للعباس عليه السلام وروضته البهية محبة وسلام وتحية (حتى الصابئة يبكونك يا حسين)

31-01-2020
يحيى غازي الاميري
انبريت من بين زحمة الكثير من الشعراء والأدباء لحجز أيقونة ولائية في حب أهل البيت D فباسم أبي الفضل وباسم الحسين نحو العلا سيري صدى الروضتين تلك اللوحة الغراء التي واكبت هذا الشجن الأصيل عبر سنوات عدة.
أكون سعيداً لو كنت أمتلك مقومات كتابة الشعر العمودي, وأوزان بحوره المتعددة, وأشارك بملف صدى الروضتين عن الشهيد العباس, صاحب المآثر والمواقف الخالدة, والذي تختزن له حافظة رأسي منذ عشرات السنين عشرات الصور والمواقف, كفّ العباس, خبز العباس, أحلفك بالعباس أبو فاضل, قمر بني هاشم, صاحب لواء الحسين بمعركة الطف في كربلاء.
لا أخفيك سراً أني لست بشاعر, لكني أقرأ بشغفٍ الشعر والنثر وميادين الفنون الأدبية الأخرى, قد أكتب أحياناً شيئاً قريباً للنثر منه للشعر, وعند مراجعة وإعادة قراءة ما كتبت، وأرى فيه موسيقى وإيقاعاً جميلاً يفرحني كثيراً ذلك.
أدرت محرك البحث (كوكل) عن كلمة أبي الفضل العباس، وسرحت بسفره الخالد, ومآثره الكبيرة, وشيء عما قيل بحقه, وعن واقعة الطف، ودور العباس الكبير فيها, العطش, استغاثة الأطفال من العطش، قربة الماء التي يروم ملأها وجلبها للعيال والأطفال وهم محاصرون في ساحة النزال, السهام المتطايرة, الأكف المقطوعة, صاحب الألقاب المتعددة, فمن سفره الخالد يستلهم الجميع الدروس والعبر بالشجاعة والصبر والتضحية والشهادة والدفاع عن المبادئ والقيم النبيلة.
ومن ثم أدرت محرك البحث (كوكل) مرة أخرى على جريدة صدى الروضتين, وقد أبحرت في الروضتين الطاهرتين, وبقدر فرحي واستمتاعي بما كنت أقرأ تألمت لصور كانت قد نشرت على صفحات الانترنت عن حجم الدمار الذي أصاب الروضتين، والفضاء المحيط بهما بعد قمع الانتفاضة الشعبانية العارمة عام 1991, وعادت بي الذاكرة إلى تلك الأيام الرهيبة التي مرت على البلد.
ودارت بي الذكريات ورحت استرجع ذكرى مضت عليها سنون طوال، لكنها لم تبرح الذاكرة, استعدتها وبدأت أجمع بعض صورها المنقوشة في صندوق رأسي, قبل ثلاثين عاماً ونيف من السنين سنحت لي ذات مرة زيارة الروضتين الطاهرتين في ذكرى العاشر من محرم أقصد ليلة العاشر من محرم, كما نسميها (الطبك) بصحبة مجوعة من زملائي الطلاب، عندما كنت طالباً في المعهد الزراعي الفني في أبي غريب عام 1973, لم تكن هذه الزيارة لكربلاء الوحيدة لكنها كانت الأولى, كان معي في تلك الزيارة - أتمنى أن تسعفني الذاكرة بذكر أسمائهم الصحيحة - الأصدقاء الأحبة (طالب شمران) من أهالي سدة الهندية، والعزيز(أنيس) من أهالي بغداد، والصديق (محمد العبودي) من أهالي البصرة, وصديقي الشهيد الطيب(يشوع مجيد بهنام) من أهالي مدينة قرقوش من سهل نينوى.
تصور مدى الألفة والأخوة والمحبة والوئام والتسامح والانسجام التي جمعتنا, فالذي جمعنا حب العراق وتربته الطاهرة, العراق موطن الأنبياء والأولياء, العراق صاحب الحضارة والمدن الضاربة بالقدم, السومريون, والاكاديون, اور, الوركاء, بابل, آشور, طيب ماثا, نينوى, كربلاء, الطف, الكتابة المسمارية, القبب الذهبية, أكاليل الآس, النخلة المباركة (السندركا), الشلالات, الجبال الشاهقة, الأهوار, المشاحيف, حي على خير العمل, طيور الماء, البلابل, حمام الكاظم, نواقيس الكنائس, فرات زيوا ومياهه المقدسة, بابا كركر, بلاد ما بين النهرين وأطيافه الرائعة, فأنا صابئي ديني غرس التوحيد الأول في بلاد الرافدين, والفقيد يشوع مسيحي يحمل غصن الزيتون والطيبة والمحبة والتسامح, وبقية الإخوة جميعهم مسلمون موحدون, يؤمنون بكل الأنبياء والرسل, ثق أني لم أكن أعرف إلى أي مذهب ينتمون.
