مكامن القوة في الطود العظيم
29-02-2020
طارق الغانمي
رغم بُعد الأيام بإمام ربيع الأنام صاحب الزمان عج، ورغم الأحداث والصعاب التي تُمارس على اتباع أهل البيت ع؛ إلا أنّ الله (عز وجل) قيّض للأمّة رجالاً تصونها من الضّياع والاندثار، وتشد من أزرها، وتأخذ بأيديها نحو الخير والصّلاح.
وجاء في بحار الأنوار عن الحجة بن الحسن ع: «كلمّا غاب عَلَمٌ بدا عَلَمٌ، وإذا أَفَل نجمٌ طلع نجم»، لقد تواصل هذا النهج على يد ثلّة مختارة من المؤمنين المسددين منذُ بداية الغيبة الكبرى وإلى يومنا هذا، فيقول ع في وصيته إلى شيعته الأبرار: «أما الحوادث الواقعة فأرجعوا فيها إلى رواة حديثنا فأنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله، فليعمل كل مرئ منكم بما يقربه من محبتنا ويتجنب ما يدنيه من كراهتنا وسخطنا» (الغيبة/ الطوسي).
لعل الفلسفة من وراء تجربة سفراء ونواب الإمام عج بعد غيبته تنهض بمهمة تربية الأمة وإعدادها عملياً على مفهوم اختفاء الإمام الثاني عشر عج عن مسرح الحياة وتعويد الأمة على هذه الحالة.
والمتتبع لحياة السفراء الأربعة أثناء الغيبة الصغرى للإمام المهدي f لم يقيموا بأي أعمال أجتماعية، مما يكشف عن طابع الحذر والتكتم اللذين كانوا يلتزمون بهما، في المقابل لم يذكر التاريخ على انفتاح هؤلاء على الحياة السياسية المذهبية بشكل عام.
إن الهدف الرئيسي للسفراء هو القيام بواجبات السفارة حال الغيبة والتي تتلخص في نقطتين: الأولى: تهيئة المجتمع للغيبة الكبرى وتعويدهم عليها لكيلا يتفاجؤوا بغيبته وإنكاره ع، أما النقطة الثانية تستدعي القيام بما يتلاءم مع رأي الإمام المعصوم وتطلعاته.
واليوم لو لاحظنا في حياة المرجع الأعلى للطّائفة آية الله العظمى السّيد علي الحسيني السيستاني دام ظله، الذي بقي مدة طويلة في النجف الأشرف بعيداً عن الأضواء والإعلام، حتى شاءت القدرة الإلهية أن يسطر للعالم المواقف الخالدة التي كانت بمثابة صمّام أمان لهذه الأمة من الفرقة وإيقاف حمامات الدم الذي أحبّ الأعداء أن يظل هادراً.
وعلى هذا الأساس تواصل المرجعية الدينية ظهورها بالوضع الاعتيادي بين الناس وبصورة طبيعية وسهلة جداً، ويكون تعاملها مع المرحلة الراهنة على ضوء متطلباتها مع زيادة في الحيطة والحذر.
وأصبحت من مكامن قوة الأمة في العراق هو في التفاف الشيعة والسنة حول موقع المرجعية العُليا، إذ لا توجد قيادة إسلامية جماهيرية نافذة الكلمة في الملايين من المسلمين إلا قيادة المرجعية، إذ أن لكلمتها في الأمر والنهي الموقع الأول في التأثير، ففي ظروف الحياة وجدت حنكة السيد السيستاني دام ظله وحكمته العميقة في كلا الميدانين السياسي والاجتماعي مجالها الملائم، فإذا هو ينتقل من تصحيح مسيرة المجتمع وأصلاحه، إلى تقويم الاتجاه السياسي في تخطيط رفض الفاسدين وتحديد هوياتهم والحفاظ على تطبيق القانون ومكافحة الرشوة بصورة عامة والمحافظة على الحريات العامة والخاصة.
على الأجيال أن تدرك حقيقته فهو الطود العظيم في النجاة وهلاك الفساد والمنحرفين، كما كان موسى ع في قومه لمّا تمادوا على كفرهم وطغيانهم واتباعهم لجبروت فرعون ومخالفة رسول الله وكليمه موسى بن عمران ع، فأقام الله تعالى عليهم بينات وحججاً عظيمة وأراهم من خوارق العادات ما بهر الأبصار وحيّر العقول وهم مع ذلك لا يرعوون ولا ينتهون ولا يتعظون، قال الله تعالى: «فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ» وهذه آية وبرهان عظيم على قدرة الله (عز وجل) الفائقة وصدق رسوله بما أتى به عن ربه من الشريعة والمناهج المستقيمة والدلائل الواضحات، والعاقبة للمتقين.