قراءة انطباعية لكلمة وكيل المرجعية الدينية العُليا بمناسبة تفشي فايروس كورونا المستجد في العالم هل ما تتعرض له الأمة الآن هو ابتلاء على البشرية أم ماذا؟
06-04-2020
طارق الغانمي
إن التاريخ الإنساني عبر الزمن تعرض إلى جملة من الابتلاءات والأزمات عصفت بالمجتمعات، وانعكست معطياتها على ابداعات الفكر الإنساني، وأدت إلى إنتاج تحولات نوعية عن طريق التفكر السلوكي للبشرية، وما نتج عن هذه الأزمات من تداعيات أثرت سلباً على بنية المجتمع الواحد، وولدت حالة من التصدع والانحلال.
وحسب المعطيات التي أفرزتها الظروف الآنية للعالم، وما تمخضت عنه هذه الابتلاءات من أحداث وتداعيات هزت كيان العالم بأسره، أبرزها ظهور وتفشي (فايروس كورونا) في بداية هذا العام المنصرم أي (2020م)، ووصول انتشاره بشكل كثيف بين مختلف دول العالم وأخص بالذكر: (الصين، وايران، وايطاليا)، وغيرها، وبشكل متدنٍّ في بعض الدول الأخرى ومنها عراقنا الحبيب.
تساؤلات في هذا الحدث من هنا وهناك؟ تختلف التفسيرات الغيبية لهذا الوباء المستجد، بين من يراه (عقوبة) إلهية؛ بسبب ارتكاب الذنوب والمعاصي، وبين من يراه (امتحانا) إلهيا ليُعرف صبر الإنسان واستقامته وإيمانه.
ولكن: كيف نميِّز الوباء، هل هو امتحان أم عقوبة؟
فأجاب المتولي الشرعي للعتبة العباسية المقدسة سماحة السيد أحمد الصافي (دام عزه)، عن هذا التساؤل الذي طرحه الشارع العراقي والعالم الإسلامي عموماً، وهل ما تتعرض له الأمة الآن هو ابتلاء على البشرية أم ماذا؟
وجاء جواب سماحته خلال كلمة ألقاها في صحن المولى أبي الفضل العباس ع في يوم الجمعة المصادف (6 آذار 2020م – الموافق 10 رجب الأصب 1441ه)، توسمت بعنوان: (التقرب إلى الله (عز وجل) لرفع البلاء والابتلاء)؟ وحسب المفهوم الديني لهذه القضية، قائلاً:
«بدءاً أن الله سبحانه وتعالى يحب عباده (يا حَبيبَ مَن تَحَبَّبَ إلَيكَ)، والإنسان يحتاج إلى الله تعالى في كل آن وفي كل زمان، وبما أن في بعض الحالات الإنسان قد يغفل ويبتعد عن خالقه؛ نتيجة الثقة الكبيرة بنفسه الزائدة عن الحد، أو نتيجة إنشغاله بأسباب أخرى قد تكون طبية أو غيرها.
إن الله تعالى لا يريد للعبد إلا الخير، وبالنتيجة إذا خرج العبد عمّا أراده الله تعالى فإنه ينبههُ عدة مرات، لعل هذا العبد يرجع إليه.
الكثير من الناس بتصرفاتها قد نست الله تبارك وتعالى، وهذا النسيان مقصود به في العمل، اتكلت على أنفسها ونسيت اللقاء الحتمي الذي تواجه الله تبارك وتعالى فيه، عملت في الدنيا الكثير من المعاصي والذنوب والظلم، وأراد الله تعالى أن ينبه عباده بما يجري اليوم من بلاء.
فلو لاحظتم في سورة يونس المباركة، هناك آية وهي أيضاً واردة في دعاء الطاعة المنسوب إلى الإمام المهدي f الذي يتضمنها: «إِنمَا مَثَل الْحَيَاةِ الدنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاه مِنَ السمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَات الْأَرْضِ مِما يَأْكل الناس وَالْأَنْعَام حَتى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْض زخْرفَهَا وَازينّتْ وَظَنّ أَهْلهَا أَنهمْ قَادِرونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نفَصل الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكرونَ» (يونس/24).
التاريخ يعيد نفسه والحوادث تجري، فالإنسان كلما يبتعد عن الله (عز وجل) على ماذا يتوقع؟ أكيد يتوقع المزيد من التنبيهات لعله يرجع، فإذا لم يرجع، الله تبارك وتعالى ينزل به العذاب، ومثلما تعلمون أن الموت دائماً على الأبواب، فالإنسان وهو في تمام الصحة قد لا يعلم وقت موته لعل بعد ساعة أو دقيقة لا يعرف ماذا يحصل له؟ فلابد من الإنسان أن يكون مستعداً.. نعم، ففي بعض الحالات قد يكون البلاء رحمةً للناس كي تنتبه، الفرق بين موت الفجأة وبين ترقب الموت هناك فرق كبير، وعلى الإنسان أن ينتبه ويترقب الموت، وأن يتهيأ للبلاء الذي يدفعه بالعودة والتوبة إلى الله تعالى.
على المؤمنين في كل مكان وحتى في البيوت أن يعقدوا مجالس التوبة والاستغفار وإرجاع الظلامات والتوجه إلى الله تعالى، حتى يكشف هذه الغمة عن هذه الأمة، لاحظوا قوله تعالى: «فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانهَا إِلا قَوْمَ يونسَ لَما آمَنوا كَشَفْنَا عَنْهمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدنْيَا وَمَتعْنَاهمْ إِلَى حِينٍ» (يونس/(98).
