كربلاء القلب.. الفصل الأول (الطريق الى كربلاء)

05-01-2020
اللجنة الاجتماعية
الراوي:ـ في مفاصل هذه الصحراء تحجر الدمع عيونا في محاجرها، وتفجر الرمل خلية خلية في جسد ممدود يحمل أخباراً لها طعم الموت
شخص 1:ـ سيدي يا حسين (يتلعثم)
الحسين:ـ لِمَ تطرق الرأس..؟ قل ما لديك فكل العيون مدججة بالدم بدل الدمع فقل يا ولدي:
الراوي: الخبر مقروء في عينيه، وهذا الارث المكتوم تحمله الشفاف ضفافا تؤالف وجع القلب، وقد ترك الناس مسلماً عند هدير العاصفة؛ طعماً للموت وحيداً يحمل جراحاته وراية مطعونة القسمات.
شخص 1: سيدي يا حسين لقد قتل هاني بن عروة.
الحسين: لا حول ولا قوة الا بالله رحم الله هانئاً.
شخص 1: سيدي يا حسين لقد قتل مسلم بن عقيل.
الحسين:ـ لا حول ولا قوة الا بالله رحم الله مسلما.
الراوي: تجيئ من صرخة المقتول شهقة والرحيل لقاء يوغل في النفس وصراخ الهاشميين صير الصحراء مأتما محترق القلب... فالدماء روح وشاهدها اللهب المستعر في القلوب وهكذا سارت الجراح ركبا حسينيا ينساب في هذا الضوء نحو الثعلبية سمت باسم رجل من بني اسد واسمه ثعلبه نزل الموضع واستنبط عين ماء...
صوت شخص1: اراك يا بن رسول الله في قلة من الناس؟
الحسين:ـ الناس كتب لو كذبت كذب الناس.
الراوي: وفي موضع الشقوق قبر لعباد الاسدي يشد الدرب لزيت اخبار يسرج منها قنديل الرأي.
رجل: ماذا وراءك؟
رجل 2: لا شيء سوى انهم مجتمعون على حرب الحسين.
الراوي: غمامة وبرق وطيف مذيوح يورد موقع (زبالة).
(انتهى المشهد)
عبيد الله بن زياد: ماذا لدي يا حصين بن نمير..؟
الحصين بن نمير:ـ هي الصحراء تقوست تحت كاهل العسكر فصارت اشبه بكف اليد يا مولاي الامير، وما من ظل تسرب عبر المكان الا قبضنا عليه، وها هو عبد الله بن يقطر رسول الحسين الى مسلم بين يديك.
عبد الله بن زياد: يا عبد الله بن يقطر لي امنية قديمة نشأت معي مذ كنت طفلا احلم يوما ان اسبق ظني... ظني مفزع لو اسقطته عليك وملخصه ان القتل قليل عليك... لكن ماذا لو ساعدتني ان اسبق هذا الظن مرة واحدة ويبدو انك ادركت كم كنت مخدوعاً والان انت الوحيد الذي تقدر ان تنهض نفسك من شق السيف وانت وحدك القادر ان تنزع الثوب الظلي؛ كي لا تذل امام جبروت سياف والمسألة بسيطة، تصور انك الان ضيفي وبعد قليل سأصطحبك الى ملأ الكوفة لتعلن لهم الندم العميق وتشتم الكذاب ابن الكذاب، هذا يعني اني اقايضك حياتك كلها بكلمة، آه كلمة صغيرة.
(برهة صمت) صوت اقدام وهي تأخذه.
عبد الله بن يقطر: ايها الناس انا رسول الحسين بن علي بن فاطمة الزهراء D اليكم، جئت أحثكم لنصرته ومؤازرته على ابن مرجانة.
صوت سياط ودفع وصوت ارتطامه بالأرض.. ثم كلام له آه آه
عبد الملك بن عمير اللخمي: هذا ما زال به رمق من حياة، اذن، انا من سيذبحه اللحظ (صوت الذبح)
صوت: (هامس) لِمَ ذبحته يا عبد الملك بن عمير..؟ لِمَ ذبحته..؟
عبد الملك: انا اردت ان اريحه فيستريح.
الراوي: نافذة الصدق نفتحها لنرى من يتوسم بعذاب النخل ومن يوشم على حوائط الوهن شعارات مصالح تعمرها الخنوع.. ومن المؤكد سوف لن يبقى سوى من دمه يشتعل فوق الوسائد.
الحسين: هذا ما حدث ومن ترمدت عين مصالحه ليفارقنا متى شاء وليفارقنا بعد من لم يتخمر اخضراره بعد.
الراوي: ولذلك بقى القليل.
