كربلاء القلب.. الفصل الأول (الطريق الى كربلاء)

01-02-2020
اللجنة الادبية
(مسمع):
رسول الحر: وصل كتاب ابن زياد تواً إليك، ابن زياد: لا بأس أن استعرت عواء الذئب، وأتوجس كل نيزك على بعد سماء، وهذا عهد يا حسين، أن لا أتوسد الوثير، وسأقولها جسورة بمنطق غراب، وأن لا أشبع من خمر إلا وأن أراك في قاع الذلة، ترضخ مطأطأ الرأس لحكم يزيد والسلام.
الحسين: هو الليل وإن ظهر في عز نهار، فلا أفلح من توسم في مرضاة مخلوق مرقاة، فوالله ليس أمامه سوى الحضيض.
الرسول: ولكي يعرف مولاي الامير بأي اتجاه يسير وهو يطالبك الجواب.
الحسين: حرام أن أصافح هذا الذليل بكلمة، ماله عندي جواب يصل إلى حد مهانته فقد حقت عليه كلمة العذاب.
(مسمع):
ابن زياد: يا بن سعد، الحسين بن علي عن أي غضب جاء يبحث فيّ هذا الحسين، من حقي الآن أن أحمل كل هوج الدنيا في رأيّ، أيعقل أن يكون انسان بهذا الجبروت، من يخذله الناس يضعف، تلك حقيقة أعرفها وأؤمن بها منذ أول حرف خطه الإنسان ليزيح عنه الجهل، يا لهذا العنفوان. أيهزأ بي دون أن يضع لهيبة الملك اعتبارا، اذن ما نفع هذا العرش اذا لم يقدر أن يحمي أميراً، أريدك أن تخرج الان إلى كربلاء.
ابن سعد: رويدك عليّ أيها الأمير، تعاملني كما يعامل الاسارى بعد جعجعة السيوف، وكأن سيفي مثلوم، وكأني لست ابن تأريخ، تأريخ ابي الذي غفا تحت سعفات النخيل، أرجوك احتمل زعلي أيها الأمير، فأنا عبد أؤمر فأطيع، لكن لكل صولة رجاءان، وعند كل مجلس حديث، انت أرسلتني الى حمام أعين، وهناك عسكرت بأربعة آلاف فارس لتحرير (دستبي) من الديلم.
ابن زياد: ومنحتك عهداً بولاية الري، وثغر (دستبي) والديلم، هذه أشياء اعرفها ولا أقيم لها وزناً؛ لأن الداخل يتآكل عنيفا، فالحسين في كربلاء، أتعرف ما يعني ان الحسين في كربلاء، والله أشعر أن سيفه يلكزني، إن قمت أو قعدت، فلا يغفو لي جفن، والحسين ينظر إلينا نظرة سخف وكأننا جمع بلهاء، نسرح في عرش لا قوائم لديه، فأي دستبي تحدثني عنها وفي الجوف نار تسعر اسمها كربلاء.
ابن سعد (مع نفسه): انها تجاعيد لهاث اغبر، (مع ابن زياد) محنة هي يا أمير، محنة لا يستتب لها وجه، غبرة ألقيتني في كنهها، وأنا لا أفقه معنى أن أغور في أمر لا ناتج فيه، أي عرش سأمتطيه اذا قتلت حسينا؟ وأين مني حوافز التيجاني أيها الأمير؟ أم تتصور أن القتل عندنا هواية صيد، اشاخ وجودي إلى هذا الحد، لا، سأقدم إعفائي عن المهمة يا أمير.
ابن زياد: لا بأس عليك، وأنا لا أحب قائداً لا يمتلك الجرأة لمواجهة الخصوم، لكن يبقى لي الحق أن أسترد منك العهد، فلا رأي بعد اليوم، وألف من يضحي الروح من أجل هذا الملك ويستغيث.
