(محاورة في عوالم الابداع النسوي)

17-04-2020
علي الخباز
الشاعرة والكاتبة المبدعة إيمان كاظم:
«الدهشة هي أهم عنوان من عناوين الابداع،
بل هي معيار نجاح المنجز»
- دور الاعلام الملتزم في صياغته لثقافة نسوية فاعلة؟
الكاتبة إيمان كاظم:- أولاً لو تأملنا نوعية النشاط المرغوب عند المرأة اليوم من قبل الاعلام، لوجدنا اهمالاً واضحاً للأنشطة الفكرية، ومن ثم ننظر الى الاعلام الملتزم والذي بطبيعته يحتاج الى أجواء صحية ينمو فيها، وإلا فالشباب المنفعل اليوم بمؤثرات مستوردة ينظر اليه باعتباره خطاباً كلاسيكياً؛ كونهم يريدون خطاباً يتحدث عن التغيير حتى لو لم يفهم معناه وغايته وجدواه أشياء غير مطلوبة؛ كونهم يسعون الى التغيير من اجل التغيير فقط، حتى لو لم يغير التغيير شيئاً، أو ربما يغير تغييراً سلبياً.
الاعلام المطلوب اليوم اعلام فضائحي مرتكز على الغاية التي تبرر الوسيلة، على مفاهيم (اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس) البحث عن الفرقعات الإعلامية، وكلما كانت المعلومة متبهرجة كانت مؤثرة اكثر، ثقافة الاعلام الحقيقية تكمن في خطابها العقلي، وعدم انحيازها الجهوي، وبعيداً عن التعصب، فاذا فقد التأثير؛ بسبب الانفلات الجمعي نعود الى محورنا الأول.
هناك أنشطة نسوية كثيرة دينية ووطنية ثقافية وفنية، ومنها ما تفعل الرسامات اللواتي يقمن معارض رسم ومعارض الأعمال اليدوية، لكن السؤال: هل هذه الأنشطة تلبي الطموح؟ نحن نطمح لمجال أوسع ما دام لا وجود لحضور شرعي يمنع التواصل الثقافي ولقاؤنا أكبر دليل؟ بعد فوران الشارع العراقي اصبحت هناك مسؤولية تكمن أولاً في السيطرة على الفوضى الفكرية، حيث هناك تأويلات انفلاتية وتفسيرات منفلتة تخضع للعقل الجمعي التبعي للأسف.
ثانياً- على الاعلام المتزن ان يقود الخطوات نحو تعزيز معنى الحرية، وتقييم الخطاب اليوم اصبح يخضع لمؤثرات لا تعني الثقافة بشيء، لذلك صار التوجه الى الخطاب الديني؛ كونه مرتكزاً عقلانياً قادراً على الحفاظ على وحدة البلد وقوته, صارت خطبة الجمعة منطقة اشتغال بالنسبة لي تحول الاهتمام من الادب الى متابعة الخطاب السياسي والاجتماعي من خلال خطب الجمعة قراءتها نقدياً، تفكيكها الجملي، تراكيبها مؤولاتها.
- يرتكز معظم الخطاب النسوي على المباشرة وحصر جميع الأساليب بها، في حال نجد في كتاباتك سعة دلالية ايحائية، حتى صرنا نعتقد أن هناك جذراً حياتياً ايحائياً يتنامى مع الطفولة والتربية البيتية؟
الكاتبة ايمان كاظم:- اللغة الايحائية في الجانب الادبي موجودة، ولا يمكن الاستغناء عنها، أما في الشأن الخاص -أي في بيتي- كان ابي (رحمه الله) يمتلك مكتبة كبيرة وله شغف عال بالقراءة، ويكتب أيضاً، كنت انا اصغر بناته وامينة مكتبته، فنشأ الأسلوب الايحائي بالتعامل؛ كي لا يحسس اخواتي بتفردي عنهن، بامتلاكي تلك الخصوصية الروحية لديه.
الأب ذكي في التعامل، أما الإيحاء كمضمون انساني, المبدع عبارة عن متأثر أولاً بما يرى ويقتبس من المشاهد المتراكمة في نفسه، وعند الابداع يؤدي الشكل اللاقصدي أي بمعنى ان القصدية في الكتابة تفقد الكاتب حدس الابداع، والمباشرة القصدية لا تمنحه فرادة؛ كونه اديباً، وانما يصبح شاهداً عابراً حاله حال بقية الشهود.
عملية موازنة بين الخيال والوعي، انا لا استطيع أن أكتب شيئاً لا اشعر به، البعض يقرأ ويفهم ان الغواية بمفهومها السلبي يتصور ان كل ما يكتب هو عبارة عن كذب وزيف مشاعر، وانا ككاتبة اكتب مشاعري، احاسيسي، وجداني مع الأشياء، لكن السؤال المهم: هل الشعور واقع أم خيال؟ ممكن أن ننتبه الى خاصية الأنسنة في حياة الانسان (إنسانية قلم –مثلاً-، وجدان المطر، حكمة الطريق)، وتكون معان كثيرة في حياة الانسان، الحياة جميلة رغم كل معاناتها؛ كون فيها جوانب مضيئة وهي عبارة عن قاعة امتحان لمدخل اخروي, يمكن ان يرى الإنسان لا وجود للوهم وكل ما يمر في البال واقع.
كان ابي (رحمه الله) يزودني بعافية الصحو، وكان يقول لي: ضعي نفسك في عمق المتلقي قبل الكتابة, المجموعة الشعرية التي أصدرتها أفرحتني، لما توجتني من مسؤولية. مشكلتي اني ابحث عن الدهشة، ولا استسيغ سوى الدهشة، والدهشة هي اهم عنوان من عناوين الابداع، بل هي معيار نجاح المنجز.
فرحت كثيراً؛ لأن مجموعتي ترجمت الى لغة أخرى، وبشكل طوعي، تلك جائزة إبداعية، وقبل الختام أقول: تحولت الكتابة من مهمة الامتاع الى مهمة التصدي، ولا يعني التخلي عن مهمة الابداع فقدان مقدرة، وانما صهر عملية الامتاع في مكونات التصدي، وهذا من متطلبات الواقع، تحياتي الى صدى الروضتين وقراءها.