وفي موقع بطن العقبة كان السمع شجياً بمطر الجراح.
الحسين: كلاب تنهشني كلما حاولت أن ادفعها اقتربت وكان فيها ثمة كلب ابقع.
عمر بن لوذان: تاويلاً للرؤيا الطالعة من آنية الفيض لتمتطي صهد السفر عائدا الى دفء المدينة.
فالكوفة رمح الغدر وسيف الخيانة وترس غير مأمون الصلد الحسين:ـ حين يستحكم الواهي بالامر تفقد كل المدن الممرات الفلوات امانها، واعلم ان كل آت سيجيء.
الراوي:ـ
وعلى موضع شراف موقع سمي باسم رجل يقال له شراف، فاءت الارض شجرا فارغ الخضرة، ليرسم الأفق دماً عند ملامح الأوجاع.
رجل1: الله اكبر.. الله اكبر.. الله اكبر
الحسين: ما الأمر؟
رجل: رأيت النخل
رجل آحر: لا نخل هنا بل هي اسنة الرماح
الحسين: كذلك اراه فابحثوا عن ملجأ لا يكشف لنا وجه.
رجل: هو ذو حسم يا سيدي
كان مهداً لصيد النمان وهو عن يسارك.
صوت جلبة عدد غفير من الجيش
الحسين: اسقوا القوم ماء ولترشف الخيل رواء
رجل: هههههههه
هل رأيت ما فعل علي بن الطعان المحاربي
رجل 2: ما فعل؟
رجل 1: هههههههههه
رجل 2: لقد اخذ السقاء من قائده الحسين عطفه حتى ارتوى، ثم سقى فرسه.
رجل 1: انه قائد طيب وحنون من يسقي جيشا في هذه البيداء المقفرة التي يعز فيها الجرعة الواحدة وما كنا نفعل دون هذا الرجل ونحن نلتقي الخصم بعد قليل.
رجل 2: اي خصم تتحدث عنه.
رجل 1: الخصم الذي جئنا لقتاله.
رجل 2: ههههههههه انه هو
رجل 1: هو الذي جئنا لنقاتله ويسقينا وخيلنا الماء..!
صوت أذان:ـ الحسين للحر أتصلي باصحابك..؟
الحر: جميعنا نصلي بصلاتك يا ابا عبد الله.
برهة للصلاة
الحر: انا أمرت ان لا افارقك اذا التقيتك حتى اقدمك الكوفة على ابن زياد
الحسين: الموت ادنى اليك والاماني المتدثرة هي سلالم نفاق تأباه
الحسين مع جماعته: هيا الى الركب
الحر: لا أدع أحداً يكنز الصرخة في صدره ويحرك ساكنا من زغب الصوت فخذ يا حسينا طريقا نصفا حتى اكتب لأميري ابن زياد والله المنجي من كل هلاك واعلم أني لأشهد انك إن قاتلت لتقتلن
الحسين:ـ أبالموت تخوفني..؟
انشاد:ـ
فان عشت لم أندم وإن مت لم أُلم
كفى بك ذُلاً أن تعيشَ وتُرغما
الراوي:ـ وسار الركب يعدو على المواقع وخلفه الردى مرايا ومن شظايا المرويات نقرأها (البيضة) هي ارض واسعة لبني يربوع بن حنظلة والرهيمة ويقال لها الرحيمة.
الحسين:ـ بنو أمية ابكروا الذلة شاسعة الينا، وفي قلب مكة سجروا العناوين وأعدوها للذبول.
الراوي:ـ وفي غريب الهجانات وهو وادي لبني تميم كانت خيل النعمان بن المنذر ترعى بها.
(صوت جلبة شجار قريب)
الطرماح:ـ سيدي يا حسين سلام الله عليك أنا الطرماح بن عدي الطائي لا أمتلك في هذه الدنيا سوى محبتك وكل تاريخي صحبة ابيك أمير المؤمنين.. محمودة هي المقادير التي جمعتني بك مهما كان طعمها فخذ القلب يا ابن رسول الله سيفا يقاتل بين يديك.
الحسين:ـ ما رأي الناس خلفك يا طرماح..؟
الطرماح:ـ لا أخفي من الامر شيئا يا مولاي لأني أخشى عليك
الحسين:ـ قل يا طرماح قل.
الطرماح:ـ كبار القوم عظمت رشوتهم وقلوب الناس معك، لكن السيوف عليك هم قتلوا قيس بن مسهر الصيداوي.
الحسين:ـ (ومنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر)
الطرماح:ـ أفديك بروحي يا حسين.
الحسين:ـ كيف رأيك بالناس خلفك يا طرماح.
