المرجعيّةُ الدينيّةُ العُليا: نحتاجُ الى حاكمٍ ومسؤولٍ صادقٍ للخروج من واقعِنا المأساويّ الذي نمرّ به

01-02-2020
شبكة الكفيل العالمية
بيّنت المرجعيّةُ الدينيّةُ العُليا أنّه إذا أردنا أن نفتح لأنفسنا ومجتمعنا ووطننا باباً واسعاً نخرج به من واقعنا المأساويّ الذي نعيشه، فإنّنا بحاجةٍ الى حاكمٍ ومسؤولٍ صادقٍ يكون صادقاً في التزاماته ووعوده وفي التكليف الذي كُلّف به في رعايته لرعيّته.
جاء ذلك خلال الخطبة الثانية من صلاة الجمعة المباركة هذا اليوم (21 جمادى الأولى 1441هـ) الموافق لـ(17 كانون الثاني 2020م)، التي أُقيمت في الصحن الحسينيّ الطاهر، وكانت بإمامة سماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائيّ (دام عزّه)، وهذا نصّها:
أيّها الإخوة والأخوات نتعرّض في هذه الخطبة الى فضيلةٍ اجتماعيّةٍ وأخلاقيّة مهمّة، وبيان آثارها على الفرد والمجتمع في الحياة الدنيا والآخرة، ونتعرّض الى الرذيلة المقابلة لها وآثارها السيّئة في الدنيا والآخرة، ألا وهي فضيلة الصدق وآثاره في الحياة الدنيا.
أيّها الإخوة والأخوات نلتفت الى هذه الأوصاف والمكانة والمنزلة لهذه الصفة وهي الصدق، فهو يُعتبر في مقدّمة الفضائل النفسانيّة والأخلاق الرفيعة، لماذا؟ لأنّه زينةُ اللّسان والكلام ومبعثٌ للاستقامة والصلاح، ومبدأٌ مهمّ للتماسك الاجتماعيّ ومؤشّرٌ للرقيّ الحضاريّ، سببٌ للنجاح والسعادة في الدنيا والنجاة في الآخرة، لذلك كانت هذه الفضيلة موضع اهتمامٍ وعنايةٍ وتمجيد في جميع الشرائع السماويّة الإسلام وغيره، وموضع اعتناءٍ وعمل من قِبل الحكماء والعقلاء، بل إذا تأمّلنا في بعض الأحاديث الشريفة التي بيّنت منزلة الصدق، نجد أنّ هذه الفضيلة في الواقع تُعدّ معياراً وميزاناً نختبر منه وعي الإنسان المسلم، وعيه لجوهر الإسلام وحقيقة الإسلام، وتعتبر أيضاً معياراً لصدق الإيمان، هل أنّ هذا الإنسان الذي يدّعي الإيمان والإسلام هو إيمانٌ مجرّد لقلقة لسان ومجرّد ظواهر، أم أنّه لا.. هناك باطنٌ في داخل هذا الإنسان يؤمن بالإسلام وبجميع مناهجه.
التفتوا الى هذه الحديث المهمّ عن الإمام الصادق(عليه السلام): (لا تغترّوا بصلاتهم ولا بصيامهم، فإنّ الرجل ربّما لهجَ بالصلاة والصوم حتّى لو تركه استوحش، ولكن اختبروهم عند صدق الحديث وأداء الأمانة)، على الرّغم من الأهمّية الكبرى – ولا شكّ في ذلك - للصلاة والصوم في نظر الشريعة الإسلاميّة، إلّا أنّهما لا يُعدّان لوحدهما مقياساً ومعياراً نختبر منه صدق الإيمان لدى الإنسان المسلم، فكثيرٌ ممّن اعتاد أن يُلازم الصلاة والصوم لأنّه اعتادهما، ولكن أيضاً نراه في نفس الوقت أنّه استسهل واستهان بالكذب، يكذب في علاقاته الاجتماعيّة، يكذب في عمله وفي مواعيده وفي عهوده وفي مواثيقه وفي كثيرٍ من الأمور، هذا الكذب من الأمور السهلة والهيّنة لديه مع أنّه مكثرٌ للصلاة والصوم.
إذا أردنا أن نختبر أنفسنا: هل نحن صادقون في إيماننا وواعون لحقيقة وجوهر الإسلام والإيمان؟ علينا أن نختبر أنفسنا في هاتين الصفتَيْن: صدق الحديث وأداء الأمانة، الصدق بالمعنى الأوسع والأدقّ: هو التطابق والتوافق بين الكلام والواقع، لكنّه يشمل أيضاً الفكر والمعتقد والنيّة والقصد والعمل والأخلاق، هذه مجالاتٌ واسعة يدخل فيها الصدق، أحياناً قد يكون الإنسان صادقاً في لسانه، لكنّه ليس بصادقٍ في عمله، قد يكون الإنسان صادقاً في كلامه، لكنّه ليس صادقاً في أخلاقه ودعوته، يدعو الى شيءٍ وهو لا يلتزم به، قد يكون صادقاً في ظاهره، ولكنّه كاذبٌ في نيّته وعزمه، لذلك الصدق في المعنى الأوسع والأدقّ وفق الآيات القرآنيّة والأحاديث الشريفة يشمل جميع هذه المجالات.
وهناك آثار اجتماعيّة وفكريّة وثقافيّة وعباديّة على الالتزام بفضيلة الصدق، منها:
إنّ الصدق يعزّز الثقة بين الناس في العلاقات الاجتماعيّة، وحتّى يُعطي الأمان والاطمئنان في المعاملات الاقتصاديّة، حينما يكون الإنسان صادقاً والمجتمع صادقاً تكون هناك ثقةٌ بين الناس، أو عندما يكون الإنسان صادقاً في كلامه وفي أخباره في الوقائع التي ينقلها، حينئذٍ ستكون هناك ثقةٌ بين الناس وتتماسك العلاقات الاجتماعيّة، التي تؤدّي الى التماسك الاجتماعيّ والتعاون الوثيق والتفاهم والانسجام.
نحن جميعاً حتّى نستطيع أن ننجح في حياتنا الاجتماعيّة والاقتصاديّة والثقافيّة، نحتاج الى هذه الفضيلة؛ لأنّها تعزّز الثقة وتؤدّي الى التعاون وهذا الشيء المهمّ، لا تقوم أيّ قائمةٍ لأيّ مجتمع سواءً كان متديّناً أو غير متديّن.