الإنسان عندما يأتيه هذا البلاء عليه أن ينتبه وأن يشارف بالانتقال من الدنيا إلى الآخرة، وقد جعل الله الموت غير معلوم بالنسبة إلينا حتى نكون دائماً على أهبة الاستعداد، لذلك علينا أن ننتبه وأن يكون هذا الفايروس الذي ضرب الأمة مدعاة لنا للجوء إلى الله تعالى، اليوم لا تنفع إلا رحمة الله تعالى، نعم على الإنسان أن يؤمن بالأسباب الطبيعية، والله أبى أن تجري الأمور إلا بأسبابها، لكننا نحن كمنظومة دينية تؤمن بالغيب أن الله تبارك وتعالى يكشف البلاء ويرفع الغمة، وكم من مشكلة مرت بها الناس -أفرادا وجماعات- الله سبحانه وتعالى رفع الغمة عنها وكأنها لم تكن، لكن يحتاج فقط بالإقبال على الله تبارك وتعالى.
أحبّ أن أركز في قضية أن الله يحب عباده وعلينا أن نحبه: «قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ» (آل عمران/ 31)، كما أنه سريع الرضا كما ورد في دعاء كميل، ولكن ذلك يحتاج منا إلى أن نتقدم خطوة إليه تعالى، فعلينا أن نتوجه إلى الله (عز وجل)، وإلى النبي J، وإلى الأئمة الأطهار ع ونسأله أن يرفع بهم البلاء والأمراض عن هذه الأمة.
اللهم أنّا نسألك أن تدفع عنا البلاء، وأن ترينا في أهلنا في كل مكان خيرا، اللهم اجعلنا من الذين يقبلون قدرك وقضاءك التي توجههُ لنا ونسلم إليك الأمر، وأن ترحمنا بحق بركة شهر رجب الأصب الذي تنزل فيه الخيرات، اللهم ارحمنا برحمتك الواسعة يا من يقبل اليسير ويعفو عن الكثير، اقبل منّا اليسير واعفُ عنّا الكثير، إنك أنت الغفور الرحيم.
اللهم ارحمنا برحمتك، واكشف عنّا العذاب، إنّنا مؤمنون بمحمد وآله، ونسألك تمام العافية والسلامة للجميع بمحمد وآله الأخيار، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين».
لو أخذنا هذه الكلمة من جانب انطباعي عقدي، نصل إلى: أن في كلِّ حدث أو مصيبة، يتعامل الإنسان معه وكأنه امتحان، أو أنه عقوبة، أي (بلاء) و(ابتلاء)، ففي الامتحان (البلاء)، لابد أن يعرف الإنسان وظيفته الشرعية والعقلية، ليقوم بها على النحو ما يحدده وما يجب أن يفعله أوان حدوث الحدث.
كشف سماحته: في العقوبة (الابتلاء)، لابد أن يبحث الإنسان في ماضيه وحاضره عن أخطائه ومعاصيه وآثامه وذنوبه، فيصححها بفعلٍ أو توبةٍ، أي يحدد ما يجب أن يفعله تجاه (الذنوب)، وبهذا يتحول حدث (الوباء) إلى نعمة حسنة للإنسان، ويزداد به إيماناً وتقوى، ويكتشف مواضع النقص والضعف فيه، ويبدأ بتصحيح مساره نحو الخلاص من الابتلاء.
وكما في الأفراد كذلك في المجتمعات، إذا نزل بها أمرٌ، لابد أن تنظر إلى كيفية التعامل معه من جهة، ومن جهة ترجع إلى الوراء فتنقد نفسها بشجاعة، لتتعرف على اخطائها فتتوب منها وتُصلحها.
سماحة السيد الصافي رصد في هذه الكلمة، أن هذا الوباء الجديد (كورونا)، من جهة امتحان إلهي، لنرى كيف نتصرف فيه؟ هل نفقد ثقتنا بربنا؟ هل نفزع إليه؟ هل نلتزم بما يمليه علينا العقل والشرع؟ هل نفكر بغيرنا أم لا؟
ومن جهة أخرى، قد يكون (عقوبة) إلهية، لتركنا الواجبات والأخلاق، لتفشي بعض المعاصي فنتوب إليه، والأخذ بالأسباب واتباع الخطوات الصحيحة للعودة إلى الله تبارك وتعالى.
وأشار سماحته إلى عدة آيات مباركة للعمل بالواجبات وتصحيح الأخطاء والتوبة إلى الله (عز وجل)، مرشداً الجميع إلى التمسك ببعض أدعية أهل البيت ع للإجابة السريعة في رفع الغمة عن هذه الأمة، ورفع هذا الابتلاء الرباني الذي قد يرجعنا إلى سكة الشريعة السماوية السمحاء وترك العنف، ونبذ كل ما يدعو إلى الابتعاد عن الله تبارك وتعالى، وهي دعوة صريحة إلى المجتمعات أفراداً وجماعات إلى الأخوة والمحبة والمودة والدخول في السلم.
ليختتم سماحته هذه الكلمة بالدعاء والتضرع إلى الله تعالى ورحمته الواسعة للوقاية من هذا الوباء، وهو واضح بأنه يحث الجميع على الدعاء للتحصين من العقوبات والامتحانات الإلهية، والدعاء من الأشياء المهمة والأساسية التي ترفع البلاء عن الإنسان، ويمكن للإنسان أن يحصّن نفسه بجملة من الأدعية المباركة والغنية الموجودة في تراث أهل البيت ع.