الطرماح:ـ
في ظهر الكوفة رأيت الناس مجتمعين وفيهم رغوة القلوب الذابلة تحشد الموت لتعتنيك.. أنشدك الله يا مولاي أن لاتقدم فهم أذلاء اعتادوا المهانة في ظل العروش وسطوتها، هم هياكل بشرية لا تجيد الا القتل وسفك الدماء فان لم يقاتلك سوى من حولك فهذا يكفي... ولكن دعني أعرض اليك امري.. فمن ملكوت خوفي عليك اقول: سر معنا لننزل جبل (أجا) فقد اعتصمنا به من ملوك الغساسنة وحمير دهرا ومن النعمان وسطوته ومن الاسود والاحمر.. عشرة ايام لا غير وبعدها سيأتيك رجال وركبان وأنا زعيم لك بعشرين الف طائي يضربون بين يديك.. الا أن لك الامر فترى حينها ما ستحتكم عليه الظروف.
الحسين:ـ جزاك الله وقومك خيرا يا بن العم هي ليست مسألة رجال وسيوف وخيول وجيش.. المسألة يستحكمها الميثاق الذي بيننا والعهد لأنجز أنا ما عليّ وللاخر ما سعى.. هل تراني ممن يركن العهد ليعيش ذليلا بين الناس ويقال بعد ذلك استنجدوا بالحسين فخذلهم.. بل أنا سأجيبهم لآخر نفس ينبض فيّ، ويستجلي بعد ذلك الامر عن عاقبة هي الدليل.
الراوي: كم كانت الارض حينها مثخنة بالجراح وفي جذورها تمرّ دالية الفصول إذ وصل الركب لقصر (بني مقاتل) وينسب هذا القصر الى مقاتل بن حسان بن ثعلبة وهناك رأى الحسين A فسطاطا.
الحسين:ـ انظروا لمن هذا الفسطاط
رجل:ـ انه يا مولاي لعبيد الله بن الحر الجعفي
الراوي:ـ يذكر الرواة يوما انه استنصر أمير المؤمنين عليا لخصومة فقال له أمير المؤمنين: إنك ظاهرت علينا عدونا يا بن الحر، فأجابه الجعفي: أيمنعني من عدلك ذلك يا أمير المؤنين..
والمهم بعث الحسين اليه الحجاج بن مسروق الجعفي
عبيد الله:ـ ما وراءك يا بن مسروق
ابن مسروق:ـ جئتك يا بن العم بخير هدية لك أحملها من قصاع الخير موفقة بالبشر والسعادة، فالحسين بن أمير المؤمنين يدعوك الى نصرته وطوبى لك ان قاتلت بين يديه فغرست لتاريخك شجرا يتفيأ تحت ظلاله نسلك الى أبد الآبدين.
ابن الحر:ـ وإن قتلت..؟
ابن مسروق:ـ هي الشهادة قطاف النبل نتاج البطولة والشجاعة والنصر الاكيد.
ابن الحر:ـ
فلتعلم يا بن العم أنا هربت من الكوفة كي لا ألتقيه، وهل أحدثك عما رايت.... رأيت حشوداً خرجتْ لحربه وخذلان شيعته، لذلك اعلم انه وحيد الخطوة وانا رجل حرب يا بن عمي والحرب تعد وتحسب مثل اي نتاج يعد... صدقني لا أمل في النجاة لديه... كل شيء يدل على انه مقتول لا محال ولا اقدر على نصرته ابدا ولا اريد ان اراه.
ابن مسروق: لأنك تخشاه... هو قادم اليك.
ابن الحر: ياه ياه ما رأيت من هو أملأ للعين منك يا ابن رسول الله.
الحسن: يا بن الحر في زحمة الذنوب يصبح الانسان كالغريق يحتاج الى متكئ نجاة وما اجمل التوبة حين تصير نصرة تمحو بها الذنوب.
ابن الحر: هي دهشة مرتبكة اعيشها في رحابك يا ابا عبد الله.. وأعلم ان ناصرك لسعيد ومن شايعك محظوظ وهذا عندي اكيد لكن ما عساي افعل ولم اخلف لك في الكوفة ناصرا ولا معينا، ونفسي لا تسمح بالموت، لكن خذ فرسي هدية لك.
الحسين: اذا رغبت النفس عنا فلا حاجة لنا في فرس ولا في صاحبها؛ لأني ما كنت متخذ المضلين عضدا... وفوق صهوة النصيحة ازف لك النصيحة... ان استطعت أن تصمّ الأذن بخشونة اصبع من صحراء فافعل، ولا تشهد سوح الجراح التي ستقضمنا، فوالله لا يسمع واعيتنا احد ولا ينصرنا الا أكبه الله في نار جهنم.