ابن سعد (يغير نبرة الكلام): قد لا يجيد الكلام مرماه عند سفوح الفجأة، وقد يساء فهم القصد، وكل ما استشفع به من مكانة ومن تاريخ هو أن تمهلني الليلة للتفكير.
ابن زياد: قد لا ينسجم القول أحياناً، لكن تنسجم النفوس فأنا أعرف اكثر منك محتواك.
(مسمع):
عمر بن سعد: هي حيرة كلما أجمع طوابير انكساري لأرتدي لامة الحرب، أرى ذبالة أمر تسحبني إلى حيث عمق الجراح، فأزداد حسرة وألماً.
حمزة بن المغيرة بن شعبة: دعني يا خال استحلفك الله أن تسمع من ابن اختك صراخه المكتوم فيه.
عمر بن سعد: قل يا حمزة ما تريد.
حمزة: هي مرارة من خراب دافها لك الامير؛ كي لا تستكين إلا على زفرات قهر، وأناشدك الله ان لا تسير لحرب، تحمل قيء جراحاتها زمناً كلما ينكؤهها واهن يفور بها النزف، فحرب الحسين يا خال تقتطع الرحمة، وتأثم بالخالق الكريم، فإن خرجت من الدنيا بلا سلطان، خير لك أن تلقى الله بدم الحسين.
عمر بن سعد: لا أظنك يا بن اخت عدوت الصواب، (مع نفسه): لكن كيف لي أن أهدأ وحلم الري يذبح امام ناظري، كيف، والله اني اعرف اكثر من غيري ان قتل الحسين وجع مذموم، وعار، لكن ملك الري، أتعرفون ما يعني ملك الري عندي.
(مسمع):
عمر بن سعد: ما أجمله حين يطل الصباح يافع الحكمة، تنفرج اصابع رؤيتهن على اكثر من سبيل، فدعني يا اميري انسل عبر واحدة منها تحفظ ماء الوجه، هي نوبة جنون اللحظة، فلا بأس أن مددت معي اليد، أن سأنفذ للحسين، ولكن ابعث إليه من لست اغنى في الحرب منه، مثلاً سأذكر لك بعض الاسماء.
ابن زياد: كفى يا بن سعد، العروش لاتحتاج إلى رغبات مهندمة، تضع لنفسك فتنة تغويك ما انت بمن استأمره فيمن أبعث أو لا أبعث، واحمل في ذاتك أمراً لا مهرب منه، اما قتال الحسين وما ان تبعث إلينا بالعهد.
ابن سعد: لا أغضب الله الامير اني سائر إليه.
(مسمع):
(جبلة... جيش خيول صهيل)
عمر بن سعد: أيها الحر، أين عزرة بن قيس.
عزرة: نعم يا أمير.
عمر بن سعد: أريدك أن تلقى الحسين الآن، وتسأله عما جاء فيه.
عزرة بن قيس: عذراً أيها الأمير، فأنا استحي مواجهة الحسين.
عمر بن سعد: ما تقول؟
عزرة بن قيس: العذر ينثر في فضاءات الواقع اشياء اكثر من مذهلة ايها الامير، فأنا ممن كاتبت حسين وطالبت منه المجيء.
عمر بن سعد (مع الرؤساء): أرى أيها الرؤساء أن لكم وداعة غير مؤتمنة، فمن يقوم إليه ليلقاه.
(جوقة الرؤساء): كلنا كاتب حسين.
كثير بن عبد الله الشعبي: انا يا سيدي، لو شئتني ألتقيه، وان شئت افتك به لفعلت.
عمر بن سعد: من الرجل؟
الحر: انه كثير بن عبد الله الشعبي، جريئاً فاتكاً لا أمان له.
عمر بن سعد (يضحك): لا.. أجِّل فعلك الموبوء إلى ما بعد، اذهب اليه وسله فقط، ما الذي جاء به دون أن تؤذيه.
