من علم الكلام إلى علم القرآن الكريم.. رحلة في قلب المعرفة

23-04-2020
خاص صدى الروضتين
من الأشياء الجميلة أن يرفق المنجز برؤية انطباعية تعرّف المتلقي بما يحفل به من دراسات عميقة ومتخصصة وغير مسبوقة، كما لا يخلو الأمر من أبحاث جدلية يجب التوقف عندها ومناقشة مضمونها، هذا ما رافق العدد الممتاز من مجلة (دراسات استشراقية) قراءة لمدير تحريرها، فهو يرى ان أكثر الأبحاث مناقشة للجدل في هذا العدد هو: (بداية علم الكلام الإسلامي نقد لآراء يوسف فان أس)، للباحث الباكستاني الأستاذ حسن قاسم مراد، ترجمة: د. حيدر قاسم مطر التميمي.
وقد أحسن الأستاذ مراد في نقد الرأي الذي حاول فان أس تأكيده عندما أشار إلى أن علم الكلام كان قد أُسِّسَ مشافهة قبل كتاب الحسن بن محمد بن الحنفية في (الإرجاء)، ولكنه لم يتوقف عند بعض المنقولات غير الدقيقة عن محمد بن الحنفية كما لم يتوسع في التدقيق فيما نقله من كتب العلماء المحسوبين على السلطة السياسية.
أما الغاية من تركيز المستشرق الألماني على أن كتاب الحسن كان بناءً على طلب عبد الملك بن مروان لنسبة تأسيس علم الكلام إلى الخليفة الأموي، فقد نقضت بكفاءة وبيان:
أولاً: أورد الأستاذ مراد في معرض رده على (فان أس) كلاماً يريد فيه تأكيد مصادر أخرى لفكر الحسن وكتابيه (الإرجاء) و(القدرية)، ليؤكد أن دوافع الحسن ليست بالضرورة سياسية فاقتبس من طبقات ابن سعد قولاً منسوباً الى محمد ابن الحنفية فيما ذكره هو التالي: ليس صعباً الافتراض انه كره بصدق الخوارج كما هي الحالة مع السبئية.
وحتى كتابه (الإرجاء) فيما يتعلق بعلي وعثمان، قد يمتلك أساساً مسبقاً في تصريح والده الذي نسب إليه قوله انه: «بعد نبي الله، لا أشهد بخلاص أو الانتماء إلى أهل الجنة فيما يتعلق بأي شخص، ومنهم أبي الذي خلقت من صلبه». وقد كان ابن سعد (كاتب الواقدي) المضعف من معظم أهل الحديث حتى قال بعضهم: ليس بشيء هذا فضلاً عن ميل صاحب الطبقات وأستاذه إلى البرامكة والعباسيين الذين كانت سياستهم تركز على جرّ الفضل إلى ناحيتهم من بني هاشم، وزرع الشكوك بالآخرين، فلا يتسق ما نقلوه عن لسان ابن الحنفية مع مجمل ما روته مصادر موثوقة عن عقيدته في أبيه، وهو الذي حمل لواء في الجمل والصفين.
وعقيدة ابن الحنفية بأبيه معلومة وموثقة ومحفوظة له، وموقفه مع عقيدة الامويين معروف أيضاً، كتب عبد الملك: من عبد الملك إلى محمد بن علي فلما نظر محمد إلى عنوان الكتاب قال: إنا لله، الطلقاء ولعناء رسول الله J على المنابر.
ورد بخصوص الحسن بن محمد بن الحنفية وكتابه في الإرجاء فقد نقل ابن كثير انه ندم على ما كتبه، وصاحب (البداية والنهاية) معروف بميله للأمويين، وربما لذلك نجده يحتفل بالحسن ويعظم شأنه على حساب أخيه أبي هاشم عبد الله بن محمد الحنفية مع أن أبا هاشم هو الأشهر في العائلة، خصوصاً في تأسيس علم الكلام وحتى أن ابن أبي الحديد جعله في مقدمة نهج البلاغة الصلة بين الإمام علي A وأصحابه من المعتزلة فقال في نسبة تأسيس علم الكلام إلى علي A.
إلى هنا يتبين أن الناقد الأستاذ مراد كان بحاجة إلى المزيد من التدقيق في مصادره في معرض الاحتجاج ضد المستشرق (فان أس)، أما ما سميناه غاية الغاية فهو محاولة الإجابة عن سؤال أساسي لم يتعرض إليه الأستاذ مراد، وهو لم يصر فان أس على ربط علم الكلام بالأمويين والسياسة، وتحديداً مع إشارات طفيفة جداً لتأثرهم بالروم؟
الأرجح (فان أس) يسير في هذه الدراسة مسار المستشرقين من أسلافه عندما يحاول الرجوع بأي علم عقلي إلى غير المسلمين، فإذا نجح في ربط علم الكلام تأسيسا بالأمويين وبرهن على تأثر الأمويين بالروم وتقاليدهم الكلامية، يعود الفضل للأثر المسيحي على الحكم الأموي، فيحتاج الأمر إلى المزيد من التقصي بالعودة إلى النص الأصلي للمستشرق؛ لكي نبحث كيف غابت عن المستشرق الجذور الإسلامية لهذا العلم تأسيساً وتدويناً.
