في الذكرى (الخامسة) لفتوى الدفاع المقدسة.. هل كان داعش صناعة عراقية؟

15-01-2020
نجاح بيعي ‏
في الذكرى (الخامسة) لصدور فتوى الدفاع المُقدسة، كنت أعدت قراءة نص (الفتوى) أكثر من مرّة كما في كل مرة, حتى استوقفتني الفقرة (3) الثالثة منها بالتحديد. وكان خطابها موجهاً للقيادات السياسية في العراق خاصة, وقد طالبتهم بـ(ثلاثة) مطالب بعد الهجمة البربرية من قبل تنظيمات عصابات (داعش) الإرهابية هي:
1ـ ترك الإختلافات والتناحر خلال هذه الفترة العصيبة على أقل تقدير.
2ـ توحيد الموقف والكلمة.
3ـ دعم وإسناد القوات المسلحة(1).
تمعّنت بضمون المطالب وقلبت النظر فيها أكثر من مرة، وما ترمي إليها، وخلصت الى أن القيادات السياسية في العراق ولغاية عشية وصباح سقوط (الموصل) بيد الإرهابيين, كانت (طامسة) وغارقة في الإختلافات والتناحر من أجل المكاسب السياسية, وكانت على درجة من عدم توحيد الموقف والكلمة تجاه قضايا الوطن (العراق) وتحدياته المصيرية, وبالنتيجة أدى ما هم عليه الى تنصلهم من دعم وإسناد القوات المسلحة في تصديها للهجمة الإرهابية لـ(داعش) حتى حلّت الكارثة بانهيار القطعات العسكرية والتشكيلات الأمنية.
سألت نفسي: هل كانت الطبقة السياسية سبباً في حلول الكارثة ودخول (داعش) الى العراق؟ بمعنى آخر أدق: هل اتهمت المرجعية الدينية العليا في الفقرة (3) من نص الفتوى القيادات السياسية بتمكين (داعش) من السيطرة على أكثر من ثلثي أراضي العراق؟
وإذا كان الأمر كذلك، فهل تذهب المرجعية العليا إلى أن (داعش) صناعة محلية (عراقية)؟ للإجابة عن تلك الأسئلة، ربما أحتاج غوصاً في مواقف ونصوص المرجعية الدينية العليا تجاه مجمل الأحداث والتحديات المصيرية والقضايا الخطيرة المختلفة التي واجهت العراق وشعبه وبالخصوص في الملف الأمني، وهي نصوص كثيرة ومتنوعة كما تعلمون كالبيانات والإستفتاءات وأجوبة الإستفسارات, فضلاً عن ما يطرحه منبر صلاة جمعة كربلاء من تلك المواقف المختلفة.
وبما أن مسألة البحث في النصوص والمواقف ليست بالمستحيلة ولا بالعسيرة, مع توفر الأدوات الحديثة والمنتشرة عبر وسائل شبكة الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي, فالأمر لا يحتاج إلا إلى بذل بعض الجهد اليسير, حتى ساقني الى بعض النصوص التي أسعفتني بالإجابة عن الأسئلة أعلاه منها:
أولاًـ جواب المرجعية العليا على أحد أسئلة (وكالة الصحافة الفرنسية) في 20/8/2015م الذي كان يسأل: (هل يعتبر سماحة السيد أن الدعوة إلى مكافحة الفساد وإصلاح مؤسسات الدولة، توازي بأهميتها نداءه إلى الشعب العراقي في حزيران/ يونيو 2014م لقتال تنظيم داعش؟).
فجاء جوابها الذي حمل الرقم (4) من الأجوبة نصاً كما يلي: (من المؤكد أنّه لولا استشراء الفساد في مختلف مؤسسات الدولة ولاسيّما المؤسسة الأمنية، ولولا سوء استخدام السلطة ممن كان بيدهم الأمر لما تمكّن تنظيم داعش الإرهابي من السيطرة على قسمٍ كبيرٍ من الأراضي العراقية، ولما كانت هناك حاجة الى دعوة المرجعية العليا للعراقيين الى الإلتحاق بالقوّات المسلّحة للدفاع عن الأرض والعِرض والمقدّسات.
واليوم إذا لم يتحقق الاصلاح الحقيقي، فإن من المتوقع أن تسوء الإوضاع أزيد من ذي قبل، وربما تنجرّ الى ما لا يتمناه أي عراقي محبّ لوطنه من التقسيم ونحوه لا سمح الله..)(2).
إذن، لولا الفساد وسوء استخدام السلطة من قبل الطبقة السياسية لما تمكن (داعش) من السيطرة على مقدرات العراق. وهو اتهام واضح ومباشر من قبل المرجعية العليا بل حذّرت بأن العراق سيشهد ما هو أسوأ من (داعش) وبما لا يتمناه كل عراقي, فيما لو استمر الحال على ما هو عليه, باستمرار نهج الطبقة السياسية الحاكمة السلبي.
ثانياً- وقبل أن أنتقل إلى نص آخر لموقف جديد للمرجعية العليا, سأبقى مع عبارة (..لما تمكّن تنظيم داعش الإرهابي من السيطرة على قسمٍ كبيرٍ من الأراضي العراقية..) من نص الجواب على أحد أسئلة الصحافة الفرنسية أعلاه, وتحديداً عند كلمة (.. تمكّن..) بالذات.
مما لا شك فيه أن المرجعية الدينية العليا عالمة في علوم اللغة العربية, لذا فهي حريصة جداً وحذرة في الوقت ذاته في اختيار الألفاظ في صياغة ما تريد من مضامين في البيانات أو الرسائل أو الردود أو الأجوبة وغيرها, حتى يصل المعنى بشكل لا لبس فيه أو توهم للأمة جمعاء وللشعب العراقي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) خطبة جمعة كربلاء (14شعبان 1435هـ) الموافق لـ(13حزيران 2014م) في الصحن الحسيني الشريف بإمامة الشيخ عبد المهدي الكربلائي (دام عزه).
(2) أسئلة وكالة الصحافة الفرنسية وأجوبة مكتب سماحة السيد السيستاني (دام ظلّه) عليها - النجف الأشرف في 4/11/1436 هـ الموافق 20/8/2015م.