(مسمع):
(خطوات):
أبو ثمامة: ماذا تريد يا كثير..؟
كثير: أو قد عرفتني..! اريد مقابلة الحسين.
أبو ثمامة: ضع سيفك بعيداً عنك، وادخل على مولاي ابي عبد الله ان شئت.
كثير: انا لست من يؤمر فيطيع، لا أبعد سيفي عني فأذلّ.
ابو ثمامة: امنع نفسك لو شئت من الذلة، واغتسل بسلسبيل النصرة يا كثير. اعرف ان هذا الذي أقوله لك ليس درسا من دروس الفتك، وهو غريب عليك، وقد تعودت المروق، ومخلص المفيد، اخلع عنك سيفك لو شئت الدخول.
كثير: وإن لم أخلع؟
ابو ثمامة: فأرجع.
(مسمع):
(معسكر ابن سعد):
عمر بن سعد (مع كثير): يا كثير، إن لكل آن فعلاً، ولكل موقف هوية، تلك قبضة دارك وسواها مجرد وهم، وغباء أن نتشدق بالفتك، عند وداعة حوار، اين قرة ابن قيس الحنظلي؟ كم انت إليه؟ علّ الله ينجينا مما ابتلينا به، دع درعك يا قرة الصبر، واعلم أن الأحداث كمن النبت تنمو رويداً رويداً.
قرة ابن قيس الحنظلي: يبدو أن في هذا العراء تعرت الاحلام، فبانت سحر مفاتنها، تلك غواية ان نسأل عن شيء نعرفه، بل نفهمه، وكل ما في الأمر اننا نوهم النفس علنا، عسانا نحصل على ما نريد.
ها هم أمامك بعض أهل المصر الذين كتبوا إليه، يستحون الان حتى من مواجهة انفسهم، وبدل أن نسأله عما يريد، لنسأل انفسنا: نحن ماذا نريد..؟ أم ترانا نسعى لنغفوا على لزوجة حلم مخمور، هو لا يريد ان يوثق نفسه بعهد لا يرتضيه، واعتقد ان الامير ابن زياد لا يريد إلا بيعة يزيد، وإذلال الحسين.
(مسمع):
ابن زياد (مع الناس): جنة الأرض هي أن تكسو العرايا وتشبع الجياع، وتغني الفقراء، وها هو امير المؤمنين يزيد، المحمود، المحسن المعطاء، يكرم ويغني ويزيد، ويريد منكم الخروج إلى حرب عدوه الحسين، واعلموا أن خراب الأرض قلق المصير، وعمرانها هو السعي لمواجهة من يريد ان يزيل القوت عنكم، وهذه النخيلة تشهد، اني ما جئت إلا لأملأ الفضاء غضبا ضد حسين، ولأعرّي له كل ولاء خان العقل وعواصف القوة التي لا ترحم قداسة ولا عاطفة ولا قلب لها؛ لكي تعرف الحنين.
يا حصين بن نمير، خذ أربعة آلاف فارس، والحقْ بابن سعد، ويا حجار بن ابجر عليك بألف فارس، وشمر بن ذي الجوشن على أربعة آلاف، وشبث بن ربعي، إه يا شبث، أتتمارض في حومتي وتعرف اني لا احب المتخاذلين، انا لست حسيناً؛ كي تخدعوه بولاء لا يعرف معنى ان يكون.
تلك معضلة يا شبث، أن لا تجيد الفرق بين الخصمين، وكل باب له رتاج، وانا رجل ارفض ان يكون رتاجي التقوى واللين، وقسوتي تعرفها، هي حصني فإياك ان تتعرض يوماً لخداع حصين، فمن اقصى مسافات الروح ستجدني اغمركم بالبطش والذلة والخنوع، فخذ ألفا واسرح إلى ابن سعد؛ كي أغض الطرف عن تمارضك اللعين، اما انت يا زجر بن قيس الجعفي، لك مهمة اخرى.