حُمّى هلوسات الآيباد... وأطفالنا

01-02-2020
عبد الجبار نوري
يشهد التأريخ بأن البشرية مرت بعدة ثورات وآخرها ثورة (تكنولوجيا الاتصال) والتي أحدثت القطيعة بين كل ما هو قديم وأصبح اليوم جديداً، ونتيجة لهذه التطورات تزايد الطلب على هذه التكنولوجيا، وبالتالي أصبحت هذه التقنية الرقمية أكثر الموارد أهمية بالمقارنة بالموارد الكلاسيكية، مما أصبح الاهتمام بتكنولوجيا المعلومات والاتصال الرقمي الشرط الشاغل باعتبارها نقطة القوة والتمييز في عصر المعلوماتية.
لذا أحدثت التكنولوجيا الحديثة (الهواتف النقالة والآيباد) المعطى الرقمي برمته، وهو الرابط الفعلي بين الفرد والعالم، وهو ما يثير التساؤل حول رؤيتنا المستقبلية: أين نحن كعراقيين أو عرب من معطيات تلك التكنولوجيا؟ وكيفية مواكبتها، وخصوصاً ما يخصُ الطفولة البريئة، الملاحظ أن تكنولوجيا الاتصال خلال السنوات الأخيرة تميزت بتطورات سريعة وتأثيرات مباشرة للثورة الرقمية على نمط الحياة الإنسانية وطموحاتها في السلام العالمي واستغلال الإمكانات المتوفرة والمتجددة في هذا العصر .
أحدثت التكنلوجيا الحديثة تغيراً جذرياً على حياة الأطفال الأمر الذي ساعد على أن يكون مفتاحاً للأمراض النفسية لدى جيل المستقبل، نتيجة غياب الحوار الأسري والاستخدام المبكر يدفع الطفل إلى الإدمان، صحيح أن في المد الانفجاري للعصرنة الحداثوية أوجهاً إيجابية، إذ حولت الحياة نحو الأسهل من خلال قضاء الأمور والحاجات بشكلٍ أسرع، إلا أنّها أحدثت فجوة كبيرة بين شرائح الناس على أرض الواقع وهذا ما يلاحظ في البيت والشارع والسيارة والقطار أن كل فرد ممسك هاتفه الشخصي ومنغمر في عالمه الخاص .
والوضع الطبيعي للطفل هو اللعب ومشاهدة الرسوم المتحركة، ولكن ما نراه اليوم هو العكس تماماً، فالطفل أصبح متعلقاً بـ(الآيباد) بحيث أصبح أكثر براعة وخبرة من الكبار، وأثبت الطب النفسي أن الوالدين هما المحفز الأساسي لإدمان أطفالهما؛ كونهما منشغلين طوال الوقت بهذه الأجهزة وبوسائل التواصل الاجتماعي، فضلاً على أن بعض المدارس في عالمنا الواسع تسمح بالدراسة عبر الأجهزة الإلكترونية والآيباد لاحتوائها على الفصول الدراسية للكتب المقررة، ربما هي من اجتهادات المسؤولين التربويين المعتقدين بأن هذه الأجهزة عملة ذات وجهين – وهم على حق – النافع والضار.
الوجه الحسن في أداء الطفل بالمعلومات الثرة لتفتح مداركه وتوصله بالعالم من حوله وتجعله ملماً بالأحداث وبالجديد، فضلاً على أنها تنمّي مخيلته والقدرة على الاستماع وتحليل المعلومات بمستوى الوعي والإدراك من خلال التفاعل البصري والصوتي للبرامج التعليمية الموجودة على الشبكة العنكبوتية وتخلق ثقافة البحث العلمي والإبداعي .
أما الوجه السلبي، فهو يعزل الطفل عن أسرته، وتضعف علاقته بمفهوم الأسرة؛ لكونه يعمل على تفكيك الروابط الأسرية، وقد تخلق خللاً في شخصية الطفل في حال دخوله على مواقع مشبوهة في ظل غياب الرقابة الأبوية، وقد يصاب بالاكتئاب ويتولد عنده العنف.
واستعراضي لمعطيات تداعيات الآيباد النفسية ما هو إلا غيض من فيض دفعني لتشخيص أسبابها، فوجدت بعضها في العنف الأسري أو انفصال الوالدين، وأن أغلب أولياء الأمور يفتقدون لمساحة الوقت الكافي والمخصصة للأبناء، إضافة إلى عدم إلمامهم بقدرات أطفالهم وتوظيفها من خلال الخدمات المجتمعية من قبل المراكز والأندية التي هي الأخرى قليلة في بلدنا العراق.
