رأيـت مـنـبــــــراً
14-03-2020
لجنة المناسبات
رأيت في منامي منبراً، وعليه هالة نور، وجّه خطابه اليّ وقال: اسألني؟ قلت: أسأل ماذا؟ أجاب: اسأل ما تريد؟ بعد برهة تفكير قلت له: قرأت يا سيدي لمجموعة من المفكرين فهم يرون أن دور الامام المجتبى ع كان حساساً وصعباً أكثر من دور سيد الشهداء ع.
أجابني المنبر: لأن الإمام الحسن كان عليه أن يهيء الأرضية الصالحة للنهضة المباركة. قلت: لكنهم يقولون أن مسؤوليته أهم من مسؤولية الامام الحسين ع؟ أجابني المنبر: هل للإمامين الحسن والحسين ع هدفان مختلفان ونمطان متعاكسان من التفكير؟
قلت: لا، بل كانا على هدف واحد، ولكن قاما بأسلوبين مختلفين، كل بمقتضى شرائط زمانه، وحسب امر الله (عزّ وجل)، فالإمام الحسن ص هيأ الأرضية الصالحة للنهضة المباركة، وأن الامام الحسين ع قام بتلك النهضة الحقة؛ لأن النهضة تحتاج الى اعداد وتخطيط منظم ودقيق مثلها مثل ما عاش النبي ص كان شجاعاً مجاهداً لكنه في مكة المكرمة قام بتهيئة الأرضية المناسبة للأمة الإسلامية، فوضع الأسس في مكة، وقام بمرحلة التنفيذ والتطبيق في المدينة، فلو لم ينهض الامام الحسن بالموقف المناسب لم يتمكن الحسين من القيام بنهضته المباركة، ولذلك نجد أن الحسين ع تحمّل تسع سنوات يهيء ويعد الأرضية الكاملة للقيام والنهوض، وقال لي المنبر بعد برهة صمت ليمنحني فرصة استيعاب الحالة: قسم من الأنبياء حاربوا وجاهدوا ضد الطواغيت، وقسم آخر تجنب الحرب، وسعى في اعداد المؤمنين، لقد قام الامام الحسن والامام الحسين ع بأداء رسالة واحدة نصف تلك الرسالة أعدّها الامام الحسن ع، والنصف الثاني قام بأدائه الامام الحسين بقيامه المقدس والمؤمن.
قلت للمنبر: لديّ سؤال يحتاج الى توضيح: كيف تكون مهمة الامام أصعب من مسؤولية الامام الحسين ع؟ أجابني المنبر: لا تفضيل بينهما، فالأمر يقال بالاعتداد بنهضة الامام الحسن ع البذرة تنمو تحت التراب ويشتد عودها فتخضر وتورق وتزهر، وتعطي ثمارها، البذرة قبل النمو هي التي تعطي جمال ورائحة ولون وطعم الشجرة، من هنا يعرف مدى أهمية مسؤولية الامام الحسن المجتبى ع ودوره العظيم الذي كان يشكل القسم المهم من النهضة المباركة، وان رسالته ورسالة أخيه الامام الحسين كانت واحدة، فلذلك انه ورد انه اعلى مرتبة من الامام الحسين ع.
سألته: ومعاهدة الصلح؟ اجابني المنبر: تسلم الامام الحسن ع مقاليد الأمور بعد استشهاد ابيه ع، كان يعلم علم اليقين بحقيقة اهل الكوفة، وما صنعوه بأبيه من قبل، لذا كان الخيار ليس الحرب والمواجهة والحرب في الميدان، وانما المواجهة والحرب على الصعيد النفسي والضمير، فكانت الثورة وكانت الهزة العنيفة في النفوس للتنبيه لواقع الفاسد عن الاعلام الاموي المسموم والضال في الكوفة دفع بالكثير من أصحاب واعداء الامام ع للتخطيط والعمل على اغتياله إرضاء لمعاوية بث الدعايات المسمومة والمغرضة، مما أدى الى انقلاب الواقع والحقيقة وانتصار الشر على الخير، فما هو مألوف لدى عرب الجاهلية والقبلية على مر السنين وتصاعد الموقف المتأزم بينهما، حتى وصل الى إحالة اعلان الحرب، لكن خيانة قائد الجيش عبيد الله بن العباس الذي التحق بركب معاوية لقاء رشوة وخيانة زعماء القبائل في الكوفة وقوة جيش العدو ضعف معنويات جيش الامام والدعايات والاشاعات التي بلبلت ذهنية المجتمع العراقي، واقع ممزق وجد الامام ع أن المصلحة العليا تقتضي عقد معاهدة هدنة مع طاغية محتال حقناً للدماء، وحفظاً لمصالح المسلمين والدين الإسلامي، فوقع معاوية على معاهدة صلح متحملاً شروطها بالمحافظة على الشيعة ومحبي أتباع أهل البيت ع، وترك المسلمين يكشفون معنى معاوية الحقيقي، فانكشف الغطاء عن فوضى وكشف عالم فوضاهم بالهدنة ليحفظ الشيعة عن جرم الطاغية، فهو يقول لحجر بن عدي: «ليس كل الناس تحب ما تحب وانا ما فعلت ذلك الا إبقاء عليك، والله كل يوم في شأن، ما أردت من الهدنة إلا أن أدفع عنكم القتل وقبلت الهدنة مع معاوية وانا مؤمن عن عدم اهليته لإمامة المسلمين».
قال المنبر: سأحدثك عن مسالة مهمة، جاء وفد من الكوفة يطلب نقض العهد والرجوع الى الحرب، ولكن الامام ارجعهم بخطة تقوم على الركون بانتظار الظرف الملائم، اعتبر طه حسين هذا اللقاء هو اليوم الذي أنشئ فيه الحزب السياسي المنظم لشيعة علي وبنيه وأهداف الحسن ع هي التي بقيت خالدة وعلى مر الأزمان.