير منطقة العلم ونحن نرتدي البزة العسكرية مع الابطال من القوات الامنية والحشد.
كانت كلمة الشيخ خميس الجبارة: (كلنا سرور وفرح ان تكون المرجعية عندنا وان الناس الشرفاء الذين يمثلون الشريعة السماوية والكتاب الذي انزل على صدر نبينا J وهم الشريحة الأكبر والأشرف ثم انشد:
اوصيك يا صاح احفظ لنفسك علم
واقره بالطيب ورفع للمعالي علم
كلنا اجتمعنا لأجل وحدة وطنا وعلم
بس نرد لديارنا ذاك المقام العلي
من حيث حب الوطن اكرب من امي علي
حلفت بالله وبروح الرسول وعلي
من جيتوا شرفتوا ارض العلم
ثم قال: إن هذه المنطقة بكل مسمياتها وعشائرها وقفت ضد الارهاب وصدت كثيراً من الهجمات للعدو حتى انها كانت عرضة لقصف المدافع والهاونات حتى توج ذلك الصمود باستشهاد ابنة هذا الديوان، واشار الى هيكل البناء الذي تفجر، ولكنه ما زال قائما، فجروه بأكثر من ثلاثة براميل متفجرة، لكنه رفض ان ينصاع ويركع وهو اليوم يمثل الشرفاء ونحن نصبنا هذه الخيمة لنرجع الى اصلنا، وان شاء الله سنرجع ونبني ما هدمه الأعداء، وعدم استجابتنا لهم كانت عظيمة.
وبعد تناول مأدبة طعام الغذاء، كانت لنا جولة في المدينة لنطلع على جمال الطبيعة الذي شوهته مناظر الدمار والحرب، افرغ المجرمون حقدهم على تلك البيوت التي كان يسكنها من قاومهم وحمل السلاح بوجههم تركها مرغماً، والتحق بالرفيق الأعلى مع الشهداء او خرج منها مرغماً، فهذا بيت الشهيدة أميمة الجبارة المرأة التي لبست الدرع، وحملت الرشاش لتدافع عن ارضها، ترعرعت بها وعشقتها حتى استشهدت على الساتر من جهة البو عجيل؛ لتكون شاهداً على طائفة قاتلت ولم تعطِ يدها اعطاء الذليل واخرى خانت ملح هذا الوطن، وتترك خلفها ثلاثة اولاد، حينها تكلم زوجها: (نرحب بكم واهلا وسهلا بكم ونقول لكم انتم بين اهلكم وناسكم وهذه الزيارة لا توصف ولا تثمن بثمن) كانت الدار عبارة عن كومة حجر وخراب لكن اهلها يفتخرون بها لذا انشد شاعرهم:
احنا اهل خير وطيب على الساتر
احنا اهل مكرمة ولعيب غيرنا ساتر
نبغي المنافع ومن المنافع نخل
واحنا نخلنا جبد كل عدو مرنا نخل
عدنا الحراير طبع بالموت مثل النخل
شاهدنا اميمه اتموت وكوف لى الساتر
وكانت اهزوجة المهاويل والحاضرين من اهالي العلم (طارش كل للسيد كلنا اجنودك بالميدان)
ثم زار الوفد عددا من الجرحى في بيوتهم، وتم نقل سلام ودعاء سماحة المرجع وان هذا وسام فخر وتم تقديم الممكن لهم تثميناً لمواقفهم البطولية.
بعدها انتقلنا الى ساحة نادي رياضي لتوزيع بعض الحصص الغذائية على المستحقين وتخزين المواد المتبقية التي سلمت الى لجنة من الشيوخ والوجهاء وقائمقام منطقة العلم والمجلس المحلي لنغادر منطقة العلم عند الغروب.