وكذلك غياب الحوار الراقي مع الأبناء؛ بسبب انصرافهم إلى الأجهزة الإلكترونية، وربما تكمن في أسباب ومعاناة إرثية في الجينات الوراثية ويكون الإفراط في استعمال الطفل لهذا الجهاز في تبكير ظهور السمنة الزائدة والنحافة الزائدة، فلا بد من ملاحظة مخاطر هذا الجهاز في :
- الإدمان: حيث تكون علاماته الشعور بالانزعاج والقلق الشديدين في حالة البعد عن الهاتف الذكي أو الآيباد، شعور الطفل بالسعادة والحبور عندما يكون الجهاز بين يديه، ويميل الطفل المدمن إلى العزلة كثيراً ما يترك جلسة عائلية ليخلو بأصدقائه الافتراضيين، وملازمة الطفل للجهاز أينما يتحرك .
- نمو الدماغ بشكل سريع خلال الاستخدام المفرط يحدث تحفيزاً قوياً للدماغ بالنمو السريع حيث ينجم عنه مخاطر جمة مثل: نقص الانتباه وتشتيت التفكير وضعف في التعليم، وتأخير في تنمية مهاراته في التقبل، تشنج في عضلات العنق وأوجاع في العضلات، الكسل والجهد والخمول الجسدي والفكري والهذيان الذهني، والوميض المنقطع يتسبب في حدوث نوبات من الصرع عند الأطفال، احتمال الإصابة بمرض ارتعاش الأذرع، والسرطان والأورام الدماغية والصداع والإجهاد العصبي، إضافة لأمراض العيون وضعف النظر والرؤية الضبابية .
- البدانة: للجلوس الطويل لساعات حيث الخمول والكسل الذي يؤدي إلى السمنة الذي كما هو معروف انها السبب الرئيسي لمرض السكري والنوبات القلبية المبكرة.
- الأرق: أكدت الدراسات العلمية الحديثة أن 60% من الآباء لا يشرفون على استخدام أطفالهم للأجهزة الحديثة، وأن 75% منهم يسمحون باستخدامها في غرف النوم وبدون رقابة مما يؤدي إلى حرمانهم من النوم وإصابتهم بالأرق وهذا يؤثر على أدائهم الذهني.
- أن الاضطرابات النفسية والأمراض العقلية بين الأطفال في تزايد مستمر؛ بسبب ظهور التقنيات الحديثة من الأجهزة الالكترونية ومن بينها (الآيباد) الإصابة بالأمراض العقلية، الاستخدام المفرط لهذه الأجهزة، قد يصاب الطفل بالاكتئاب والقلق والتوحد ونقص الانتباه .
- الميل للعنف: إن ما يشاهده الطفل في أجهزة الآيباد من ألعاب أفتراضية أحياناً لا يدرك أنها تفتقد الواقعية في مشاهد القتل والتعذيب والتشويه وغيرها، فيميل إلى التقمص فيمارسها على إخوته أولاً، ثم يصدرها إلى الخارج مع زملائه في المدرسة ليحصل على عضوية نخبة البلطجة (عصابة التنمر المدرسي).
إن هذه المعطيات والتداعيات النفسية الكارثية على الطفل البريء يبدو أنه - ونحن الآباء - في امتحان عسير لحلحلة المشكلة والاتجاه إلى بعض من المعالجة والحل. بالبدء لديّ همسة في أذن الوالدين: إني لا أقصد منع الأطفال من تداول هذه الأجهزة؛ لأن في زماننا يعدُ ضرباً من الخيال، وأن المنع المطلق غير ممكن لكون مجمل هذه التقنية مفيدة ومن أفضل وسائل التعليم، أي أن لا يكون المنع بطريقة بوليسية قهرية قمعية؛ لكون كل ممنوع مرغوباً.
يبدو أن المشكلة شاخصة وعامة لدى أغلب الأسر في انتزاع الجهاز منهم انتزاعاً بعد ملحمة درامية، يفضل أن يحولوا أنتباههم إلى البديل: كالاتجاه إلى الرياضة وخاصة إلى اللعبة المحبوبة لديهم كرة القدم أو للعبة الشطرنج، أو محاولة الاتجاه إلى الحل الوسط باستعمال الآيباد من حيث عدد ساعات الاستخدام.
زرع الوازع الإنساني داخل الطفل، المراقبة عن بعد، عدم حفظ البيانات الشخصية داخل هذه الأجهزة على العموم ومنها الآيباد، ولابد من التركيز على توفير الثقة والقدرة على (توظيف) الأثر الإيجابي في الحياة، والاستمتاع بما تحققهُ بعيداً عن الأضرار والأوجاع والمشاكل والعراقيل التي هي من إفرازات الوجه الثاني لعملة التقنية الرقمية، ترى هل نراهن على إيجابياتها أم نترك السلبيات تقضم طموحات الأجيال القادمة؟ فالوجهان مفروضان علينا، فلا بد أن نكون في الاتجاه الصحيح في استثمار فوائدها والتقليل من أثر الجانب المعاكس، وأن لا ننسى دور الدولة وحرصها على حضور الاجتماعات الدولية لدراسة سبل حماية الشباب من مخاطر الجريمة الإلكترونية وفي اعداد مكتبة للتوعية الإلكترونية، وكذلك يجب إقحام السلطة الرابعة (الإعلام) في خضم هذه المعركة المصيرية، وإبراز التوعية من أجل ثقافة إلكترونية جادة ووطنية.