قراءة انطباعية... (السيرة الغيرية في المجموعة القصصية/ أنا عراقية) للأديبة والكاتبة المبدعة (منتهى محسن)
23-04-2020
لجنة الدراسات والبحوث
السرديات التي تعبر عن شخصيات حقيقية تشكل بمفهومها الإبداعي سيراً تراوحت بين الذاتية والغيرية، ومعظم شخصيات المجموعة القصصية (أنا عراقية) للأديبة والكاتبة المبدعة (منتهى محسن) هي واقعية وفيها معلومات واقعية، وهذه الواقعية لا تحتاج الى تخيل واسع وعميق؛ كون واقعها اكثر غرابة من الخيال.
السيرة الذاتية هي ما ترويه الكاتبة عن نفسها واحاسيسها ومشاعرها، أما السير الغيرية تتحدث عن شخص واحد فقط، واستطاعت المبدعة منتهى محسن من مزج السيرتين في أسلوب واحد.
في قصة (الأخ الروحي) كان بطل قصتها الدكتور حسن: (هكذا استطاع دكتور حسن ان يحتل وعلى مدى سنين قلة قلوب العائلة فرداً فرداً، بعد اقترانه بأختي الكبرى). وفي قصة (الأم قمرية) كان بطل قصتها (الحاج عودة): (كان للحاج عودة رحمة ورأفة في قلبه نحو أمّه المسنة).
نلاحظ معظم ابطال حكاياتها يتمتعون بسمات الطيبة، أي انتقاء أبطالها من رحم المجتمع بتزكية المودة، وكثرة استخدامها لـ(كان) الفعل الماضي الناقص الذي ينفع بترسيخ واقعية الواقع في زمن سابق على زمن الحكاية، وهذه الواقعية مع السمات الطيبة الموجودة في اغلب قصص المجموعة، ففي قصة (الأمل) نجد سرى في اول يوم دوامها في الحرم الجامعي وصفتها (كطائر يسافر عبر المدى الى فضاءات خارج حدود الرؤية).
وفي قصة (رحلة عاشق) قصة الشهيد يعقوب عبد الباري سهم: (للعشاق طقوس مميزة ومواقف مشرفة تنساب بصدق القلوب الهائمة وجداً)، فتبدأ حكايتها بأجواء وصفية، أما عن الشخصية أو عن الأجواء المحيطة بها، وتعد السيرة الغيرية عن حياة الأشخاص هي أحد أنواع التعبير الأدبي، حيث إعادة بناء حياة الشخصية بكل تفاصيلها، بناء على وجهة نظر أعدّتها الكاتبة عن واقع ابطال قصصها، التي هي جزء من الواقع المعاش انهم يعيشون في عمق المجتمع ويتفاعلون معه.
واستخدمت الكاتبة اللغة المحتشمة التي لا تكشف عن نفسها بسهولة وهذا هو الابداع، وانما تتمهل في إعطاء الحكاية: (صرخت عبر اول صراخاتها بالبعد الشاسع بينها وبين ابيها الغائب عن البيت منذ شهور)، سردت حكاية الولادة بتفاصيل سردية جميلة عن الولادة لتصل بنا الى لحظة الصدمة حيث صدمت متلقيها بغياب الأب منذ شهور الحمل الاولى، تمنحنا الكثير من المرونة الايحائية والدلالية، لنقرأ جملة (سأقطع لسانك وادسك في التيزاب وانثر لحمك لكلاب البرية) هذا تصريح اشاري الى ما كانت من جرائم ترتكب بحق الناس والتي كان يمارسها انذال البعث من احواض تيزاب معدة لتذويب البشر، وجرائم ثرم لحم السجناء، وجعلهم وجبة اطعام للسمك او الكلاب، هذه حقائق قد لا تقدر الكتابة ان ترسخها في ذهنية المتلقي مثلما يرسخها الأدب في ذهنية القارئ.
واستخدمت أسلوب (الأنسنة) في بعض قصصها؛ كي تستوعب لغتها الشعرية العالية (كلما امسكت بالقلم ظل واجماً دون حراك) أجد ان خصوصية الكتابة في السير الغيرية تنتهي عند القاصة منتهى محسن بنهايات مأساوية، فحسن والحاج عودة قُتلا في سجون الطاغية، وأمل تعوقت في يومها الجامعي الأول بتفجير إرهابي، ويعقوب عبد الباري بطل قصة رحلة عشق استشهد، ولكننا نلاحظ روح العنفوان الذي يحمل هموم الوطن والانسان والانتماء والهوية، لتكون النهايات عبارة عن نفحات لا تجيد الانكسار وبعض تلك القصص امتازت بالثورة مثل: قصة اشراقة روح، وقصة يوم جديد.
مبارك لمنتهى محسن هذا الإنجاز الجميل.