ودراسة القرآن عند انجيليكا نويفيرت من رهانات اللاهوت إلى تحليل الخطاب للأستاذ الدكتور عامر عبد زيد الوائلي هي تحفة بحثية وجولة علمية تستحق من المهتمين بالدراسات الجادة وقوفاً عميقاً عند محطاتها ومتابعة جادة لمآلاتها، لا ريب في أن تجريد النص القرآني من قدسيته كان ولا يزال هدفاً غربياً حاولت ان تحققه انجيليكا نويفيرت بدأب شديد وبخلفية علمانية بروستاتية هيمنت على العقل الألماني منذ بدايات الحداثة الغربية.
يستعرض الدكتور الوائلي خلفيات البحث ومنهجيته، وأبرز ما حاولت نويفيرت إشاعة كنتيجة لأعمالها في الموسوعة القرآنية في تسعينيات القرن المنصرم، يبقى أن نضيف بعض الملاحظات المفيدة في طريقة مقاربة النص.
أولاً: أن تقتضي منهجية السيدة نويفيرت أن تكون مع فريقها محيطة بالأدب الجاهلي والبيئة الجاهلية والعلوم التي كانت آنذاك صالحة لتشكيل نص أدبي بهذه الدرجة والتميز والإتقان، فلا يكفي أن تقول أن الرسول J كان يعرف التوراة والإنجيل؛ لأن المعارف القرآنية ليست هي كلها على صلة بما ورد في الكتب السابقة، وهذا شرط غير مستوفٍ من شروط منهجها خصوصاً أن بعض إشاراتها تفيد بأنها تنظر إلى عصر الرسول نظرة مختلفة عما هو متواتر في الكتب التاريخية المعتبرة.
ونزول الكتاب وتدوينه من قبل الإمام علي A والصحابة والعناية بجمعه وأسباب نزوله في حياة الرسول حقيقة تاريخية تنبئ بأن القرآن نقل الثقافة العربية من المشافهة إلى الكتابة، وهي نقلة حضارية تمنح التدوين مشروعية المصدر، ولكن إصرار الباحثة على الطبيعة نسف التراث المدون لخلق فراغ تاريخي تملأه بنظرياتها.
الأيدولوجية الصهيونية والغرب رحلة بالغة الأهمية، توضح التوالد المتتابع من الاستشراق الى الصهيونية، وصولاً الى الإسلام الموفوبيا, الباحث الفلسطيني الأستاذ اشرف بدر يأخذنا الى خبايا دوائر الاستعمار حيث تم اختراع وتنمية الأفكار المعادية للعرب والمسلمين والتقت مصالح الدول الغربية مع أحلام الحركة الصهيونية لصناعة الخوف الغربي من العرب والمسلمين .
الدكتور قاسم حسن سلهب من لبنان قدم قراءة نقدية حافلة بالملاحظات الدقيقة بكتاب بحر الخلفاء تاريخ المتوسط الإسلامي من القرن السابع الى القرن الثاني عشر ميلادي للمستشرق الفرنسي المعاصر كرستوفر بيكار.
(جمع القرآن من وجهة نظر بلاشيير)
دراسة يناقش فيها الدكتور محمد جواد اسكندرلو ما أورده المستشرق المعاصر روجيي بلاشيير حول جمع القرآن وتدوينه .
دراسة نقدية قدمها الأستاذ هشام بركات بكتاب المستشرق الفرنسي هنري بيبرس الشعر الاندلسي في عصر الطوائف هي من افضل وادق ما كتب في نقد أبحاث المستشرقين وهو يفند الأخطاء ويأتي بالقراءة والشواهد ويكشف خلفيات المستشرق من دون ان يقلل من أهمية العمل .
الجغرافيا التاريخية لكتاب رحلة الى شبه الجزيرة العربية والى بلاد أخرى مجاورة لها للمستشرق كارستن نيبور هي دراسة قدمها الدكتور انور محمود زناتي عارضا لما تميز به هذا المستشرق من دقة في التوصيف ومهارات فنية اعانته على نقل صورة دقيقة لجغرافيا اليمن ومدنها واسواقها وتجارتها ومرافئها وبعض عاداتها .
التبشير لم ينتهِ، وكل ما في الامر انه (تعصرن) من ناحية الأساليب وطريقة تناول الموضوعات ليؤكد على أفكار قديمة أهمها الطعن بمصداقية القرآن الكريم.