الـمـحــــــلات الـبـغـداديــة
03-04-2020
السيد عبد الملك كمال الدين
اشتهرت بغداد القديمة بتنوع أسماء محلاتها وشوارعها، ومن أهم تلك المحلات البغدادية محلة الشورجة القديمة في وسط بغداد من صوب الرصافة، وقد اختلف علماء تأريخ المدن في أصل تلك التسمية، ويقول الأستاذ المؤرخ والبحاثة في مجال تاريخ المدن العراقية ومحلاتها القديمة الأستاذ سالم الآلوسي أن أصل اسم الشورجة هو (شيرج) أو (الشيرجاه)، وهي تسمية لنوع من أنواع الزيوت النباتية، والمستخلصة من بذور السمسم، أي دهن السمسم، حيث كانت هناك عدة معامل حجرية يديرها اليهود في محلة الشورجة، في الجانب الشرقي من بغداد، وهؤلاء اليهود جلبوا أحجاراً كبيرة من شمال العراق، وحملوها إمّا على ظهور البغال أو حملوها في الكلكات النهرية في نهر دجلة، واستجلبوا عمال (نقارة) وهم من أمهر العمال المختصين في نقر الحجر، لعمل اسطوانات على هيئة عمل حجر (الرحى) المستعملة في طحن حبوب القمح والشعير، وهؤلاء العمال الحرفيون يُستقدمون من إيران أو أفغانستان، لذلك وحسب قول الأستاذ سالم الآلوسي أن اليهود حصراً امتهنوا هذا القطاع من صناعة زيوت بذور (السمسم) في المحلة التي سُميت بهذه التسمية (شورجاه) أو (شورجة) لسهولة التسمية.
ومما يذكر أن العلامة المؤرخ الدكتور مصطفى جواد ذكر أن أصل تسمية محلة الشورجة متأتٍ من اسم (شوركاه) التي تعني لغوياً محل (الشوره) أو الماء المالح حيث كانت هذه المناطق من بغداد تكثر فيها البرك ذات الماء المالح، وكانت تتوسطها بئر مالحة مشهورة وقتها باسم (بئر الشورجية)، وبمرور الزمن حُرفت التسمية الى محلة الشورجة.
وحقيقة مقالة الأستاذ الآلوسي أقرب الى واقع التسمية، حيث أن اليهود قديماً مارسوا هذه المهنة في مدينة الموصل القديمة، واكتسبت إحدى محلاتها هذه التسمية أيضاً ثم مارسوا هذه المهنة في مدينة بغداد، وفي هذه المحلة (الشورجة) وازدهرت هذه الصنعة وليومنا هذا وفي مدن عدة عراقية، ومدينة اللحلة اشتهرت بجودة انتاج زيت الراشي، ومما ساعد في انتشار هذه الصنعة كثرة مزارع نبات السمسم في العراق، وبأجود الأنواع، ويعرف الجميع أن أحبّ أكلة بغدادية أو مصلاوية أو حلاوية هي خليط الراشي والدبس في كل الأوقات، لاسيما في الأيام الباردة.