في تلك الزيارة وصلنا قبل الظهر, بعد تناول الغداء في أحد مطاعم كربلاء قرب الروضتين, حجزنا غرفتين مكاناً لمبيتنا في أحد الفنادق القريبة من الفسحة التي تقع بالقرب الروضتين, في تلك الليلة طفنا في شوارع المدينة، وسرنا جنب المواكب, ازدحام شديد, حشود من النسوة, صوت طبول, إيقاع موسيقي لارتطام الأكف بالصدور.
تجولنا في باحة الروضتين المقدستين, الأضواء تبهر الأبصار, القبب الذهبية المهيبة, قاعات مزججة, ثريات عملاقة, قاعات فارهة مفروشة بالسجاد الراقي, زوار من شتى بقاع الأرض, جموع تطوف حول أضرحة الإمامين, وأخرى تفترش الباحات, أصوات استغاثة تختلط بأصوات البكاء, بقينا نتجول حتى انبلج الصباح, في الصباح كانت الهريسة والقيمة والتمن والشاي توزع مجاناً في كل مكان.
رسالتكم الكريمة أيها الأديب العزيز (علي الخباز) حفزتني أن أكتب لجريدة صدى الروضتين هذه الرسالة وفيها بعض الذكريات، وشيء عن زيارتي للعراق، وهي الزيارة الأولى منذ مغادرتي للوطن قبل حوالي تسع سنوات, والتي صادفت في نهاية كانون الثاني من العام الماضي 2009م وتزامنت بالصدفة مع فعاليات مهرجان النور الثقافي في العراق.
كنت في شوق كبير لزيارة العديد من محافظات العراق وبضمنها العتبات المقدسة في كربلاء, من خلال حضور أيام مهرجان النور الثقافي, فهنالك يوم مخصص لمهرجان النور في كربلاء المقدسة, كنت بشوق للقاء أصدقاء وأحبة كتاب وأدباء وشعراء تعرفت على البعض منهم من خلال موقع النور.
في ختام مقالنا هذا نتوجه بالشكر مرة ثانية, للأستاذ الأديب علي حسين الخباز, رئيس تحرير صدى الروضتين والمسؤول الإعلامي للعتبة العباسية المطهرة, لهذه المبادرة والدعوة الكريمة التي أتاحت لنا الفرصة بكتابة مقالتنا المتواضعة هذه, كمشاركة لبث ونشر ثقافة التسامح والمحبة والإخوة بين أبناء شعبنا العراقي الواحد بكل أطيافه وألوانه الجميلة, والتي تأتي في وقت أحوج ما يكون فيه بلدنا وشعبنا والعالم أجمع, لنشر وبث الدعوة لسياسة التسامح والمحبة والوئام والسلام ونبذ سياسة العنف والموت والتفرقة والتمييز بكل أشكاله.
إن كل الرسالات السماوية والتي عمل وسعى من أجلها الرسل والأنبياء والأوصياء والأتقياء وأصحاب الضمائر الحية الشريفة والقيم الإنسانية النبيلة, هي رسالات للخير والمحبة والسلام والتعاون, والعدل والإنصاف, تبث وتنشر عطر التسامح والإخوة العبق الفواح, وما يسطر بالدراسات والبحوث والكتب وفي مختلف وسائل الإعلام والمحافل وما تجود به قرائح الشعراء ومنابر القراء هو خير دليل على إحيائنا واستذكارنا ومن مختلف الملل والنحل, في كل يوم وعام ومنذ أكثر من 1400عام لواقعة الطف (ثورة الحسين الشهيد) وصحبه الميامين, لنستلهم منها الدروس والعبر في الشجاعة والبطولة والصمود والتضحية والفداء, والغور في بحور ميزات قادتها الأفذاذ, ودورها كثورة في مقارعة التسلط والتمييز والجور والظلم والاستبداد, من أجل الخير والحرية والمحبة والوئام والسلام.