زخرفة النفاق الاعلامي وأبواب الكذب والخداع
31-01-2020
د. يوسف السعيدي
شهد الواقع الإعلامي العربي، وخاصة العراقي العديد من المتغيرات الإيجابية على مدار السنوات القليلة الماضية، التي جاءت أغلبها كاستجابة فعلية، لما بات يفرضه عصر جديد يتسم بالسرعة في شتى مناحي الحياة، وقد دللت على ذلك القدرة الإعلامية العربية العالية على التعاطي من الأحداث الجارية.
إلا أنه، وعلى الرغم من تلك الثورة الإعلامية على مستوى التقنيات والإمكانيات الفنية والمادية، إلا أن وسائل إعلامنا العراقي مازالت تعاني العديد من السلبيات، منها سطحية التناول للأحداث والقضايا، إلى جانب انتشار بعض الظواهر الدخيلة مثل: نشر الأكاذيب وإثارة الفضائح من خلال التناول والتداول غير الموثوق وغير الصحيح بالمرة، ذلك دون تحري الدقة ومراعاة البحث والتأكيد قبل العرض والنشر، كذا دون الإحساس بأدنى مسؤولية تجاه المجتمع..!!
وهذا الأمر هو ما بات يمثل ظاهرة جديدة دخيلة أصبحت في حاجة ملحة بالفعل إلى وقفة متأنية، لاسيما بعدما أصبح تناولها يحمل الإساءة إلى إعلامنا ويثير السخرية منه، بل ويطرح العديد من التساؤلات حول كيفية استفحالها لتلك الدرجة وبالشكل الذي ساهم في وصولها؛ لأن تصبح سمة غالبة على مختلف المواد الإعلامية التي لا تكل ولا تمل مختلف القنوات أرضية وفضائية ومعظم الصحف بكافة أشكالها وأنواعها من استعراضها وإبرازها..؟!
والحقيقة إنه أخشى أن لا يكون الحديث فقط عن مجرد ظاهرة عابرة بل عن موجة سائدة عاتية تستهدف فيما تستهدفه تحويل الإعلام من مجرد أداة تعليمية وتنويرية تثقيفية للمجتمع في المقام الأول، تحويلها إلى معاول هدم له، تلك الموجة التي يقودها ويتزعمها قطيع كبير ممن حملوا مفاتيح الأبواب الخلفية لوسائل الإعلام بمختلف أنواعها، واحترفوا فن الفبركة بعدما ضربوا عرض الحائط بالعديد من المصطلحات والمفاهيم من أمثال المصداقية والشفافية، كذا مبادئ وأهداف ووظائف الإعلام التي يبدو أنها كانت مجرد مواد دراسية أصبحت لا تعدو كونها حبراً على ورق علمناها يوماً.
وهذا هو ما تؤكده العديد من المشاهد الملتقطة لواقعنا الإعلامي، حيث تحولت وسائل الإعلام وخاصة الصحافة لدينا من منبر يدعو إلى الصدق وينادي بأمانة القلم والكلمة وكشف الحقائق وإظهار الخفايا عبر طرح القضايا التي تهم المتابع بكل (مصداقية) وبكامل (الشفافية)، تحولت إلى بوق للكاذبين والمخادعين والمنافقين والغشاشين، بوق لبث أكاذيب ونشر السموم الاجتماعية، بعدما تبدلت المفاهيم بشكل أصبحنا نترقب من يسد جوعنا الدائم للمعلومة (الصادقة) التي لا تمسها (زخارف) النفاق، المعلومة التي غايتها التثقيف وليس الهدف والغاية المرجوة منها هو حماية مصالح فئة على حساب أخرى، المعلومة الصادقة التي لا تغلفها عبارات (مصادرنا الخاصـة أو المسؤولة)، الحقيقــة التي لا نحتاج إلى رشها (برذاذ كاشف) لنرى وبكل وضوح ما يحاول إخفاءه (سماسرة الكلمـة)، من حقـد مغلف بـورق السولوفان الفاخر..!!.
فما أقبح أن يتحكم في إعلامنا الكثير من (سماسرة عـري الكلمـة) ممن احترفوا وأجادوا استخدام معاول الهدم التي تحاول - بائسة يائسة - أن تهدم ما يمكن هدمه..!! ممن احترفوا فن الخديعة وتلفيق التهم وأمتلكوا الأصوات (النشاز) استمرارا لمحاولاتهم المستميتة في اعتراض طريق كل من عد أنموذجاً للإجادة.
وتلك للأسف الشديد الكثير من ملامح ما ظهر من صورة الإعلام ودوره في المجتمع خلال الفترة الماضية، والتي كان من الضروري رصدها والوقوف عندها في محاولة لوضعها أمام الجميع، والنظر إليها بعين فاحصة للبحث عن أسباب ما ألمّ بها، لعلنا ننجح في إعادة رسم ملامحها كما ينبغي لها أن تكون من جديد.
والآن لم يعد لدينا سوى إطلاق نداء استغاثة إلى من يهمه الأمر - إن وجد - يحمل رسالة مفادها (أوقفوا الفبركة وممتهنيها حفاظا على ما تبقى لنا من شبح مجتمع يصارع الفناء، مجتمع لازال متمسكاً بقليل القليل من عاداته وتقاليده وتاريخه وثقافته محتميا بأسوار تراكمات أعمال مبدعيه).